كتبت صحيفة "الجمهورية" تقول : بدأت مهلة الـ 15 يوماً لانتخاب رئيس المجلس النيابي الجديد واعضاء هيئة مكتبه امس، مع بداية ولايته، في ظلّ أجواء لا توحي حتى الآن بحصول اتفاق بين جميع الكتل على إنجاز هذا الاستحقاق في موعده. وعلى الرغم من انّ البعض يقول انّ المواقف التصعيدية هي عبارة عن رفع سقف شروط تمهيداً للدخول في تسويات، الّا انّ بعض المواقف يثير مخاوف من احتمال دخول البلاد في فراغ نيابي يعقبه تلقائياً فراغ حكومي وصولاً الى فراغ رئاسي عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية في 31 تشرين الاول المقبل، في الوقت الذي بدأت الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية تزداد تفاقماً، مع عودة ارتفاع سعر الدولار وتراجع القيمة الشرائية للعملة الوطنية، ما يزيد من المخاوف من حصول انفجار اجتماعي لا يُبقي ولا يذر، تغذّيه مواقف تُطلق من هنا وهناك، تتحدث عن انّ البلاد ذاهبة الى مرحلة شديدة الصعوبة في حال لم تتقاطر جميع القوى الى ورشة تنقذ البلاد مما هي فيه، وتستدرج الدعم العربي والدولي للبنان.
قالت أوساط سياسية متابعة لـ«الجمهورية»، انّه مع انتهاء الانتخابات النيابية دخل لبنان في ثلاثة اختبارات دستورية متتالية وتحدٍ من طبيعة معيشية:
ـ الاختبار الأول، انتخاب رئيس مجلس النواب ونائب الرئيس وهيئة مكتب المجلس، وإذا كان انتخاب الرئيس محسوماً، والتحدّي في عدد الأصوات التي سينالها، فإنّ موقع نائب الرئيس غير محسوم بعد، في انتظار معرفة ما إذا كانت الأكثرية الجديدة ستتمكن من الاتفاق على مرشح واحد. ولكن في مطلق الحالات، فإنّ هذا الاختبار سيمرّ في نجاح، بمعزل عن اتجاهات تصويت النواب، والتي ستظهر في الجلسة الأولى، في ظلّ كتلة نيابية جديدة نجحت بإسم الثورة وما زال يصعب توقُّع المنحى الذي ستتخذه.
ـ الاختبار الثاني، تكليف رئيس حكومة وتأليف حكومة. وفي هذا السياق، هناك من لا يزال يستبعد تشكيل حكومة، ويتوقّع ان تستمر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تصريف الأعمال بدءاً من هذا الأسبوع وإلى ما بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، حيث ستدخل رئاسة الجمهورية بدورها في الفراغ.
ولكن هناك في المقابل من يتوقّع ان تتألف الحكومة في ظلّ تقاطع الثنائي الشيعي والعهد على تأليف حكومة سياسية، بعد ان أقفلت الانتخابات صفحة الثورة، وفي ظلّ حاجة هذا الثلاثي إلى حكومة سياسية تواكب تحدّيات المرحلة المقبلة، وتحديداً، العهد الذي هو في حاجة إلى حكومة يتصدّر النائب جبران باسيل صفوفها، من أجل ان تتحمّل مسؤولية إدارة الفراغ الرئاسي، فيدخل باسيل الى الحكومة تمهيداً لخروج عون من الرئاسة.
وما هو غير معروف بعد، كيف ستتصرّف الأكثرية الجديدة كونها ليست جسماً واحداً؟ فهل ستنجح مثلاً في الاتفاق على شخصية لتسميتها في الاستشارات الملزمة، أم انّ 8 آذار ستستفيد من وحدة صفوفها للخروج بتسمية تُبقي ملف التأليف بيدها، لأنّ خروج الملف من يدها يُفقدها عنصر المبادرة ويضعها في موقع الرفض او القبول من دون ان تكون مبادرة التأليف بيدها.
ـ الاختبار الثالث، انتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظلّ غياب أي مؤشر حتى الآن إلى إمكانية تجنُّب الفراغ في هذا الاستحقاق، مع اختلاف القوى السياسية على المرشح الذي سيخلف عون، فحتى داخل صفوف 8 آذار لا اتفاق على مرشح واحد بين «حزب الله» وكل من باسيل ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. وأما في الضفة الأخرى فحدّث ولا حرج.
وتوقعت الأوساط دخول باريس على الخط مجدداً، في وساطة تبدأ مع تكليف رئيس الحكومة والدفع في اتجاه تأليف حكومة، لأنّ الوضع المتأزِّم في لبنان لا يحتمل استمرار الفراغ، إنما يستدعي تأليف حكومة سريعاً، وأن تدخل ومجلس النواب في ورشة قوانين وإصلاحات ومفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وفي حال تكلّلت المساعي الفرنسية بالنجاح في التكليف والتأليف، فتنتقل إلى البحث في الانتخابات الرئاسية، من أجل تقريب وجهات نظر الكتلة النيابية حول اسم واحد. ولكن في حال اصطدمت بعراقيل في التأليف، تتحدّث بعض المعلومات عن حوار ستقوده باريس من أجل الاتفاق على سلّة رباعية: اسم الرئيس المكلّف، شكل الحكومة، اسم رئيس الجمهورية، والإصلاحات التي يجب إقرارها.
وفي موازاة كل ذلك، فإنّ الانهيار المالي المتواصل سيشكّل مادة ضغط قوية على كل القوى السياسية لكي تضع الماء في نبيذها وتقدّم التنازلات المطلوبة للإسراع في التكليف والتأليف، ومن ثم انتخاب رئيس للجمهورية، لأنّ البلاد لم تعد تحتمل الفراغ، ولأنّ الأولوية هي لفرملة الانهيار المتمادي.
وكانت الحكومة قد تحوّلت ابتداء من أمس «حكومة تصريف الاعمال»، الى حين تأليف حكومة جديدة. فيما ليس في الأفق أي مؤشرات عن الفترة الزمنية التي ستستمر فيها الحكومة في تصريف الاعمال، وتوحي الأجواء السياسية العامة بانقسام حاد زادت من حدّته نتائج الانتخابات، ما يُدخل الوضع الحكومي في دائرة التجاذبات والتعقيدات.
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قددعا الى الإسراع في الخطوات المطلوبة لتسمية رئيس الحكومة الجديد وتشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت، سيدير المرحلة حكومياً انطلاقاً من مفهوم «المصلحة الوطنية Raison d›Etat» وسيتخذ كل الخطوات المناسبة في الوقت الذي يراه مناسباً.
ويُنتظر أن يُصدر ميقاتي تعميماً يدعو فيه الى التقيّد بأحكام المادة ٦٤ من الدستور في معرض تصريف الاعمال، بعد اعتبار الحكومة مستقيلة.
خير البر عاجله
إلى ذلك، لم ترس الاتصالات الجارية في شأن انتخابات رئاسة المجلس النيابي على برّ بعد، ولكنها ناشطة في مختلف الاتجاهات بعيداً من الاضواء وكذلك بعيداً من المواقف المحمومة التي تصدر من الأفرقاء المعنيين من هنا وهناك.
وقالت مصادر نيابية مطلعة على التحضيرات الجارية لهذا الاستحقاق لـ«الجمهورية»، انّ مهلة الـ15 يوماً لإنجاز هذا الاستحقاق الدستوري قد بدأت امس، «فهذه المؤسسة الدستورية التي اسمها مجلس النواب، لا شيء قبلها ولا شيء أهم منها، لأنّها مصدر كل السلطات وتنبثق منها كل المؤسسات والاستحقاقات الدستورية».
واضافت: «انّ المستعجلين لهذا الاستحقاق كلّ منهم يقدّم لائحة بشروط وإصلاحات وكأنّهم كانوا غائبين عن المجلس السابق، مع العلم أنّ المبادرات والقوانين التي يتحدثون عنها كانت مطروحة في برنامج الإصلاح المطلوب على صعيد المؤسسات، وبينها اقتراح قانون انتخابي جديد، فيما هم الآن يشتمون القانون الحالي، في وقت كل منهم يتغنّى بأنّه حصل بموجب هذا القانون على الغالبية النيابية، فكيف للناس ان يصدّقوا انّهم سيستصدرون قانوناً جديداً للانتخاب، وحتى المشروع الموجود ينطوي على التوجّه إلى بناء الدولة المدنية، وطالما انّ الهمّة قائمة لديهم فخير البرّ عاجله، ولننفّذ الإصلاح المنشود الذي يتوق اليه اللبنانيون منذ عقود، خصوصاً على صعيد إجراء الانتخابات النيابية خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس الشيوخ الذي يطمئن الطوائف. وطالما انّهم يطرحون انتخاب رئيس مجلس نيابي غير شيعي، فليُعاد النظر اذاً في طائفية بقية الرئاسات، ولتكن مداورة بين الطوائف إذا ارادوا، وليبادروا الى ان تكون رئاسة المجلس للمسيحيين ولتكن رئاسة الجمهورية للشيعة أو للمسلمين عموماً، طالما انّهم يشكون من انّ صلاحيات رئاسة رئيس الجمهورية باتت منقوصة بموجب الدستور المنبثق من اتفاق الطائف».
«القصة بضعة أيام»
وفي موقف توضيحي لمواقفه الاخيرة، قال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد خلال رعايته احتفالا في النبطية امس انه «ليس من شِيَمنا ولا من سياستنا أن نخون أحداً أو أن نطعن أحداً من الخلف، لكن نحن حرصاء على تنبيه من يغفل ومن يسكر أثناء السير في الطريق حتى يستفيق فلا يأخذنا إلى الهاوية والإنهيار فقط لإشباع نزوة أو لِسد عقدة نقص لديه».
واضاف: «للأسف بعض اللبنانيين ممّن نريدهم شركاء لنا في هذا البلد، هؤلاء عندما حصلت الإنتخابات بدأوا يدّعون أنهم يملكون الأكثرية النيابية، ونحن نقول اننا ما زلنا قوة نيابية وازنة تستطيع الحضور والتصرف بما يحفظ مصلحة شعبنا، وإذا كنتم تدّعون أنكم تملكون الأكثرية النيابية نحن سننتظر ولن نستعجل والقصة بضعة أيام وسنرى ما هي أولوياتكم وكيف ستصرفون هذه الأكثرية في السلطة وعندها سنبني على الشيء مقتضاه».
وقال: «سنرى كيف ستتصرفون إزاء تشكيل الحكومة وإدارة شؤون البلد والسياسات التي ستُعتمد، أما مسألة سنشارك أو لا نشارك، فلا نريد أن نستعجل الأمور لكن ما يعنينا أن نقوله ونؤكده لشعبنا أننا منفتحون على التعاون الإيجابي مع كل ما نراه مناسباً لتحقيق مصالح الناس ومصالح بلدنا، وما دون ذلك يخرج عن إطار القواعد المشتركة التي تجعلنا مُلزمين بأن نتعاون مع الآخرين إذا كان الآخرون لا يريدون التسليم بالحقائق والوقائع».
بدء التحضير للطعون النيابية
وبعد ايام قليلة على تَسلّم المجلس النيابي الجديد مهامه التشريعية، تنطلق التحضيرات للتقدّم ببعض الطعون امام المجلس الدستوري من ضمن المهلة الممتدة الى نهاية الشهر الذي يعقب إعلان نتائج الانتخابات النيابية.
وفي انتظار ان تنتج ورش العمل القانونية في التحضير للطعون، يستعد المجلس الدستوري من اليوم الى تَقبّل هذه الطعون وسط معلومات تتحدث عن البعض منها في دوائر لبنان الشمالي الاولى والثانية عكار وطرابلس - المنية - الضنية ودائرتي جبل لبنان الثانية (المتن الشمالي) والرابعة (الشوف وعاليه)، عدا عن احتمال ان تتقدم «القوات اللبنانية»، باسم اعضاء كتلة «بناء الدولة»، بطعن في دائرة البقاع الثالثة (بعلبك - الهرمل).