كتبت "الجمهورية" التالي : كان التطور الأبرز نهاية الأسبوع الماضي اجتماع النواب السنّة في دار الفتوى بدعوة من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وانتقالهم بعده إلى لقاء مع السفير السعودي وليد البخاري في اليرزة. اما التطور الأبرز مطلع هذا الأسبوع، فسيتمثّل في إقرار مجلس النواب الموازنة العامة للدولة للسنة الجارية، وذلك في جلسته المنعقدة اليوم، ومن دون استبعاد ان يكون الحدث هذا الأسبوع تأليف حكومة جديدة، كثُر الحديث عنها، ويبدو انّها أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من الولادة. فيما ينتظر الجميع عودة الوسيط الاميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عاموس هوكشتاين، حاملًا الجواب النهائي الاسرائيلي، ليبني لبنان على الشيء مقتضاه.
توقعت اوساط مطلعة ولادة الحكومة هذا الأسبوع، أو في أسوأ الاحتمالات مطلع الاسبوع المقبل، وذلك بعدما يتمّ «تنقيح» الحكومة الحالية وإعادتها الى «الخدمة الإلزامية» في مرحلة الشغور الرئاسي.
وقالت هذه الاوساط لـ»الجمهورية»، انّ المهم في هذا الصدد هو انّ المعنيين اتخذوا القرار السياسي بتشكيل الحكومة، بينما لم يكن متخذًا خلال فترة تقطيع الوقت التي تلت الانتخابات النيابية، وبالتالي فإنّ اي تفاصيل عالقة ستُعالج ولن تكون عائقًا أمام الولادة ما دامت قد وُجدت إرادة التشكيل، تفاديًا للدخول في متاهات دستورية وسياسية لا تُحمد عواقبها في حال تولّت حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الشغور.
بعد دار الفتوى
إلى ذلك، قالت مصادر المعارضة لـ»الجمهورية»، انّ لقاء دار الفتوى «إذا كان خطوة في اتجاه محاولة توحيد الصف السنّي والموقف من الانتخابات الرئاسية تمهيدًا لانتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، فإنّ الهدف من تأليف حكومة جديدة قد يكون ترحيل هذا الانتخاب إلى ظروف سياسية لاحقة تعزِّز أوراق الفريق الذي لا يرى انّ حظوظه مؤمّنة اليوم».
وأضافت هذه المصادر، انّه «بمعزل عن الاستحقاق الرئاسي الذي شكّل أحد دوافع الدعوة إلى لقاء دار الفتوى، فإنّ أهمية هذا اللقاء تكمن في الآتي:
ـ أولًا، الخطوة الأولى لإعادة لمّ شمل الصف السنّي بعد اعتكاف الرئيس سعد الحريري وإخراج تيار «المستقبل» نفسه من الندوة النيابية. هذا الاعتكاف الذي ولّد إحباطًا وأدّى إلى إضعاف الموقف الوطني السنّي، وبالتالي تأتي هذه الدعوة بغية إقفال الثغرة السياسية التي تركها غياب «المستقبل».
- ثانيًا، نجح المفتي دريان في إعادة الوزن إلى الموقف الوطني السنّي انطلاقًا من مبدأ انّه «في الوحدة قوة»، وذكّر بخطوته بشكل أو بآخر بالبطريرك مار نصرالله بطرس صفير، الذي جمع المسيحيين المعارضين في زمن الإحباط المسيحي وسعيًا لوحدة تُنهي هذا الإحباط وتقود إلى تحقيق الأهداف المنشودة.
- ثالثًا، لن يكون هذا اللقاء يتيماً أو عابراً، إنما هو خطوة تأسيسية للمستقبل، ولا عودة إلى ما قبل لقاء دار الفتوى الذي تحوّل معطى جديداً في الحياة السياسية، إذ قد يبادر المفتي إلى عقد اي لقاء ثانٍ عندما يجد انّ المصلحة الوطنية تستدعي ذلك، وبالتالي ما بعد هذا اللقاء سيكون غير ما قبله.
- رابعًا، أسقط لقاء دار الفتوى رهان البعض على أخذ النواب السنّة «بالمفرّق»، كذلك أسقط الرهان على استمرار الوهن في الموقف السنّي، ويسجّل للدار نجاحها خلال أشهر قليلة بعد الانتخابات النيابية في إعادة توحيد الصف السنّي.
- خامسًا، لا يمكن إغفال طبعًا الدور السعودي المساعد في انعقاد لقاء دار الفتوى، وكان السفير السعودي قد افتتح لقاءاته الأسبوع الماضي من دارة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، واستكملها مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وتوّجها بلقاء النواب السنّة في دارته إثر انتهاء لقاء دار الفتوى.
- سادسًا، يتكامل البيان الصادر عن اللقاء مع الثوابت التي تتحدث عنها المكونات المعارضة، ومع البيان الصادر عن واشنطن وباريس والرياض، وذلك لجهة التشديد على «اتفاق الطائف» وضرورة تطبيق مندرجاته تحقيقًا للمساواة بين اللبنانيين، ما يؤشر إلى دفع سعودي على نار هادئة في اتجاه إعادة لبنان إلى الحاضنة العربية.
- سابعًا، دخل المكون السنّي بقوة إلى الانتخابات الرئاسية، ولا شك في انّ هذا المعطى سيدفع فريق الموالاة تحديدًا إلى إعادة النظر في حساباته.
موقف سعودي
في خضم هذه الاجواء، برز موقف سعودي جديد عبّر عنه وزير الخارجية الامير فيصل بن فرحان في إطار كلمة المملكة العربية السعودية امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة أمس، حيث قال إنّ «السعودية تدعم سيادة لبنان وأمنه واستقراره، وتؤكّد أهمية تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة، تضمن تغلّب لبنان على أزمته السياسية والاقتصادية، وأن لا يكون نقطة انطلاق للإرهابيين أو تهريب المخدرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى، التي تهدّد أمن المنطقة واستقرارها».
التحرّك الفرنسي
وفي الموقف الدولي، وإلى جانب الحراك الذي قاده سفراء الاتحاد الاوروبي الاسبوع الماضي على كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب في انتظار عودة رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي للقاء به في وقت لاحق هذا الاسبوع، تواصل السفيرة الفرنسية جولتها التي كانت بدأتها على رئيس الجمهورية وقادة الأحزاب، وستزور دار الفتوى قبل ظهر اليوم للقاء مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، للبحث في التطورات المختلفة والأهداف الكامنة خلف الحراك الأوروبي عمومًا والفرنسي ـ السعودي - الاميركي تحديدًا.
الترسيم
وعلى صعيد ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وفيما انقطعت اخبار الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين الذي يُنتظر ان يعود إلى لبنان قريبًا حاملًا الجواب الاسرائيلي النهائي حيال حدود لبنان وحقوقه الغازية والنفطية، برز موقف اسرائيلي جديد عبر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس وقال فيه، إنّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله «إذا تسبّب في التصعيد، سيعود الضرر الجسيم على لبنان». وأوضح في مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية، «أنّ السلطات الإسرائيلية في إمكانها إنتاج الغاز الطبيعي من حقل «كاريش» حينما تكون جاهزة لهذا الأمر»، مؤكّدًا أنّ «الاتفاق مع اللبنانيين حول ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط ممكن».
الضوء الاخضر
في غضون ذلك، قال مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، في حديث مع شبكة «الشرق»، إنّ خطاب السيد نصرالله الأخير «أعطى الضوء الأخضر للحكومة اللبنانية بتوقيع الاتفاق»، حول الحدود البحرية الجنوبية، وأضاف: «بحسب معلوماتي فإنّ لبنان نال مكاسب في الاتفاق، تقريبًا نال مئة في المئة من كل ما طلبه لبنان، هناك نقاط خلافية صغيرة يمكن تخطّيها بسهولة».
ورأى، ردًا على سؤال هل يمكن اعتبار هذا التوقيع انتصارًا لـ»حزب الله»، قال شينكر، إنّ «حزب الله حتمًا سيعلنه الانتصار الإلهي الثاني. لا نعلم ما الذي يوجد في البلوكين 9 و 10، ولا نعلم ما الذي يوجد في حقل قانا. ولكني أعتقد أنّ «حزب الله» لم يرِد أن يظهر بمظهر المعطِّل للاتفاق في ظل كل ما يعانيه الشعب».
وردًا على سؤال قال إنّ إسرائيل «لم تخضع» لتهديدات نصرالله. «أعتقد أنّ إسرائيل لم تقم بأي عمل يمكن أن يضيف تعقيدات لا طائل منها، وأعطت الموضوع بعض الوقت لإفساح المجال أمام الديبلوماسية. وإسرائيل ستنتفع من حقل قانا، وإن عبر الشركة المنقبة. وقد أرادت أن تتخلّص من إحدى مشكلات ترسيم الحدود مع لبنان، في خطوة تفرغ سلاح «حزب الله» من قيمته وذريعة وجوده، بما يلقي بثقل هذا السلاح على الداخل اللبناني».
واضاف: «أعتقد أنّ التوقيع بات قريباً. ما يؤسفني أنّ لبنان سيوقّع هذا الاتفاق، من دون أن يكون هناك أي تغيير في المشهد اللبناني. وفي ظلّ غياب الإصلاحات الاقتصادية، من المؤسف رؤية أنّ الطبقة المسؤولة عن انهيار البلد، ستقوم بإدارة هذه العملية التي يمكنها مساعدة لبنان اقتصاديًا بشكل كبير».
ولفت شينكر تعليقًا على إمكانية تسبب استيراد الفيول من إيران بعقوبات على لبنان، إلى «أنني لا أظن أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستعاقب لبنان، لقد وصلت سفينتا فيول من إيران، ونقلت تلك المادة من سوريا عن طريق البر. والجميع تناول الموضوع على أنّه أمر عظيم وحدث ضخم، ونصرالله أعلن أنّه ينقذ لبنان، وقد دامت الكمية لثلاثة أيام. إنّ هذا الأمر مثير للشفقة والسخرية. ما الذي يمكن لإيران أن تقدّمه، إيران بلد مفلس وشعبها جائع».
الموازنة
على صعيد آخر، رجّحت اوساط مطلعة ان يتمّ إقرار موازنة 2022 في جلسة مجلس النواب اليوم، والتي ستمتد حتى ساعة متأخّرة من الليل، لافتة إلى انّ تعديلات ستطرأ عليها، حيث أنّ هناك اقتراحًا بخفض سقف مضاعفة رواتب موظفي القطاع العام من ثلاث مرات كما كان مطروحًا الى نحو مرتين، (2,2).
وكشفت الاوساط لـ»الجمهورية»، انّ الاتجاه هو نحو اعتماد سعر صرف الدولار في الموازنة على أساس 15 ألف ليرة، في محاولة على ما يبدو للتوفيق بين المزاج الشعبي وطرح صندوق النقد الدولي.
وأبدت الاوساط خشيتها من ان يعطي هذا الأمر، اذا تمّ إقراره بضغط الاعتبار الشعبي، إشارة سلبية إلى صندوق النقد الذي يفضّل رفع سعر الصرف إلى مستوى 20 ألف ليرة، موضحة انّ العجز في الموازنة سيكون في حدود 41 في المئة، ما سيؤدي إلى طبع مزيد من الليرات، وبالتالي ارتفاع إضافي في الدولار إلى معدلات غير مسبوقة.
لكن الاوساط نفسها لفتت إلى انّ مصير كل الأمور المفصلية في المشروع يبقى رهن مداولات الهيئة العامة وتصويت النواب، انما الأكيد هو انّ هناك ضرورة ماسة لإقرار الموازنة، بلا تفريغها من أي معنى، وذلك تجاوبًا مع مطالب صندوق النقد الدولي الذي كانت بعثته قد أعربت خلال زيارتها الأخيرة لبيروت عن صدمتها حيال الإيقاع البطيء للدولة اللبنانية في إقرار القوانين الضرورية والإصلاحات المطلوبة.
إعتصامات ولا تعطيل
وتزامنًا مع انعقاد جلسة إقرار مشروع الموازنة العامة لعام 2022 بدعوة من رئيس المجلس نبيه بري، سيشهد محيط المجلس منذ ساعات الصباح الاولى اليوم، تحركات شعبية ونقابية رفضًا لمضمون الموازنة وشكلها وما تتضمنه من أرقام وهمية لا تتلاقى وكثير من الحقائق.
وفي ما هو معلن عنه، سيعتصم العسكريون المتقاعدون من كل لبنان أمام مجلس النواب بدعوة من «حراك العسكريين المتقاعدين»، في وقت ستشهد ساحة الشهداء تجعمًا آخر طوال فترة انعقاد الجلسة، دعت اليه «حركة الإنقاذ الوطني»، وذلك تعبيرًا عن رفض الموازنة «لأنّها لا تتلاقى وما يحتاجه لبنان في هذه المرحلة».
وقال أحد المسؤولين المنخرطين في الحراك لـ «الجمهورية»، انّ «النية من خلف التحرّك هي الإشارة إلى ما يعانيه المشاركون في الاعتصامات والتحركات، بالإنابة عن جميع اللبنانيين في بيوتهم ومن بقي في اعماله، وليس هناك اي نية في تعطيل الجلسة».
وفد قطري
من جهة أخرى، يصل إلى بيروت الخميس المقبل وفد قطري يضمّ شخصيات من وزارات العمل والصحة والداخلية إضافة إلى مسؤولين من غرفة التجارة والصناعة، للقاء وزير العمل في حكومة تصريف الاعمال مصطفى بيرم، ووضع اتفاقية لتوفير فرص عمل في السوق القطرية، خصوصاً على أبواب انطلاق فعاليات كأس العالم في قطر.
عودة المصارف
مصرفيًا، قرّرت جمعية مصارف لبنان بعد اجتماع عقدته امس، استئناف المصارف أعمالها اليوم، بعد اقفال دام ما يزيد على الاسبوع، «وذلك عبر قنوات يحدّدها كل مصرف لعمليات المؤسسات التجارية والتعليمية والاستشفائية وسواها، وعبر الصرافات الآلية للجميع، مما يسمح لهم بإجراء إيداعاتهم وسحوباتهم، كما يسمح بتأمين رواتب القطاع العام إثر تحويلها إلى المصارف من مصرف لبنان ورواتب القطاع الخاص الموطنة لديها». وأفادت الجمعية، أنّه «يمكن لأي زبون عند الاضطرار الاتصال بالادارة العامة للمصرف المعني أو بقسم خدمة الزبائن لديه، لكي تتمّ تلبية أي حاجة ملحّة اخرى له بالسرعة الممكنة».