كتبت "الجمهورية" التالي : تبرز قراءتان سياسيتان، تقارب الاولى حركة الوسطاء بإيجابية حتمية، ستفضي حتمًا الى تشكيل حكومة، وثمة من حدّد مطلع الاسبوع المقبل موعدًا لولادة هذه الحكومة. ويستند صاحب هذه القراءة الى فرضية «انّ كل الاطراف تستشعر حجم المشكل الكبير الذي قد يقع فيه البلد في غياب حكومة كاملة الصلاحيات والمواصفات. والفوضى الدستورية اشار اليها بصراحة ووضوح جبران باسيل، تبدأ بعدم الاعتراف بحكومة تصريف الاعمال كوريث لصلاحيات رئيس الجمهورية. وليس مستبعدًا ان تجاريه في هذا الموقف اطراف اخرى سياسية وغير سياسية. وبالتأكيد فإنّ هذه الفوضى إن سقط فيها البلد ستكون باهظة الكلفة على كل المستويات».
واما القراءة الثانية، فتقارب ملف التأليف بتشاؤم بالغ، تنعى احتمال تشكيل الحكومة، مستندة بدورها الى فرضية انّه لو كانت ثمة إرادة جدّية في تشكيل الحكومة لما تمّ تضييع كل هذا الوقت وصولًا الى عنق الولاية الرئاسية. ويذهب صاحب هذه القراءة بعيدًا في تأكيد سلبية الاطراف، وكما يصفه بـ«تكاذبها» على بعضها البعض، ويقول: «الحكومة عالقة بين منطقين يحضّران، كلّ على طريقته، لمعركة ما بعد الولاية الرئاسية. المنطق الاول يعبّر عنه باسيل عبر إصراره على حكومة بتمثيل كما يريده، يدرك سلفًا انّ مراده لن يتحقق، وخلفية هذا الإصرار هي التبرير لنفسه بعد انقضاء الولاية، المشاغبة كيفما شاء، على حكومة تصريف الاعمال».
واما المنطق الثاني، كما يقدّر صاحب القراءة، فيعبّر عنه الرئيس المكلّف اولًا بتعامله مع التأليف على قاعدة «انّه في موقعه كرئيس للحكومة، فإن تشكّلت هو رئيسها، وإن لم تتشكّل الحكومة فهو رئيس حكومة تصريف الاعمال. ومن هنا ممانعته للشروط التي تُطرح عليه واصراره على حكومة، من موقعه كصاحب صلاحية التأليف، بتعديلات محدودة تطال بعض الوجوه، هو يدرك سلفًا انّ الطرف الآخر لن يقبل بذلك. وخلفية هذا الإصرار قناعته بصلاحية حكومة تصريف الاعمال في تولّي صلاحيات رئيس الجمهورية وفق النص الدستوري، التي تبرّر له ان يشهر امام أي منطق يعتبر حكومة تصريف الاعمال غير شرعية، سلاح الاحتكام الى الدستور الذي تستمد شرعيتها منه.
الى ذلك، وفيما بدأت أوساط سياسية تنعى إمكان تأليف حكومة في الايام المتبقية من ولاية عون، على اعتبار انّ الوقت بات ضيقًا جدًا، والاسبوع المتبقي وحتى ولو تمّ التوافق على حكومة، لم يعد يتسع لإتمام إجراءات التأليف والبيان الوزاري وجلسة الثقة، خالفت مصادر قانونية هذا الرأي وقالت لـ«الجمهورية»: «الوقت متاح، وفي الإمكان تشكيل حكومة واصدار مراسيمها في آخر لحظة من ولاية رئيس الجمهورية. فانتهاء ولاية الرئيس لا تنتهي معه مفاعيل مراسيم تشكيل الحكومة. فالدستور لم يلحظ ذلك لا من قريب او بعيد، بل انّ ثمة مسارًا محددًا في المادة 64 من الدستور يوجب على الحكومة عند تأليفها ان تتقدّم من المجلس النيابي ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يومًا من تاريخ صدور مراسيمها، ولا تمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة الّا بالمعنى الضيّق لتصريف الاعمال. بمعنى اوضح انّ الحكومة ان تشكّلت، وانتهت ولاية الرئيس، تصبح هي تلقائيًا حكومة تصريف الاعمال بدل الحكومة القائمة، الى حين نيلها الثقة من مجلس النواب».
وردًا على سؤال عمّا إذا بادر رئيس الجمهورية الى توقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة، قالت المصادر: «الحكومة لم تستقل، طوعًا، بل اعتُبرت مستقيلة مع بدء ولاية المجلس النيابي الجديد، فضلًا عن انّ رئيس الحكومة لم يتقدّم بكتاب استقالة. ولكن حتى ولو حصل هذا الإجراء واصدر رئيس الجمهورية مرسوم قبول استقالة الحكومة، فلا مفاعيل له على الاطلاق، ولن يغيّر في واقع الحال شيئًا، وخصوصًا انّ الدستور (المادة 64) اعطى للحكومة المستقيلة وكذلك التي تُعتبر مستقيلة، حق تصريف الاعمال بالمعنى الضيق، ولا يحول دون هذا الحق مرسوم صادر عن رئيس الجمهورية».