كتبت "الجمهورية" التالي : دخل الاستحقاق الرئاسي في عُنق الزجاجة، ولا مؤشرات إلى القدرة على إخراجه منها، بعدما وصل فريقا المعارضة والموالاة إلى الحائط المسدود، فلا المعارضة قادرة على توحيد صفوفها وتحقيق اختراقات عابرة لهذه الصفوف، ولا الموالاة قادرة على الاتفاق في ما بينها على مرشح رئاسي، خصوصاً مع خروج خلافاتها إلى العلن، فيما الخارج المهتم بلبنان لا يمارس ضغوطه لتقصير فترة الشغور، ويكتفي بإبداء الحرص على الاستقرار وحضّ القوى السياسية على الاتفاق وإنهاء الشغور.
تحوّل مشهد الخميس من كل أسبوع مشهداً مملاً ومكرّراً ومستنسخاً وفاقداً للمفاجآت، مع معارضة غير قادرة على تجاوز سقف الـ 50 نائباً، وموالاة تعتمد الورقة البيضاء، وما بينهما أوراق ملغاة او الاقتراع لشخصيات لا تلقى تأييد أكثر من 10 نواب، ولم يعد أحد أساساً ينتظر هذه الجلسات، ولا يعوِّل عليها، الأمر الذي يستدعي من المعنيين تدارك الموقف والبحث عن البدائل الممكنة، كون الاستمرار في النمط نفسه سيؤدي إلى النتيجة نفسها، وهي استمرار الشغور.
ولكن، هل المعارضة في وارد فتح قنوات التواصل مع الموالاة بحثاً عن مخارج تشكّل مساحة مشتركة بين الفريقين؟ وهل الموالاة قادرة على تجاوز خلافاتها ومدّ اليدّ لفريق المعارضة بحثاً عن مرشحين يشكّلون مصدر اطمئنان وينهي هواجس الطرفين؟ وهل البلد يتحمّل الشغور المفتوح على غرار مراحل وحقبات سابقة؟ ومَن الفريق الذي سيبادر أولاً، وهل هناك من سيتلقّف مبادرته؟
حائط مسدود
ومن الواضح انّ الأمور لم تنضج حتى اللحظة، لا على مستوى المعارضة ولا الموالاة ولا الخارج أيضاً، ما يعني انّ الشغور مرشح إلى ان يطول في انتظار إما وقوع أحداث تؤدي إلى تسريع التوافق على رئيس، وإما انتقال كتلة وازنة من ضفة إلى أخرى، وإما تغيير المعارضة او الموالاة لموقفهما، وإما حصول ضغط خارجي على غرار الضغط الذي حصل مع الترسيم والذي لولاه لما تحقّق هذا الترسيم.
وإذا كان محسوماً انّ الانتخابات الرئاسية ستحصل عاجلاً أم آجلاً، إلّا انّ ما هو غير محسوم توقيت حصولها والمخاوف من انعكاسات الشغور مزيداً من الانهيار والانقسام والتوتير والتسخين وعدم الاستقرار. وهناك من يعتبر في المقابل، انّ أحداً من الكتل النيابية لن يستطيع ان يتحمّل مشهد الخميس المكرّر، ولا بدّ من ان تبادر هذه الكتل، بعدما اصطدمت بالحائط المسدود، فلا يجوز ان تبقى في حالة دوران حول نفسها، والصورة أصبحت واضحة، وهي انّ اي فريق لن يتمكن من إقناع الفريق الآخر بخياره ومرشحه.
فما الفائدة من الانتظار والتسويف والمماطلة؟ ومن سيبادر إلى كسر حدّة الاصطفاف والتقابل، من خلال اتصالات ولقاءات بعيدة من الأضواء، خصوصاً انّ هذا الاستحقاق يختلف عن الذي سبقه في ثلاثة جوانب أساسية:
- الجانب الأول، انّ «حزب الله» لم يلتزم علناً لا برئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية ولا برئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وذلك على غرار التزامه بالعماد ميشال عون. والبعض بعتبر انّ عدم الالتزام العلني يعني ترك باب الخيارات مفتوحاً.
- الجانب الثاني، انّ الوضع المالي لا يتحمّل الشغور الطويل، إنما يشكّل عاملًا ضاغطاً على جميع الكتل والقوى من أجل الاتفاق على رئيس للجمهورية، تجنّباً لسقوط الهيكل على رؤوس الجميع.
- الجانب الثالث، انّ دقّة الوضع المالي والاقتصادي وتعقيدات الوضع السياسي تدفع الكتل إلى ترجيح، في عمقها، الخيار الوسطي، لكي لا تتحمّل تبعات استمرار الانهيار، كون الخروج منه ليس سهلاً، خصوصاً أنّ لا المعارضة لديها مصلحة في انتخاب رئيس من صفوفها، تدرك سلفاً أنّه لن يتمكن من الحكم، ولا الموالاة لديها مصلحة في تكرار تجربة العهد الفائت وتحميلها مسؤولية الفشل في إخراج البلد من الانهيار، بعدما تمّ تحميلها مسؤولية دفعه إلى هذا الانهيار.
وفي غضون ذلك، لم يرشح بعد أي تطور ملموس على مستوى الحراك الديبلوماسي الجاري اقليمياً ودولياً حول لبنان.
وفي هذا الاطار، قالت اوساط مطلعة لـ»الجمهورية»، إنّ المبادرة الفرنسية في اتجاه السعودية، والتي ستسبق القمة الاميركية - الفرنسية مطلع الشهر المقبل، يحرص الايليزيه على إبقائها طي الكتمان الشديد لعدم إحراقها وإفشالها. وبالتالي، فإنّ باريس لن تفصح عن الأفكار الجاري تحضيرها، الّا بعد ان تضمن بذور نجاحها. وغالب الظن، انّ باريس تنتظر تأكيدات سعودية بالموافقة مسبقاً على ما تمّ طرحه حول لبنان، قبل انتقال ماكرون الى واشنطن للقاء نظيره الاميركي. ووصفت هذه الاوساط ما يحصل بأنّه عمل بطيء ودقيق، ولكنه سينجح في نهاية الامر. وقالت: «إنّ الدور السعودي لاستعادة لبنان استقراره واستنهاض اقتصاده أساسي ومهم جداً، ولا بدّ من أخذ ذلك في الاعتبار».
بري وباسيل
من جهة ثانية، في معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، انّ التسريبات التي تمّ التداول بها حول الذي جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري مع رئيس التيار جبران باسيل، لم تؤثر على العلاقة بين الرجلين، بل بالعكس هي الآن في أفضل حال، وما زال التواصل قائماً، وانّ المحادثات التي جرت بينهما كانت بعلم «حزب الله» .
ونقلت اوساط نيابية عن بري لـ«الجمهورية» امتعاضه من الخطاب السياسي الصادر عن شخصيات سياسية وبعض المرجعيات، والذي «يتخذ منحى تقسيمياً شديد الخطورة»، معرباً عن قلقه من دلالات هذا الخطاب.
كذلك نقلت اوساط نيابية عن بري تأكيده، انّ لجنة التحقيق البرلمانية في اتهامات الفساد الموجّهة الى بعض الوزراء السابقين ستواصل عملها حتى النهاية لكشف كل الحقائق المتعلقة بهذا الملف.
تحضيرات لجلسة الانتخاب
وإلى ذلك، وفي انتظار جلسة الخميس السابعة لانتخاب رئيس الجمهورية، تتواصل الاجتماعات على مستوى الكتل النيابية وما بين مجموعات القوى المعارضة التي التقت الأسبوع الماضي في مكتبة ساحة النجمة، وستلتقي على شكل مجموعات من القوى الثنائية والثلاثية، لاستكمال البحث في بعض الصيغ المطروحة، من دون وجود أي صيغة جامعة حتى عطلة نهاية الأسبوع.
وقالت مصادر نيابية لـ «الجمهورية»، انّه وعلى الرغم من التقارب الذي سجّله بعض الطروحات على مستوى التفاهم في أي خطوة تقود إلى ما يسمّى بـ «تشريع الضرورة» في ظلّ الظروف التي تعيشها البلاد وقبل انتخاب رئيس للجمهورية، فإنّ التقارب على مرشح واحد، سواء كان النائب ميشال معوض او غيره، لم يصل بعد إلى أي نتيجة.
وأضافت المصادر: «انّ ما هو لافت، انّ هناك اصراراً على استمرار المساعي لتوحيد الموقف، وفق فكرة يسعى الى تسويقها أحد رؤساء الأحزاب المعارضة، على امل ان تقود إلى التفاهم على آلية توفر التوافق على مرشح واحد، وهي تحتاج الى بعض الرتوش للبت بها».
الكابيتال كونترول
وإلى ساحة النجمة تعود الأنظار اليوم لمراقبة ما يمكن ان تؤدي اليه الجلسة المشتركة للجان النيابية والتي ستُعقد عند العاشرة والنصف قبل الظهر بدعوة من رئيس مجلس النواب، وتضمّ لجان المال والموازنة، الإدارة والعدل، الإقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط، لمتابعة درس مشروع القانون المعجل الوارد في المرسوم الرقم 9014 الرامي إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية، وهو المعروف بـ «الكابيتال كونترول».
تحرك شعبي
وتزامناً مع هذه الجلسة، سيتجمع مواطنون أمام مدخل مجلس النواب - لجهة مبنى بلدية بيروت، بدعوة من حركة «تحالف متحدون»، تحت عنوان «إسقاط مشروع قانون الكابيتال كونترول بصيغته المطروحة على اللجان النيابية».