
نشرت "الجمهورية" التالي : المشهد الداخلي مزدحم من جهة بالاتصالات، ولكن من دون أن يرشح عنها ما يؤشّر الى انتقال الملف الرئاسي، ولو نظريّاً، خطوة خارج مدار الاستعصاء العالق فيه، تقلّل من منسوب التشاؤم الذي ما يزال هو «الطابِش» في الميزان الرئاسي. وماضٍ من جهة ثانية في مسار انحداري يقرب من لحظة الارتطام الكارثي، وها هو الدولار قد وصل الى عتبة المئة الف ليرة، والزمام بيد الغرف السوداء التي تدير هذه الجريمة.
على الخط المسيحي، هناك جهود حثيثة يبذلها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي لكسر حلقة التعطيل وتقريب وجهات النّظر بين المكونات المسيحيّة والمارونيّة على وجه الخصوص بما يمهّد الى اختراق جدّي في حائط التباينات الفاصل بينها، يؤسّس إلى خلق مساحة مشتركة يُبنى عليها توافق على مرشح او أكثر لرئاسة الجمهورية. واللافت في هذا السياق انّ تلك المكونات تظهر استجابة كلامية مع مسعى البطريرك، لم ترقَ بعد الى استجابة فعلية وجدية.
إيجابيات البخاري
وعلى الخط السياسي، ينتظر ان ينتقل الملف اللبناني الى الفاتيكان مع زيارة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى الكرسي الرسولي للقاء قداسة البابا فرنسيس، في وقت يشهد المشهد الداخلي تخبّطاً على كل المستويات وانسداداً كليّاً في الأفق الرئاسي، كسرتهما ما بَدت انها «جرعة إيجابيات» عكسها بروز تحرّك السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في صدارة هذا المشهد، عبر الزيارة التي قام بها أمس الى رئيس مجلس النوّاب نبيه بري، ووصفت بـ»المهمة» حيث انها غلّفت بطابع إيجابي.
واذا كانت بعض الاطراف الداخلية قد أدرجت الموقف السعودي في خانة الطرف في الملف الرئاسي، ونسبت اليه «فيتوات» على بعض المرشحين، الا انّ ما حملته زيارة البخاري الى عين التينة من ايجابيات، وفق ما اكدت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية»، أعادت ترسيم الموقف السعودي من الملف الرئاسي ضمن حدود التأكيد على ان الانتخابات الرئاسية في لبنان شأن يعني اللبنانيين، وحرص المملكة على استقرار لبنان، وعلى ان يتمكن اللبنانيون من انجاز هذا الاستحقاق، وهو الموقف الذي أكد عليه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قبل نهاية الاسبوع الماضي، بأنّ لبنان يحتاج الى تقارب لبناني، وان على القادة السياسيين فيه ان يقدّموا المصلحة اللبنانية على أي مصلحة أخرى.
اللقاء بين بري والبخاري كان مريحاً، حيث استشهد السفير السعودي خلاله بما يؤكد عليه دائماً لناحية «الدعوة الى الكلمة السواء وان ارادة الخير لا بد منتصرة». وقال: «إنّ المرحلة الراهنة تستوجب الإحتكام أكثر من أي وقت مضى إلى الكلمة الطيبة والرهان دائماً على الإرادات الخيّرة».
وكان اللافت ما قاله السفير البخاري لدى مغادرته عين التينة، رداً على سؤال عما اذا كان ثمة شيء ايجابي للبنان: أكيد.
ومساءً، زار البخاري ايضاً رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
بري: نشكركم لدعمكم رئيساً نختاره
ولم يَشأ الرئيس بري الدخول في تفاصيل اللقاء الذي جمعه بالسفير بخاري مُكتفياً بالقول خلال استقباله مجلسي نقابتي الصحافة والمحررين: التواصل كان قائماً وسوف يتواصل وقد حصلت قبل هذا اللقاء عده لقاءات.
واكد الرئيس بري من جهة ثانية، أن الحل السياسي يبدأ برئاسة الجمهورية وسليمان فرنجية مَد يده للجميع، صالحَ كل الناس. فإذا كان سليمان فرنجية لا يجمع فمن هو الذي يجمع؟
وشدد بري على اننا «إن لم ننتقل الى الدولة المدنية فلبنان لن يتعافى». وسأل: «هل من المعقول أن نعاني ما نعانيه من أزمات ويعمل البعض الى تعطيل وتخريب كل شيء؟». وقال: «قوة رئاسة الجمهورية ليست بهذه الادعاءات التي يتم الاختباء خلفها، نعم كان يجب ان ننتخب رئيساً للجمهورية أمس قبل اليوم وغداً قبل بعد غد»، مذكّراً بما أعلنه في مهرجان الامام السيّد موسى الصدر حول انتخاب رئيس الجمهوريه بأنّ «المطلوب رئيس وطني يجمع ولا يفرّق له حيثية مسيحية واسلامية، وقبل أي شيء حيثية وطنية، رئيس يجمع ولا يطرح، يؤمن بعلاقات لبنان مع محيطه العربي، رئيس يؤمن باتفاق الطائف».
وقال بري: «أريد أن أسأل من هو سليمان فرنجية؟ ألم يكن مرشحاً عندما تم التمديد للرئيس اميل لحود؟ ألم يرشحه السفير ديفيد هيل؟ ألم يكن مرشحاً حينما كان العماد ميشال عون مرشحاً؟ وفي الانتخابات السابقة ألم تلتق القيادات المسيحية والمارونية في بكركي ويومها تم التوافق على اربعة اسماء، وأن من ينتخب من بين هؤلاء الاربعة يكون ممثلاً للمسيحيين واللبنانيين؟ ألم يكن سليمان فرنجية أحد هؤلاء الأربعة؟».
وأوضح قائلاً: «نحن ماذا نريد من رئيس الجمهورية، أنا بحاجة الى رئيس يتحدث مع سوريا بموضوع ترسيم الحدود وحل أزمة النازحين لأننا اذا كنّا سنعتمد على الاوروبيين والاميركيين فهم غير مُكترثين لهذا الموضوع، نريد رئيساً قادراً على مقاربة الاستراتيجية الدفاعية، رئيساً مؤمناً باتفاق الطائف، وانطلاقاً من كل ذلك رشّحنا الاستاذ سليمان فرنجية».
وقال بري: «بعد 11 جلسة انتخابية أخذوا علينا بالورقة البيضاء بياضها، وقالوا لماذا لا يكون هناك مرشّح؟ وبعد مضيّ خمسة أشهر على الفراغ، وأمام الانهيار المالي والاقتصادي، وبعد رفض الدعوات التي وجّهتها وما زلت للحوار والتي تجاوبَ معها معظم الكتل باستثناء الكتلتين الاساسيتين، لم يعد مقبولاً الاستمرار بذلك ولم يكن هناك خيار الّا خيار الاقدام على ترشيح إسم يتمتع بالصفات التي ذكرتها بخطاب 31 آب بذكرى إخفاء الامام الصدر في صور، وأقمتُ حوارات مع جهات دوليّة وخاصّة مع سفراء الدول الخمس وقلتُ لهم نشكركم على الدعم الذي ستقدمونه للشخص الذي نختاره»
ملعب الكبار
وفي سياق متصل سألت «الجمهورية» شخصية وسطية بارزة تمَنّت عدم ذكر اسمها، حول التطوّرات اللبنانية المحتملة ربطاً بالإتفاق السعودي الايراني، فقالت: لا أعتقد ان يكون لهذا الاتفاق مفاعيل لبنانية مباشرة، فهذا الاتفاق ابعد ما يكون عن لبنان، ولا يعني لبنان لا من قريب او من بعيد، خلافاً لما يعتقد بعض عباقرة السياسة السخيفة في هذا البلد. اليمن هي الاساس لا اكثر ولا أقل، وكل الاطراف المعنيين بحرب اليمن محشورون يريدون إطفاءها، وما عدا ذلك تفاصيل لا قيمة لها.
وخلصت الشخصية الوسطية الى القول: «اعتقد اننا لا نخسر شيئاً اذا ما نظرنا الى حجمنا كما هو، ولا نكبر الحجر كثيراً ونحشر أنوفنا بما لا يعنينا. أقول ذلك لأن لا احد من عباقرتنا يريد ان يصدق أن لا مكان لنا في ملاعب الكبار».
ميقاتي: إقترب الربيع
من جهة ثانية، زار رئيس حكومة تصريف الاعمال بكركي أمس والتقى البطريرك الراعي. وقال بعد اللقاء إنّ «ربيع لبنان قريب إن شاء الله»، اضاف: «شرحتُ لصاحب الغبطة موضوع اجتماعات مجلس الوزراء وضرورة السهر على متابعة ادارة المرفق العام، وكان صاحب الغبطة متفهماً جداً لهذه المواضيع».
وقال ميقاتي: «من يتحدث ويقول إن مجلس الوزراء شرعي او غير شرعي ويحق له ان يجتمع او لا يجتمع، فليتفضّل ويقوم بدوره في انتخاب رئيس الجمهورية في اسرع وقت، وهذا هو باب الخلاص».
وتابع: «تطرّقنا ايضاً الى الكلام المستهجن والبغيض الذي نسمعه عن الموضوع الطائفي والاتهامات الطائفية والتي سمّاها صاحب الغبطة بالهستيريا السياسية. هذا الكلام اعتبره دليل إفلاس سياسي في هذا الوقت بالذات، لأنّ المقاربة التي نقوم بها ليست طائفية، والقاصي والداني يعرف ما هو دوري وأنني لم أقم في يوم من الايام الّا بدور وطني بكل ما للكلمة من معنى، وإنني من المؤمنين بأن التعددية هي مصدر غنى للبنان ولجميع اللبنانيين. اتفاق الطائف هو الاتفاق الاساسي الذي يحمي كل هذه الامور والتي أتابعها بكل ما للكلمة من معنى».