
كتبت صحيفة "الجمهورية" تقول : لا يمضي يوم الّا وتتبدّى فيه أسباب موجبة وضاغطة لأن يسود العقل وتتلاقى الإرادات على تخليص البلد من الوضع الجهنمي الذي يتخبّط فيه.
بالأمس كانت معركة الساعة بين ان تكون صيفية او شتوية، وما رافقها من خطاب استعاد مفردات الحرب الاهلية، وكاد ان يلقي البلد في فتنة وشرّ مستطير لا ينجو منهما احد. وبالأمس ايضاً حضر هذا الشيطان في المواجهة الصاخبة في مجلس النواب، التي وإن تمّ احتواء تداعياتها الآنية، الّا انّها كشفت ما هو مستور في النفوس من ضغائن وأحقاد، تنذر بأن تنفجر عند أي محطة لاحقة وتحت أي عنوان ولأي سبب مهما كان تافها.
يكفي اللبنانيين هذا الحَجر غير الصحي في خنادق التعبئة السياسية والشحن الطائفي، لعلّ الأولى بمكونات الصراع الداخلي، وبدل ان تقود البلد وأهله إلى المجهول، أن تقتنع بأنّ هذا المنحى التدميري لن يؤدي الّا إلى دمار شامل، يكمّل الدمار الاقتصادي والمالي والمعيشي الذي خرّب حياة اللبنانيين، وسوّاهم جميعهم بكل طوائفهم ومناطقهم بالأرض، إن لم يكن تحتها. وها هو صندوق النقد الدولي يقرع جرس الإنذار الأخير للبنانيين بأنّ بلدهم بات على مفترق طرق، يُخشى ان ينحدر إلى أزمة لا نهاية لها.
لم يكشف صندوق النقد سراً، فواقع الأزمة ومسبباتها السياسية، وتداعياتها الاقتصادية والمالية حدّد للبنان خيارين؛ إما أن تدفع مكوناته السياسية نحو بلورة العلاجات الفورية، وإما ان تستمر، كما هو حالها في هذه الايام، في الدفع نحو تعجيل الارتطام الكبير، وبالتالي تشييع البلد إلى مثواه الاخير. وساعتئذٍ، ماذا ينفع معطلو الحياة في لبنان؟ وهل سيجدون لهم موطئ قدم فوق الركام؟
تعميم التعطيل
على انّ ما هو أخطر من عدم انتخاب رئيس للجمهورية، هو الشللّ المتعمد لسائر السلطات، والمؤسسات، سواء حكومة تصريف الاعمال التي لا تُحسد على وضعها اصلاً، حيث تُنذر المجريات الاخيرة المرتبطة بها وبالهجومات السياسية على رئيسها نجيب ميقاتي، بأنّ الفراغ يحوم حول السلطة التنفيذية، وخصوصاً مع تأكيد ميقاتي انّه لا يستطيع ان يكمل بهذه الطريقة. او بمجلس النواب، الذي يتعرّض لحملة مقصودة لتعطيله، وتتبدّى في إصرار بعض الجهات السياسية على شلّ المجلس وإفقاده دوره، ليس فقط على مستوى الهيئة التشريعية، بل على مستوى جلسات لجانه النيابية. والذريعة المعلنة لا تشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية على اعتبار انّ المجلس هيئة ناخبة، الّا انّ المفارقة العجيبة تكمن في أنّ اصحاب هذا الشعار يرفعونه في يد، وفي اليد الأخرى يرفعون لواء تعطيل إمكانيات التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية.
البخاري: جهود مشتركة
هذه الامور، إضافة إلى ما استُجد في الآونة الاخيرة، كانت محور بحث بين الرئيس ميقاتي، والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، الذي زار ميقاتي في السرايا الحكومي. ولفت البخاري بعد اللقاء إلى "مواصلة الجهود المُشتركة لحضّ قادة لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية والمضيّ قدماً في الإصلاحات الجذرية".
ميقاتي في السعودية
وصل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى المدينة المنوّرة في المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة مع عائلته، على ان يعود إلى بيروت بعد يومين.
وأعلنت وكالة الانباء السعودية، انّه كان في استقبال رئيس الحكومة في مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي، أمير منطقة المدينة المنورة الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، وقائد منطقة المدينة المنورة اللواء ركن فهد بن سعود الجهني، ومدير شرطة المنطقة اللواء مظلّي عبدالرحمن بن عبدالله المشحن، ومدير مكتب المراسم الملكية بالمنطقة إبراهيم بن عبدالله بريّ، إضافة الى عدد من المسؤولين من مدنيين وعسكريين.
موت سريري
في هذا الواقع المأزوم، كلّ شيء مباح، وكل ما يزيد الشرخ ويعمّق الانقسام محلّل، الّا الملف الرئاسي محرّم ان يُقَارب بعقلانية ومسؤولية تحتكمان إلى الحاجة الأكثر من ملحّة لإتمامه قبل فوات الاوان.
ومن هنا، فإنّ خلاصة المشهد الرئاسي تعكس بما لا يقبل أدنى شك ثباتاً على جبهات النكد والمكايدة والتفاخر بسلاح التعطيل، من دون ان يرفّ للمعطّلين جفن على بلد يسقط، ورئاسة جمهورية باتت في حالة موت سريري، وإعادة إنعاشها تخطّت الاستعصاء لتصبح شديدة الاستحالة، وخصوصاً بعدما تمّ إقران سلاح التعطيل، بإيقاظ شيطان الطائفية في بعض النفوس، ليقطع الأمل بأي انفراج محتمل، بل ويستدعي اللبنانيين إلى الركوب في مركب العودة إلى زمن الانتحار الجماعي الذي جُرِّبَ في الحروب الداخلية التي دخلت ويلاتها إلى بيوت كل اللبنانيين مسلمين ومسيحيين.
تسليم بالأفق المسدود
تتقاطع هذه الصورة، مع تسليم مرجع مسؤول بالأفق الرئاسي المسدود، وقال لـ"الجمهورية": "كأننا عشية الحرب الاهلية في السبعينيات وما تلاها من نكبات، فهل هذا هو المطلوب؟ هل المطلوب تفتيت لبنان والّا يبقى وطن ودولة ونظام سياسي؟".
اضاف: "لا أرى قيامة لهذا البلد، في ظلّ واقع سياسي عنوانه الاستسلام للأوهام والاحلام، والهروب من فرص التفاهم الداخلي ليس على الأساسيات فحسب بل على أبسط البديهيات، والمفجع فيه هو الجنوح ليس على تعطيل البلد ونسف الاستحقاقات فحسب، بل إلى جعل البلد وشعبه كبش فداء على مائدة نزوات أحزاب التعطيل".
ومضى يقول: "مفتاح الحلول في لبنان هو انتخاب رئيس للجمهورية، ولا يمكن لأي طرف أن يحسم وحده ويقود رئاسة الجمهورية في الاتجاه الذي يريده، هذا ما قلناه مرات عديدة ونكرّره اليوم، ونضيف انّ سياسة لحس المبرد لا تؤدي سوى إلى نزيف، ما يوجب علينا ان نبحث عن فرصة تفاهم، ونتجنّب هذا النزيف، ونوفّر على اللبنانيين الثمن الذي يدفعونه كل يوم، لأنّ لا رئاسة جمهورية في ظلّ الجو القائم ولو بعد مئة سنة".
ورداً على سؤال حول الجهود السعودية- الفرنسية تجاه لبنان، قال المرجع عينه: "الأصدقاء والأشقاء يشتغلون من اجلنا، فيما نحن نشتغل ببعضنا البعض، بعض الاطراف تصرّ على السير بلبنان خارج مدار التفاهمات سواء التي يُعمل عليها في الداخل او في الخارج، وكذلك خارج مدار الانفراجات التي تتسارع على اكثر من ساحة في المنطقة، (في اشارة إلى الاتفاق السعودي- الايراني)، وكان من الواجب علينا ان نلحّق حالنا ونستثمر عليها بلحظة عقل، ونتمعّن في ما يجري، ونجهّز انفسنا لكي نواكب إيجابياتها، فإذا بنا بدلاً من ذلك، نسقط في افتعالات متعمّدة لتوترات ظنّاً من اطرافها ان يقطعوا الطريق على أي ايجابيات، ويمنعوا على لبنان ان تلفحه رياح الانفراجات الخارجية".
في انتظار الأصدقاء
وفي موازاة هذا الانسداد، يبقى التعويل على ما اكّد عليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لجهة استمرارهما في بذل جهود مشتركة لمساعدة لبنان في تجاوز محنته. ومكونات الداخل على اختلافها، وجراء الخواء السياسي والرئاسي القائم، دخلت تلقائياً في مرحلة انتظار ما قد يفرزه المسعى الفرنسي- السعودي من وقائع يُبنى عليها لإزالة المعوقات المانعة إتمام الانتخابات الرئاسية.
وفيما قالت مصادر مواكبة للحركة الفرنسية- السعودية لـ"الجمهورية"، انّها متوجسة من ان يُمنى المسعى الفرنسي- السعودي بالفشل، بالنظر إلى التباينات الداخلية واستسلام اطراف الملف الرئاسي إلى حساباتهم الحزبية". وقالت مصادر ديبلوماسية عربية لـ"الجمهورية"، انّ ما اكّد عليه الرئيس ماكرون وبن سلمان لجهة مساعدة لبنان، يعكس بشكل لا يرقى اليه الشك، انّ فرصة اخيرة مُنحت للملف اللبناني، لكي تُفك عقدته الرئاسية المستعصية منذ خمسة اشهر.
واكّدت المصادر "انّ الجانبين الفرنسي والسعودي، لن ينوبا عن اللبنانيين في اختيار من يريدونه لرئاسة الجمهورية"، وقالت: "ثمة امر جوهري يجب ان يدركه السياسيون في لبنان، وهو انّ الخارج لن يسمّي رئيس لبنان. وبالتالي جوهر أي مسعى او حراك خارجي هو دفع اللبنانيين إلى الجلوس معاً والتوافق على من يجدونه الأنسب لرئاسة الجمهورية".
ولفتت المصادر، إلى انّ جهداً خارجياً لا يتسمّ بصفة الإلزام للبنانيين، بل هو عامل مساعد، مسلّم بأنّ المسؤولية في النهاية هي على اللبنانيين، وهذا ما اكّدت عليه الدول الخمس. ومن هنا، فإنّ أي مسعى خارجي، يشترط لتحقيقه النتائج المرجوة منه، ان تتوفر له في لبنان، الأرضية الملائمة لترجمته، والتفاعل معه بما يراعي مصلحة لبنان قبل أي اعتبار آخر".
هل من مؤتمر حوار؟
إلى ذلك، ورداً على سؤال عمّا يتردّد عن عقد "اجتماع لبناني" خارج لبنان، قالت المصادر الديبلوماسية، انّ الملف اللبناني، من كافة جوانبه السياسية والرئاسية، إضافة إلى ما يتصل بأزمته الاقتصادية الصعبة، يُناقش على اكثر من مستوى اقليمي ودولي. لا شك انّ ملف رئاسة الجمهورية هو الأكثر حضوراً على بساط البحث، الّا انّه حتى الآن، لا توجد أي افكار نهائية، او اي توجّه إلى مقاربات جديدة. ومن هنا، فإنّ الحديث عن عقد مؤتمر حوار لبناني في باريس او الدوحة او الرياض او القاهرة، بمشاركة ممثلين عن الدول الخمس، هو امر وارد، وفكرة مطروحة من بداية الأزمة الرئاسية في لبنان، لكن لا شيء جدّياً حتى الآن.
حوار الداخل اولاً
وأبلغت مصادر سياسية مسؤولة إلى "الجمهورية" قولها: "ليس خافياً على احد انّ هناك اطرافاً تحاول منذ بداية الأزمة الرئاسية ان تدفع في اتجاه ان يُحسم الملف الرئاسي في لبنان من الخارج. ولكن قبل الحديث عن لقاء حواري بين اللبنانيين في القاهرة او غيرها من العواصم الصديقة، يجب ان نسأل، هل سينتج هذا اللقاء في حال عُقد، فإنّ كان سينتج، فلماذا لا نوفّر على انفسنا عناء السفر وتكاليفه ونجتمع في الداخل ونتفق على رئيس الجمهورية؟".
الملك عبدالله: مع لبنان
إلى ذلك، اعلن الملك الاردني عبدالله الثاني، "وقوف الأردن المستمر إلى جانب لبنان وشعبه".
جاء ذلك خلال استقبال الملك عبدالله لوزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بو حبيب في قصر الحسينية امس، وأفادت وسائل إعلام أردنية، بأنّه تمّ خلال اللقاء بحث العلاقات الأخوية التاريخية التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين، وفرص توسيع التنسيق والتعاون في المجالات كافة. كما تمّ التأكيد على أهمية تحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين، ولا سيما في البلدان المستضيفة، كما تطرّق اللقاء إلى آخر التطورات الإقليمية والدولية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.