
كتبت صحيفة "الجمهورية": النار تستعِر على جبهة الجنوب والمحركات تعمل بحدودها القصوى على جبهة الرئاسة، ففي موازاة اشتداد المواجهة على الحدود واتساع كتلة النار انطلق حراك رئاسي على اكثر من مستوى قادَه هذه المرة الحزب التقدمي الاشتراكي من الداخل وقطر من الخارج، والهدف إحداث خرق جدي في جدار الأزمة الذي بدأ ينخفض على اكثر من خط بين الكتل النيابية والسياسية باستثناء جدار خط عين التينة ـ معراب الذي بَدت فيه السواتر أكثر صلابة إلى حد تتكسّر عليه محاولات تقريب وجهات النظر او إرساء بداية تفاهم.
في معلومات لـ«الجمهورية» من مصادر متابعة للحركة التي نشطت بعد زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، انه حتى الساعة لا أفق للحل، فـ«الثنائي الشيعي» يصرّ على ان يكون رئيس مجلس النواب نبيه بري الداعي والمترئس للحوار، فيما «القوات اللبنانية» متمسكة بموقفها الرافض هذا الأمر، وقد خلص الحزب التقدمي الاشتراكي في يومه الأول من مهمة «المحاولة المستحيلة» إلى ان «الثنائي» متمسك برؤيته لآلية التشاور، وان «حزب الله» يفوّض الى بري تفويضاً غير قابل للعزل في اتخاذ الموقف المناسب وفي إدارة الحوار او التشاور وعدم الذهاب اليه بشروط مسبقة. امّا في معراب فالصورة معاكسة تماماً: «لا دعوة للحوار من قبل رئيس المجلس، ولا ترؤس... ولا حوار حتى من أساسه ويجب الذهاب بالمباشر إلى جلسات الانتخاب».
وحول ما دار في قطر بين وفد «القوات» والمسؤولين القطريين، أكدت المصادر نفسها أولاً انه لم يحصل اي لقاء بين الوفد وبين النائب علي حسن خليل المعاون السياسي للرئيس بري، فكل طرف كان في مكان آخر وفي مهمة مختلفة، وان قطر مهتمّة بالدخول في وساطة على خط الملف الرئاسي لكنها حذرة من الوقوع في وحول السياسة اللبنانية وتنطلق من منهجية تعتبرها صالحة وهي: استطلاع الآراء حول طرق الحل، عدم تبنّي اي مرشح، وعدم تقديم خيار ثالث. وكشفت المصادر انه حتى الآن وعلى رغم من تكثيف اللقاءات مع الافرقاء اللبنانيين، لا تملك الدوحة اي طرح جاهز او مبادرة للتسويق.
تكتل وسطي
وفي الإطار الرئاسي، تساءلت أوساط مراقبة عن إمكان أن يؤدي التعاون والتلاقي المستمرين بين كتل متعددة، أبرزها «لبنان القوي» و»اللقاء الديموقراطي» و»تجدد» وغيرها، إضافة إلى الشخصيات النيابية المستقلة، إلى نشوء تكتل «وسطي» يكون له تأثير كبير في إيجاد الحل الرئاسي المنشود. فهذه الكتل ليست بعيدة بعضها عن بعض في أفكار الحل، خصوصاً لجهة الدعوة إلى جلسة انتخاب نيابية بدورات متعددة، تصبّ في مصلحة انتخاب رئيس على قاعدة احترام الدستور والشراكة والتوافق، من دون تغييب مبدأ التشاور.
تحرّك الاشتراكي
وكان الحزب التقدمي الاشتراكي قد باشَر أمس تحرّكه لتذليل الخلافات الدائرة حول الاستحقاق الرئاسي، فزار وفدان منه ومن «اللقاء الديموقراطي» كلّاً من رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.
واوضح عضو اللقاء الديموقراطي النائب هادي ابو الحسن لـ«الجمهورية» ان جوهر التحرك يقوم «على فكرة إيجاد صيغة مَرنة حول التشاور او الحوار او اي تسمية اخرى وصولاً الى التوافق والتسوية على انتخاب رئيس للجمهورية». واوضح انّ وفود الحزب واللقاء الديموقراطي ستلتقي تباعاً اليوم وغداً تكتل «الاعتدال الوطني» و«تجدد» و«الكتائب» ونواب «التغيير» وعضو كتلة «التوافق الوطني» النائب فيصل كرامي.
وعقب اللقاء مع جعجع قال النائب اكرم شهيّب انّ الجولة «ليست بهدف طرح مبادرة جديدة أو أسماء رئاسية إنما من أجل خلق مساحة مشتركة بين الكتل النيابية». واضاف: «من الضروريّ البحث الجديّ المشترك بين القوى السياسيّة لمحاولة الوصول الى رئيس وفاقي يجمع ولا يفرّق ويخرج البلاد من المأزق الحالي، وهذا لا يكون في رأينا، إلّا من خلال التلاقي والحوار والتشاور كما سمّاه أخيراً رئيس مجلس النواب نبيه بري».
وقال: «تسهيلاً للأمور بين مختلف الأفرقاء السياسيين ووصولاً الى صيغة مَرنة مقبولة تلاقي المسعى المشكور لسفراء الدول الخمس ومسعى موفد الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان، لعلّنا ننتج مع جميع المخلصين رئيساً». واضاف: «لم نتحدث في الأسماء كما لن نتحدث بها في الوقت الحالي، فالمرحلة تتطلب أولاً التلاقي وبعدها لكل حادثٍ حديث». واعتبر ان «حركتنا تختلف عن سواها، والرئيس بري طرحَ التشاور مكان الحوار، وهناك نقاط نتّفق عليها مع «القوات» وأخرى نختلف عليها، ومنها الحوار على سبيل المثال».
المرحلة الدقيقة
وبعد اللقاء مع باسيل قال أبو الحسن: تأتي هذه الزيارة في سياق الحركة السياسية التي بدأناها في الأمس، وتستكمل في اليومين المقبلين على كل القوى السياسية، وإذا كان لا بد من وصف دقيق هي حركة سياسية بهدف خلق دينامية سياسية تؤدي إلى خلق مساحة مشتركة بين اللبنانيين يمكن التأسيس عليها لتجاوز مسألة الاستعصاء الرئاسي، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان». واضاف: «نحتاج إلى كسر هذا الجمود الرئاسي، لذلك نحاول اليوم من خلال النقاش إيجاد صيغة مرنة تؤدي إلى شكل من أشكال التوافق وصولًا إلى انتخاب رئيس للجمهورية». وقال: «لمسنا إيجابية بالنقاش ومرونة كي نبحث عن مخارج تجمع ولا تفرّق، وسنعود ونتشاور».
بدوره، قال عضو كتلة «التيار الوطني الحر» النائب سيزار أبي خليل: «نحن نلتقي مع الأستاذ جنبلاط حول هدف إنهاء الفراغ ومستعدون للتشاور وللحوار في هذا الشأن بمرونة لتحقيق الهدف. ونتلاقى بالمسعى معًا ويتحرّك كل منّا على طريقته للهدف نفسه»، مشدداً على «ان الحوار من أجل الحوار لا فائدة منه، الحوار يجب أن يوصِل حكماً إمّا للتوافق على رئيس أو الذهاب الى الإنتخاب تطبيقاً للدستور في حال تعذر الإتفاق». واضاف: «نحاول من خلال النقاش إيجاد صيغة مرنة تؤدي إلى شكل من أشكال التوافق وصولًا إلى انتخاب رئيس، واللقاءات ستُستكمل مع بقية الكتل».
عند بري و«الحزب»
الى ذلك، وبتكليف من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، زار الوزير السابق غازي العريضي كلّاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري والحاج حسين الخليل المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله. وذلك في إطار مبادرة الحزب التقدمي الإشتراكي تجاه القوى السياسية، «لتحفيزها على الحوار والتشاور من أجل إنجاز الاستحقاقات الدستورية وفي مقدمها رئاسة الجمهورية، وتجاوز المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها لبنان في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان»، وفق بيان عن التقدمي.
نصرالله وباقري
من جهة ثانية، خَتمَ وزير الخارجية الايرانية بالوكالة علي باقري كني زيارته للبنان وانتقل الى دمشق، وقبَيل مغادرته التقاه الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله والوفد المرافق في حضور السفير الإيراني مجتبى اماني، حيث قدّم تعازيه بمقتل الرّئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيّته حسين أمير عبد اللهيان وصحبهما.
وأوضحت العلاقات الإعلاميّة في «حزب الله» في بيان أنّه «جرى استعراض آخر التطوّرات السياسيّة والأمنيّة في المنطقة، وخصوصًا في جبهتَي غزة ولبنان، والحلول المطروحة والاحتمالات القائمة حول تطوّر الأحداث»، مشيرةً إلى أنّ «نصرالله شكر للجمهوريّة الإسلاميّة قائدًا وحكومةً وشعبًا، وقوفها الدّائم إلى جانب شعوب المنطقة وحركات المقاومة، وموقفها الثّابت والرّاسخ رغم كلّ العقوبات والتّهديدات».
بين ميقاتي والسنيورة
في غضون ذلك دار سجال مساء امس بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس فؤاد السنيورة الذي اتهمه بـ»تسليم التفاوض باسم البلاد» الى رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ورد ميقاتي على هذا الكلام ببيان للمكتب الاعلامي هذا نصّه: «أدلى رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بتصريح تلفزيوني مساء اليوم (أمس) قال فيه» انّ دولة رئيس الحكومة سلّم ملف التفاوض باسم البلاد إلى الرئيس نبيه بري وهذا امر مخالف للدستور». يهمّ دولة الرئيس أن يؤكد انّ ما قاله دولة الرئيس السنيورة مُجافٍ للحقيقة، والصحيح أن هناك تشاورا وتنسيقا مستمرين بين دولة الرئيس وجميع المعنيين. كما ان التنسيق والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ولا سيما مع دولة الرئيس بري أمر مطلوب وواجب دستورياً ووطنياً، خصوصاً في هذه الظروف الاستثنائية والخطيرة التي يمر بها الوطن. والسؤال البديهي المُوَجّه الى دولة الرئيس السنيورة بالذات: ألم تنسّق مع دولة الرئيس بري في الفترة التي توليتَ فيها رئاسة الحكومة، خصوصاً في فترة حرب تموز 2006؟».
وسبق ذلك بيان أصدره المكتب الاعلامي لميقاتي هذا نصّه:
«يتم التداول بأخبار وتسريبات عن تحذيرات تلقّاها دولة الرئيس نجيب ميقاتي من ان العدو الاسرائيلي قد يشن هجوما واسع النطاق على لبنان. يؤكد دولة الرئيس ان لا صحة لهذه التسريبات والاخبار، وهي تندرج في اطار الضغوط التي تمارس على لبنان. كما يهم دولته أن يؤكد أنه يجري مروحة واسعة من الاتصالات الديبلوماسية في سبيل وقف العدوان الاسرائيلي المستمر على جنوب لبنان، فاقتضى التوضيح».
سينودوس الاساقفة
من جهة ثانية، تقفل ابواب الصرح البطريركي الماروني في بكركي صباح اليوم ايذاناً ببدء اعمال سينودوس الاساقفة الموارنة برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ومشاركة مطارنة الطائفة في لبنان وبلدان الانتشار، وتستمر حتى الرابع عشر من الشهر الجاري.
وتنطلق اولى اعمال السينودوس التاسعة قبل ظهر اليوم على مرحلتين: الأولى تكمن في تحوّلها «رياضة روحية» وتستمر حتى السبت المقبل وتُختتم بقداس إلهي يترأسه الراعي بمشاركة المطارنة، والثانية تنطلق الاثنين المقبل بعد استراحة الأحد وتستمر حتى الجمعة في 14 الجاري وتخصّص أعمال السينودس التي ستعلن نتائجها في البيان الختامي الذي سيصدر في اليوم الأخير منه.
«الوثيقة الوطنية»
وقالت مصادر روحية مطلعة لـ«الجمهورية» انه من المقرر ان يتضمن البيان الختامي اكثر من عنوان سياسي واجتماعي ووطني، وقد يخصّص جزء منه لـ«وثيقة بكركي» التي تخضع للدرس وقد اقتربت من أن تكون في صيغتها النهائية وستوزّع نُسخ منها على المراجع الدينية والسياسية اللبنانية بلا استثناء، توصّلاً الى اعتبارها «وثيقة وطنية» تتجاوز المكوّن المسيحي ليكون في صياغتها نَفَس وطني يعبّر عن هموم اللبنانيين العامة والشاملة، على خلفية أن ليس هناك وجع مسيحي لم يصب المسلمين والعكس صحيح، كما قال أحد المشاركين في وضع الوثيقة.