
كتبت "الجمهورية" التالي : لاحت في أفق الاتصالات التي تسارعت في مختلف الاتجاهات لليوم الثاني على التوالي لمنع انزلاق الوضع في لبنان والمنطقة الى حرب شاملة، مؤشرات الى تراجع هذا الاحتمال في اتجاه توقّع ردود محدودة، على رغم من انّ المقاومة نفت علاقتها بحادثة مجدل شمس التي تصرّ اسرائيل وخلفها الولايات المتحدة الاميركية على اتهامها بها. فيما المقاومة حذّرت اسرائيل من عواقب الذهاب الى توسيع رقعة الحرب، مؤكّدة استعدادها لكل الاحتمالات.
افادت وسائل إعلام إسرائيلية مساء امس، انّ جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر (الكابينيت) برئاسة بنيامين نتنياهو العائد لتوه من واشنطن، فوّضت اليه والى وزير الدفاع يوآف غالانت اتخاذ قرارات الردّ الإسرائيلي في لبنان، فيما امتنع وزير المال بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير المتطرّفان عن التصويت
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» انّ «المجلس الوزاري المصغّر حدّد الهدف الذي ستتمّ مهاجمته في لبنان، والتقديرات أن يكون محدوداً لكن بتأثير قوي». واستبعدت أن يكون هناك ردّ يقود إلى حرب شاملة، مؤكّدة انّ المجتمع الدولي يضغط لمنع التصعيد نحو حرب شاملة.
وفي غضون ذلك نقل موقع «اكسيوس» أنّ كبير مستشاري الرئيس الاميركي جو بايدن اموس هوكشتاين قال لغالانت في مكالمة هاتفية أمس إنّ الولايات المتحدة تشعر بالقلق بشأن ضربة محتملة للجيش الإسرائيلي على بيروت، لأنّ ذلك قد يؤدي إلى خروج الوضع عن السيطرة.
في حين أوضحت وسائل الإعلام التابعة للاحتلال الإسرائيلي، أنّ اسرائيل غير معنية بحرب شاملة مع حزب الله، وإنما بتوجيه ضربة موجعة له فقط، مشيرة، إلى أنّ المسؤولين في الأجهزة الأمنية أكّدوا للقيادة السياسية أنّ الخطط الموضوعة قابلة للتنفيذ فورًا.
ونقلت شبكة «سي إن إن» عن مسؤول غربي مطلع، بأنّه «لا شك في أنّ الضربة على مجدل شمس في الجولان السوري المحتل نفّذها حزب الله، لكن لا يُعتقد أنّها كانت متعمّدة». وتوقّع «أن تردّ إسرائيل لكنها لا ترغب في تصعيد يؤدي إلى نزاع أوسع نطاقاً».
وبثت إذاعة الجيش الإسرائيلي «انّ إسرائيل غير معنية بحرب شاملة مع حزب الله وإنما بتوجيه ضربة موجعة له فقط»، ولفتت الى «انّ الجيش أعد سيناريوهات محتملة للهجوم على لبنان، ووضعها أمام القيادة السياسية». وذكرت انّ من السيناريوهات «مسارات عمل عسكري أكثر صرامة من ذي قبل»، وقالت انّ «مسؤولين في الأجهزة الأمنية يؤكّدون للقيادة السياسية أنّ الخطط الموضوعة قابلة للتنفيذ فورا».
هوكشتاين على الخط
وكان هوكشتاين وبعد ساعات قليلة على حادثة مجدل شمس أجرى سلسلة اتصالات هاتفية شملت كلاً من رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب وقائد الجيش العماد جوزف عون والرئيس الاسبق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وابلغ اليهم دعوة اميركية للتهدئة واستيعاب الوضع. لافتاً الى «انّ ما قام به «حزب الله « كان خارج ما هو مألوف وأنّ هناك تحضيرات من ضربة اسرائيلية نسعى الى لجمها والحؤول دونها».
وقالت مصادر اطلعت على جوانب من الإتصالات انّ هوكشتاين لفت الى «صعوبة لجم إسرائيل في هذه المرحلة، وانّ العملية لا يمكن استيعابها بسهولة»، مؤكّداً «انّ الادارة الاميركية تثبتت من هوية القذيفة وهي من لبنان ولا بدّ من لجم هذه العمليات التي تعوق التوصل الى وقف لاطلاق النار وتهدئة الأوضاع».
بري يحذّر
وكان بري تلقّى اتصالاً من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت. وأكّد خلال الاتصال، أنّ “لبنان الذي تتعرّض قراه الجنوبية، لا سيما منها الحدودية منذ ما يزيد عن 9 اشهر لعدوان اسرائيلي متواصل، لم توفر فيه الآلة العسكرية الإسرائيلية بأسلحتها المحرّمة دولياً (الفوسفور الابيض) المدنيين والمساحات الزراعية والطواقم الإسعافية والاعلاميين”. وقال: «على رغم من هذه الإنتهاكات الإسرائيلية الفاضحة والصريحة لمندرجات القرار 1701 إلّا أنّ لبنان ومقاومته ملتزمون بهذا القرار وبقواعد الإشتباك بعدم استهداف المدنيين. وانّ نفي المقاومة لما جرى في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل يؤكّد بنحو قاطع هذا الإلتزام وعدم مسؤوليتها ومسؤولية لبنان عمّا حصل”.
وحذّر بري «الجميع في لبنان وفي فلسطين والجولان» من «أي انزلاق أو تحريضِ في سياق مشروع العدو التدميري».
ميقاتي
والى ذلك، قال المكتب الاعلامي لميقاتي انّه اجرى اتصالات ديبلوماسية وسياسية، وشدّد خلالها على «أنّ الحل يبقى في التوصل الى وقف شامل لإطلاق النار والتطبيق الكامل للقرار الدولي الرقم 1701، للتخلص من دورة العنف التي لا جدوى منها وعدم الانجرار الى التصعيد الذي يزيد الاوضاع تعقيداً ويؤدي الى ما لا تحمد عقباه».
واّكد «أنّ وقف طلاق النار بشكل مستدام على كل الجبهات هو الحل الوحيد الممكن لمنع حدوث مزيد من الخسائر البشرية، ولتجنّب مزيد من تفاقم الأوضاع ميدانياً». وشدّد على «أنّ الموقف اللبناني يلقى تفهماً لدى جميع اصدقاء لبنان، وأنّ الاتصالات مستمرة في أكثر من اتجاه دولي واوروبي وعربي لحماية لبنان ودرء الأخطار عنه».
«الادعاء كاذب»
في غضون ذلك، أكّد جنبلاط لقناة «الجزيرة» أنّ «الادعاء الإسرائيلي بأنّ حزب الله أطلق الصاروخ على مجدل شمس كاذب». وقال: “حان الوقت لأن تفهم إسرائيل أنهّا لن تستطيع القضاء على روح المقاومة”. واضاف: «ما من أحد يعطي دروساً لمجدل شمس، فهذه البلدة عربية وغالبية سكانها رفضوا الجنسية الإسرائيلية «. وأكّد أنّ «إسرائيل تهاجم وتقتل وتدمّر في كل لحظة في لبنان»، مشدّدًا على أنّها لن «تستطيع القضاء على المقاومة»، ولافتاً إلى أنّ «حزب الله يحترم قواعد الاشتباك في العمليات التي ينفّذها والحزب يردّ عندما تخرقها إسرائيل».
وعوّل جنبلاط على جهود بري قائلاً:» نعوّل على جهود الرئيس بري في التوصل مع المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين لوقف إطلاق نار جدّي في جنوب لبنان». ولفت الى انّ «هوكشتاين قال إنّ إسرائيل ستقوم بعملية واسعة وأذكّره بأنّه وسيط وليس ناقلاً لتهديدات إسرائيل».
بوحبيب
من جهته، كشف وزير الخارجية عبدالله بو حبيب أمس على هامش الاتصالات التي تلقّاها او أجراها مع عدد من نظرائه العرب والغربيين أنّ «الولايات المتحدة طلبت من الحكومة كبح “جماح” حزب الله، كما أنّ لبنان طلب من الولايات المتحدة حضّ إسرائيل على ضبط النفس في ظل التوتر في الآونة الأخيرة». وقال في حديث متلفز: “هجوم كبير من قبل إسرائيل سيؤدي إلى حرب إقليمية”. وقال: «إنّ حزب الله نفى علاقته بالضربة وهو منذ بدء الحرب يستهدف مواقع عسكرية وليس مدنية. ولا اعتقد انّه نفّذ هذه الضربة، قد تكون من تنفيذ منظمات أخرى أو خطأ اسرائيلياً أو حتى خطأ من حزب الله لا أدري، ونحن في حاجة إلى تحقيق دولي لمعرفة حقيقة الأمر».
حزب الله في الخارجية
وفي اطار المعالجات الجارية، علمت «الجمهورية» انّ لقاء سيُعقد قبل ظهر اليوم في وزارة الخارجية بين بوحبيب ومسؤول العلاقات العربية والدولية في حزب الله السيد عمار الموسوي، يتوقع ان يجري خلاله البحث في المستجدات السياسية والديبلوماسية وحصيلة المشاورات الجارية على اكثر من مستوى.
كذلك سيلتقي بوحبيب سفيرة السويد آن ديسمور وممثلة الامم المتحدة جنين هانس بلاسخارت التي تجري اتصالات بالقادة اللبنانيين السياسيين والامنيين لمواكبة ما يجري بعد البيان المشترك الذي اصدرته وقائد قوات «اليونيفيل» الجنرال لازارو وتضمن تحذيراً من اي عمل عسكري قي يؤدي الى تدهور الوضع.
الى ذلك قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريان واتسون في بيان، انّ «هذا الهجوم نفّذه حزب الله اللبناني. إنّه صاروخ تابع لهم انطلق من منطقة يسيطرون عليها». وأضافت، أنّ «البيت الأبيض يجري محادثات مستمرة مع المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين منذ وقوع الهجوم». وتابع البيان، «تعمل الولايات المتحدة أيضاً على إيجاد حل ديبلوماسي على امتداد الخط الأزرق من شأنه أن ينهي كل الهجمات نهائياً ويسمح للمواطنين على جانبي الحدود بالعودة في أمان إلى منازلهم».
واشارت وزارة الخارجية الأميركية الى انّها تحضّ الاميركيين على «مراقبة حالة رحلاتهم إلى لبنان، وأن يكونوا على علم بأنّ مساراتها قد تتغيّر».
فيما اشارت القناة 12 الإسرائيلية الى انّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تتحرّك من خلال اتصالات إسرائيلية ـ لبنانية لمنع التصعيد بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، والهدف هو عدم تحويل قصف إسرائيل المرتقب إلى حرب شاملة.
فيما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين عرب وأوروبيين قولهم: «مسؤولون أميركيون تبادلوا رسائل مع إيران لتهدئة التوتر في المنطقة». وأضافت، ان «الأطراف غير مهتمة بتوسيع النزاع لكن احتمالات حدوث خطأ مرتفعة».
ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول إسرائيلي، أنّ «كبير مستشاري بايدن نقل الى وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت قلق واشنطن من أنّ ضربة لبيروت قد تُخرج الوضع عن السيطرة».
كما نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول أميركي قوله: «انّ حزب الله أبلغ الأمم المتحدة أنّ حادث مجدل شمس سببه سقوط صاروخ اعتراضي إسرائيلي».
الموقف الايراني
وحذّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية ناصر كنعاني بشدة من «أي مغامرة جديدة للكيان الصهيوني تجاه لبنان بذريعة حادثة «مجدل شمس» في منطقة الجولان المحتل». وقال: «كيان الفصل العنصري الإسرائيلي بعد عشرة أشهر من الابادة الجماعية في قطاع غزة، على أطفال ونساء فلسطين، بسيناريو مزيف، يهدف إلى صرف انتباه الرأي العام والعالم عن جرائمهم الجسيمة في فلسطين».
وأكّد كنعاني: «أنّ الكيان الصهيوني لا يملك أدنى سلطة أخلاقية للتعليق والحكم على الحادثة التي وقعت في منطقة مجدل شمس، ولن يتمّ سماع ادعاءات هذا الكيان ضدّ الآخرين أيضاً». واعتبر «أنّ من مسؤولية المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن الدولي، دعم استقرار وأمن لبنان والمنطقة في مواجهة مغامرات الكيان الصهيوني المعتدي»، وشدّد على «انّ أي عمل جاهل من الكيان الصهيوني يمكن أن يؤدي إلى توسيع نطاق عدم الاستقرار وانعدام الأمن والحرب في المنطقة، وفي هذه الحالة سيكون الكيان المذكور هو المسؤول النهائي والرئيسي عن العواقب وردود الفعل غير المتوقعة لمثل هذا السلوك الغبي». وأوصى كنعاني الحكومة الأميركية انّه «بدلاً من تسليح الكيان الصهيوني بشكل مستمر بأسلحة الدمار الشامل وتكريم رئيس الوزراء المجرم لهذا الكيان بعد عشرة أشهر من الجرائم المتواصلة ضدّ الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة والضفة الغربية، عليها أن تتحمّل مسؤوليتها الدولية والأخلاقية، وأن تعمل من أجل السلام والأمن العالميين، وتمنع الكيان الصهيوني من إشعال نار جديدة سيمتد لهيبها إلى الصهاينة».
الصورة : (نقلا عن الجمهورية)