كتبت "الجمهورية" التالي : تتسارع التطورات على ساحة المنطقة، والعدوانية الإسرائيلية المتمادية قتلاً وتدميراً، تدفع بها إلى هاوية جهنمية، ويعكس حجم التهويلات والتهديدات والاستعدادات الحربيّة الاسرائيليّة الذي يرافقها، إرادة شيطانية لقطع المسارات الديبلوماسية الرامية الى وقف لإطلاق النار، ومدّ نارها إلى كلّ الأرجاء.
ضمن هذه الصورة يقع لبنان في قلب هذا الجحيم، ساحة تستبيحها إسرائيل بمجازر يوميّة وإجرام غير مسبوق ضدّ المدنيين، وتدمير همجي ممنهج للبنى المدنية والسكنية والمؤسسات في الجنوب والبقاع والشمال وصولاً الى الضاحية الجنوبية.
قتلى إسرائيليون
في الميدان، وبعد فترة هدوء لأربعة أيام عاودت إسرائيل بالأمس، استهداف الضاحية الجنوبية بغارات جوية استهدفت عدداً من الأبنية السكنية في حارة حريك، فيما كانت الجبهة البرية تشهد تصعيداً كبيراً جداً، في ظل محاولات متتالية للجيش الإسرائيلي للتوغّل من محاور عدة على الخط الحدودي، تُقابل بمواجهة عنيفة من قبل «حزب الله»، مترافقة مع رشقات صاروخية مكثفة في اتجاه القواعد والمواقع العسكرية والمستوطنات والمدن الاسرائيلية.
وافادت وسائل إعلام إسرائيلية ليل امس عما سمته حدثا صعبا جدا في الشمال، واشارت الى سقوط ما يزيد عن عشرة قتلى من الجنود الإسرائيليين من لواء غولاني، وإصابة ١٥ آخرين بجروح، فيما تحدثت منصات إعلامية إسرائيلية اخرى عن اصابة ما يزيد عن الأربعين بجروح. وذلك جراء كمين نصبه حزب الله لهذه القوة الإسرائيلية خلال محاولة توغلها في الأراضي اللبنانية قرب الحدود.
ولوحظ أمس، انّ الجيش الاسرائيلي رفع وتيرة غاراته الجوية بشكل عنيف جداً، في وقت لم تسلم بلدة في تلك المنطقة من الغارات والقصف المدفعي الاسرائيلي، وبعض القرى سوّيت بالارض، حيث ارتكب جيش الاحتلال مجازر جديدة في قانا وجويا ومدينة النبطية التي استهدف فيها مبنى البلدية واتحاد بلدياتها، ومراكز لقوى الامن الداخلي وعدداً من المؤسسات الرسمية، ما ادّى الى سقوط 16 شهيداً بينهم رئيس بلدية النبطية الدكتور أحمد كحيل وعدد من اعضاء المجلس البلدي وإصابة ما يزيد عن 56 شخصاً بجروح.
القمة الروحية
وفيما قدّم لبنان شكوى ضدّ إسرائيل إلى مجلس الامن الدولي، انعقدت في الصرح البطريركي في بكركي أمس، قمة روحية لرؤساء الطوائف المسيحية والاسلامية بدعوة من البطريرك الماروني مار بشارة الراعي، وخلصت الى بيان دعت فيه مجلس الأمن الدولي الى الانعقاد فورًا، ودون تلكؤ، لاتخاذ القرار الحاسم لوقف اطلاق النار، ولإيقاف هذه المجزرة الإنسانية التي تُرتكب بحق لبنان».
وحثّت اللبنانيين «على القيام بواجباتهم تُجاه وطنهم، واولها إعادة تكوين المؤسسات الدستورية، ولاسيما قيام مجلس النواب، وفوراً، بالشروع في انتخاب رئيس للجمهوريـة، يحظى بثقة جميع اللبنانيين وذلك تقيّداً بأحكام الدستور، وبأكبر قدر ممكن من التفاهم والتوافق، بإرادة لبنانية جامعة وعملًا بروح الميثاق الوطني وتغليبًا للمصلحة الوطنية وتجاوزًا للمصالح الخارجية». واكّدت على وحدة اللبنانيين، وعودتهم إلى ما تقتضيه مصلحتهم الواحدة ومصلحة لبنان، وذلك بشروط الدولة اللبنانية وتحت رعايتها، وهذا يعني أن تمسك الدولة بالقرار الوطني، وتُدافع عن سيادتها الوطنية وعن كرامة شعبها، وأن تكون صاحبة السلطة الوحيدة على كامل التراب اللبناني.
تأكيد على الـ1701
على الخط السياسي الداخلي، لفت ما أبلغه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى وكالة «فرانس برس»، بأنّ هناك جهوداً دولية جدّية تجري للتوصل الى وقف لاطلاق النار. والمسعى القائم حالياً يتمحور حول إصدار قرار بوقف النار وتنفيذ القرار 1701»، متعهداً بأنّ الحكومة مستعدة لتعزيز عديد الجيش في الجنوب فور التوصل الى وقف لاطلاق النار، وانّ الدولة مستعدة لفرض سيادتها على كامل أراضيها».
وضمن هذا التوجّه، اندرجت زيارة الرئيس الاسبق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي شّدد على انّ الاولوية هي لوقف اطلاق النار. وقال: «نقبل بالحوار لوقف اطلاق النار على قاعدة القرار 1701 وانتشار الجيش في الجنوب». لافتاً الى انّه لا توجد منطقة آمنة من العدوان الاسرائيلي.
وقال رداً على سؤال: «بعد وقف اطلاق النار بمساعدة الدول الكبرى يمكن البدء في الحوار لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان».
ديبلوماسية بلا فعالية
على أنّ نتائج حركة الاتصالات الدولية السياسية والديبلوماسية تؤكّد أنّها لم تدخل بعد نطاق الفعالية التي يمكن ان يُبنى عليها. ويبرز في هذا السياق ما أبلغه مسؤول رفيع الى «الجمهورية» رداً على سؤال عمّا اذا كانت ثمة إمكانيّة للتوصّل إلى وقف لإطلاق النّار على جبهة لبنان في المدى المنظور: «تتفق القراءات والمقاربات للميدان العسكري على أنّ من المبكر الحديث عن هذا الامر، طالما أنّ ما يُحكى عن حركة اتصالات ديبلوماسية تسابقه، لا تتسمّ حتى الآن بالحدّ الأدنى من الجدّية والفعالية والصدقية، لإنضاج فكرة وقف إطلاق النار. يُضاف إلى ذلك أنّ ميدان المواجهات والعمليّات المحتدمة لم يقل كلمته الاخيرة بعد». واستدرك قائلاً: «بعض التقديرات تذهب بعيداً في تفاؤلها إلى حدّ الجزم بأنّ وقف إطلاق النّار سيحصل فجأة ضمن فترة زمنية منظورة، ومردّ ذلك إلى استحالة تحقيق الاهداف الكبرى»
مراوحة
إلى ذلك، كشف مصدر ديبلوماسي لـ«الجمهورية»، انّ فرنسا وقطر تتحركان بزخم في هذا المجال، وتبذلان جهوداً كبرى لحشد الدعم للبنان ووقف العدوان الاسرائيلي عليه. لافتاً الى انّ إنضاج هذه الجهود وجعلها مثمرة، لا يكتمل من دون الشراكة المباشرة والفاعلة للولايات المتحدة الاميركية في هذه الجهود».
وفي اعتقاد المصدر الديبلوماسي عينه، فإنّ «حركة الاتصالات في الوقت الراهن ستراوح لبعض الوقت في دائرتها الحالية، ومردّ ذلك الى دخول الدول في مرحلة ترقّب وجهة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الاميركية في الخامس من تشرين الثاني المقبل. التي تصبح بعدها وجهة الامور اكثر وضوحاً مع الادارة الاميركية الجديدة سواء فاز دونالد ترامب او نائبة الرئيس الاميركي كامالا هاريس، وفي ضوء ذلك يتحدّد مسار الاتصالات التي وكما هو معلوم، للولايات المتحدة الكلمة الأساس في صياغة الحل الديبلوماسي لمنطقة الحدود الجنوبية».
فترة شديدة الخطورة
واللافت في هذا السياق، تأكيدات غربية لفرضية الترقب لما بعد الانتخابات الاميركية، دون تبني أيّ مقاربة ايجابية لمسار الاتصالات التي ستنطلق بزخم كبير بعد الانتخابات.
وأبلغ ديبلوماسي غربي رفيع إلى «الجمهورية» قوله: «لا توجد ايّ مؤشرات او تأكيدات لإمكان قبول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف اطلاق النار في هذه الفترة. الفرنسيون سعوا الى ذلك لكنهم فشلوا، وهو امر متوقع، حيث انّ نتنياهو لا يمكن ان يقدّم شيئاً قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة».
وإذ اكّد الديبلوماسي انّ «مرحلة ما قبل الانتخابات شديدة الغموض»، عبّر عن مخاوف كبيرة لديه، وقال: «الوضع اكثر من معقّد، وهو ما نلمسه بشكل اكيد في محادثاتنا المباشرة مع المسؤولين الاسرائيليين الذين يلتقون جميعهم على هدف الاستمرار في الحرب ضدّ «حزب الله» وإبعاده لكيلومترات عن خط الحدود. وفي الوقت نفسه نرى أنّ «حزب الله» برغم ما تعرّض له من خسائر، لا يستجيب لدعوات التهدئة ويستمر في اطلاق الصواريخ على المدن الاسرائيلية، وهو امر من شأنه أن يزيد الامور تأزماً وتعقيداً».
ولكن في الوقت ذاته، يضيف الديبلوماسي الغربي، «فإنّ نتنياهو يريد أن يحقق السقف الاعلى من الاهداف التي اعلنها في المناورة البرية التي بدأها الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان. وما يبعث على القلق هو أنّ الأيام الفاصلة عن موعد الانتخابات (اقل من عشرين يوماً)، خطيرة جدّاً، ومن غير المستبعد ان يعمد خلالها نتنياهو الى رفع وتيرة الهجوم على لبنان».
ولفت إلى أنّ نتنياهو ارتكب حماقة كبيرة باستهداف الجيش الإسرائيلي لقوّات «اليونيفيل»، وضعته في موقع الادانة الدولية لهذا العمل».
الاستهداف جريمة
ويبرز في هذا السياق، موقف سلبي جداً من باريس تجاه اسرائيل، تجلّى في منع الحكومة الفرنسية اسرائيل من المشاركة في معرض «يورونافال» التجاري العسكري البحري في العاصمة الفرنسية. وهو ما أغضب اسرائيل، حيث وصف وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت هذا المنع بـ«العار».
وفيما بدا انّ باريس جرّدت حملة دولية ضدّ استهداف «اليونيفيل»، اعلنت وزارة الخارجية الفرنسية رفض الدول المشاركة في قوات «اليونيفيل» سحبها من مواقعها، اكّدت وزارة الدفاع الفرنسية «انّ وزراء الدفاع الاوروبيين أدانوا اعمال الترهيب والتهديد والهجمات على جنود اليونيفيل». وفي السياق قال رئيس الوزراء الايرلندي، انّ حماية «اليونيفيل» مكفول بالقانون الدولي، ويجب وقوف اوروبا ودول الخليج معاً بشأن ذلك». واعلن وزير الخارجية النمساوي، انّ «دول الاتحاد الاوروبي ليست لديها النية بسحب جنودها من جنوب لبنان».
وأبلغ مصدر ديبلوماسي من العاصمة الفرنسية الى «الجمهورية» قوله: «انّ دوائر القرار الفرنسي ضاقت ذرعاً بنتنياهو، ويمكن القول في هذه المرحلة انّ العلاقة الفرنسية مع اسرائيل في الحدّ الاعلى من النفور والسلبية». وقالت: «انّ الرئيس ايمانويل ماكرون يقود جهداً حثيثاً لوقف اطلاق النار في لبنان، ووقف استهداف المدنيين، ويعتبر استهداف قوات «اليونيفيل» في الجنوب اللبناني جريمة».
الصورة : للقصف الذي استهدف النبطية امس (نقلا عن الجمهورية)