كتبت صحيفة "الجمهورية" التالي : مع استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، وفيما يُتوقع أن يتصاعد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية في 5 تشرين الثاني المقبل، يزور لبنان اليوم الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين، في زيارة اعتبرها رئيس مجلس النواب نبيه بري «فرصة أخيرة» للجانب الأميركي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار قبل تلك الانتخابات. كاشفاً انّ وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن الذي سيبدأ جولة في المنطقة غدًا، اكّد له انّ واشنطن راغبة في هذا الامر قبل موعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي الأميركي. في وقت كشف مصدر ديبلوماسي رفيع لـ»الجمهورية»، عن اقتراح مصري بزيارة وزراء خارجية مصر والمملكة العربية السعودية وقطر لبيروت في الثالث من الشهر المقبل، لتأكيد الدعم العربي للبنان، والمساعدة في تحقيق وقف لإطلاق النار وإيجاد حل يوقف العدوان الاسرائيلي عليه.
فيما أُنجزت التحضيرات اللازمة في عين التينة والسرايا الحكومي للمحادثات مع هوكشتاين الذي ستكون زيارته عاجلة لبنان، وذلك بعد ساعات على وصول الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الذي يزور لبنان لتأكيد التضامن معه في مواجهة العدوان، حسب بيان استثنائي أصدره قبيل زيارته، دان فيه ما يتعرّض له لبنان وشعبه من عدوان، مشدّداً على «أهمية أن يقف الجميع إلى جانب لبنان».
وقد استبقت إسرائيل وصول هوكشتاين بتصعيد قصفها الجوي التدميري ليل امس، من الجنوب الى الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، مستهدفة ضمن هذا القصف مراكز مؤسسة «القرض الحسن» التابعة لـ»حزب الله» ومقرّ تلفزيون «المنار»، ومطلقة مزيداً من إنذارات الإخلاء للسكان في كل هذه المناطق.
وفيما أكّد الرئيس نبيه بري انّ زيارة هوكشتاين اليوم لبيروت هي الفرصة الأخيرة أمام أميركا للوصول إلى حل، اوضحت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية»، انّ المقصود هو انّ زيارة هوكشتاين ستكون الفرصة الأخيرة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن في 5 تشرين الثاني المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
واستبعدت المصادر ان يكون نتنياهو مستعداً لإنهاء عدوانه خلال الفترة القصيرة الفاصلة عن موعد الانتخابات الاميركية، معتبرةً انّه لن يمنح اي إنجاز لإدارة راحلة بعد أيام. ولفتت المصادر إلى أنّ الأرجح هو انّ هوكشتاين سيسعى الى أن يأخذ لا أن يعطي خلال لقاءاته في بيروت، مشيرة الى انّ ليس لدى الموفد الأميركي ما يعطيه قبل نحو اسبوعين فقط من انتهاء ولاية إدارة بايدن.
ورجحت المصادر أن يحاول هوكشتاين أن يأخذ شيئاً على شكل تنازلات من المسؤولين اللبنانيين، بحجة انّ ذلك يمكن أن يساعد في لجم نتنياهو، وانّه يجب أن يكون بحوزة وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن ما يفاوض عليه خلال وجوده في تل أبيب.
الفرصة الاخيرة
وعشية وصول هوكشتاين قال بري لقناة «العربية» «انّ زيارة هوكشتاين غداً (اليوم) هي الفرصة الأخيرة للأميركي للوصول إلى حلّ قبل الانتخابات الاميركية. ولفت إلى انّه «جرى اتصال بيني وبين وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن قبل أسبوعين. وهناك رغبة أميركية في وقف إطلاق النار قبل موعد الانتخابات الأميركية في 5 تشرين الثاني المقبل. ونأمل أن يتمّ ذلك ويعملوا على تحقيقه، في وقت يستمر نتنياهو في مسلسل عدوانه في غزة و لبنان». مشيراً الى «انّ إسرائيل تدمّر كل شيء في لبنان كما فعلت في غزة».
وقال بري: «أنا مفوض من «حزب الله» منذ العام 2006، وهو موافق على تنفيذ القرار 1701». واعتير انّ «من يتحدثون على الـ 1701 بطريقة مخالفة هم لم يقرأوه»، وقال: «القرار 1701 يلخص كل القرارات السابقة بما فيها 1559 و 1680 واتفاق الطائف. هذا القرار الأممي هو محل إجماع عند جميع اللبنانين بدءاً من القمة الروحية مروراً بمجلس النواب والحكومة و «القوات اللبنانية» وصولاً إلى كل الكتل اللبنانية والقوى السياسية في لبنان، وإجماع اللبنانيين علي القرار 1701 هو إجماع نادر ونحن نتمسك به». واضاف: «نرفض إجراء اي تعديلات على القرار 1701 بالزائد أو بالناقص». ولاحظ انّ «إسرائيل تحاول التوغل في الجنوب وتدمّر الحجر والبشر ولا رادع لها وتستمر في عدوانها ضدّ كل لبنان. واستهدفت قوات «اليونيفيل»، واليوم (أمس) استهدفت الجيش اللبناني وسقط 3 شهداء، وهي تريد تدمير كل لبنان، ولكن إرادة اللبنانيين ووحدتهم أقوى من كل ذلك».
واضاف: «لم اتحدث يوماً عن انتخاب رئيس قبل وقف إطلاق النار. واختيار الرئيس يحتاج الى توافق قريب إن شاء الله. وركّزت أنا والرئيس نجيب ميقاتي والنائب السابق وليد جنبلاط على أهمية انتخاب الرئيس وضرورة تضامن جميع اللبنانيين في مواجهة التحدّيات الاسرائيلية. نريد جلسة لانتخاب رئيس يعبّر عن توافق حقيقي بموافقة 86 نائباً على الاقل، وانّ ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون يحتاج الى تعديل دستوري وتوافق اكثر من 86 نائباً، وهو أمر صعب».
وقال بري: «لديّ خطة لإنقاذ لبنان اعمل عليها وليس صحيحاً، أنّ إيران تعوق هذا المسار». واشار الى انّ «حكومة ميقاتي تواجه تحدّيات غير مسبوقة وتقوم بواجباتها قدر الإمكان في إيواء اكثر من مليون نازح، وهي لم تكن حاضرة ومستعدة لذلك، ومن الصعب حصر أعداد جميع النازحين الآن».
وتلقّى بري أمس اتصالاً من وزير الخارجية المصرية بدرعبد العاطي الذي نقل «تضامن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والشعب المصري مع لبنان»، مشدّداً على «المساعي المصرية وجهودها في سبيل التوصل لوقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701»، مؤيّداً الموقف اللبناني الداعي لانتخاب رئيس توافقي لرئاسة الجمهورية.
ووضع بري عبد العاطي في أجواء إمعان إسرائيل عن سبق إصرار وترصد استهدافها جنود «اليونيفيل» والجيش اللبناني، معتبراً إياها إعتداء على الشرعية الدولية وقراراتها وفي مقدمها الـ 1701.
ومن جهته، أكّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «أنّ اتفاق الطائف ينص على بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية». وقال في حديث متلفز: «لا بدّ من إدخال الجيش اللبناني إلى جنوب الليطاني، وعلينا أن نوفر الدماء والدمار وننفّذ القرار 1701 في لبنان». وأضاف: «حزب الله وافق على القرار 1701، ولا توجد اتصالات معه منذ منتصف الشهر الماضي». وشدّد على «أنّ الحل الديبلوماسي لا يزال على الطاولة».
مؤشرات خطيرة
وفي سياق متصل، أوضحت مصادر مواكبة لـ»الجمهورية»، أنّ الانتقاد النادر الذي وجّهه الرئيس نجيب ميقاتي إلى إيران لم يكن الهدف منه خلق أزمة إضافية في علاقات لبنان الرسمي، وإنما على العكس، تجنّب مأزق دولي خطر سيتعرّض له لبنان إذا التزم الصمت إزاء التدخّل الإيراني أو أظهر موافقته الضمنية عليه، خصوصاً من جانب الولايات المتحدة والغربيين. كما أنّ إسرائيل ستتذرّع بهذا الموقف الايراني لتزيد من شراسة حربها على لبنان، وتجعله جزءاً من الضربة الكبرى التي تستعد لتسديدها إلى إيران، والتي لوحت بأنّها ستكون «قاتلة».
وفي هذا السياق، أبدت المصادر قلقها الشديد من بعض المؤشرات الخطرة التي شهدتها الأيام الأخيرة، ولاسيما الضربة الصاروخية التي أعلن الإسرائيليون أنّها استهدفت منزل بنيامين نتنياهو، في محاولة لاغتياله، واتهموا إيران بالوقوف وراءها. فالمثير للقلق هو أنّ البعثة الإيرانية إلى الأمم المتحدة أنكرت دور طهران في هذا الحادث، وأعلنت أنّ «حزب الله» هو الذي أطلق الصواريخ. وهذا الأمر يشكّل خطراً على لبنان لسببين: الأول هو تحميل لبنان مسؤولية محاولة اغتيال لا يستطيع تحمّل تداعياتها، والثاني هو اقتناع إسرائيل بأنّ إيران نفسها هي التي تقود «الحزب» مباشرة في هذه المرحلة، بعد خسارته هيكليته القيادية وفقدانه جزءاً من الترابط بين كوادره وأجهزته. وهذا يعني أنّ إيران تتحمّل المسؤولية عن محاولة الاغتيال، ولو أنّ «الحزب» قام بتنفيذها.
ولذلك، وفي أي حال، تخشى المصادر أن يدفع لبنان ثمناً غالياً نتيجة الضربة التي تخطط إسرائيل لتنفيذها ضدّ ايران.
اميركا وإسرائيل
وفي غضون ذلك، اعلن رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، عن «جلسة سرّية للمجلس حول تسريب معلومات استخبارية بشأن إسرائيل وإيران»، مشيراً الى أنّ «تحقيقاً يجري حول تسريب وثائق مخابرات أميركية سرّية تتعلق باستعدادات إسرائيل لضرب إيران».
وفي هذه الاثناء، اشار مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان، الى أنّه تحدث مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. و»كرّر ما قاله علناً أيضاً. تأخذ إسرائيل في الاعتبار المسائل التي تثيرها الإدارة الأميركية، لكنها ستتخذ قراراتها في نهاية المطاف بناءً على مصالحها الوطنية».
وصرّح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، خلال زيارة للحدود الشمالية، «تعهدنا بإعادة سكان الشمال إلى منازلهم آمنين وهذا ما نفعله». وقال إنّ «لدينا أسرى من «حزب الله»، وهم يخبروننا بما يحدث وهم في حالة خوف شديد». وأضاف: «ننتقل الآن من مرحلة هزيمة «حزب الله» إلى تدميره». وأشار إلى أنّ «حزب الله يتهاوى سواء على خطوط التماس أو بالضربات المتتالية التي نوجّهها له في بيروت وبعلبك والنبطية وصور وصيدا».
تحذير فرنسي
في غضون ذلك، برزت ملاح أزمة بين فرنسا واسرائيل، حيث كرّر وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو، امس دعوة بلاده لوقف إطلاق النار في لبنان وقطاع غزة، محّذرًا من «مخاطر اندلاع نزاع مباشر بين إيران وإسرائيل». وأوضح لإذاعة «آر تي إل» الفرنسية، أنّ «الوقت ينفد، وهناك خطر أكبر قد يظهر في الأسابيع والأيام المقبلة». وأكّد أنّ «الوضع يشير إلى إمكانية حدوث حرب إقليمية مباشرة أكبر بين إيران وإسرائيل، خصوصاً بعد تهديد إسرائيل بالردّ على الهجوم الصاروخي الذي شنّته إيران على أراضيها في الأول من تشرين الأول». وأشار لوكورنو إلى «وجود خلافات سياسية ودبلوماسية حول طريقة إدارة إسرائيل لحروبها»، لكنه أكّد في الوقت نفسه أنّ «إسرائيل حليفتنا». وشدّد على «ضرورة وقف التصعيد لوضع حدّ للنزاعات التي تؤدي إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين، وعلى أهمية احتواء التصعيد في الشرق الأوسط». ولفت إلى أنّ «أمن دولة إسرائيل غير قابل للتفاوض»، كما تحدث عن «مسألة الإرهاب التي تواجهها إسرائيل وتواجهها فرنسا أيضًا»، مشيرًا إلى أنّ «فرنسا واحدة من القوى الأوروبية التي تعرّضت لعدد كبير من الضحايا جراء الإرهاب».
وجاء هذا الموقف الفرنسي في وقت اتخذت إسرائيل امس إجراءات عقابية ضدّ فرنسا بسبب موقفها من العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، وتشمل التحرك القانوني ضدّ الرئيس إيمانويل ماكرون.
وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس عبر منصة «إكس»: «لقد أمرت موظفي وزارة الخارجية بالمساعدة في اتخاذ الإجراءات القانونية والنشاط السياسي ضدّ قرار الرئيس الفرنسي ماكرون». وقال «إنّ إسرائيل لن تسمح للشركات التابعة لها بعرض منتجاتها في معرض الأسلحة البحرية الذي سيُفتتح في باريس الشهر المقبل». واعتبر أنّ «مقاطعة الشركات الإسرائيلية للمرّة الثانية، أو فرض شروط عتبة غير مقبولة، هي خطوات غير ديموقراطية وغير مقبولة بين الدول الصديقة، وأدعو الرئيس الفرنسي ماكرون إلى إلغائها تماماً». واعتبر أنّ «إسرائيل تقف وحدها في طليعة النضال ضدّ محور الشرّ الإيراني والإسلام المتطرف، ويجب على فرنسا والعالم الحرّ بكامله أن يقفوا إلى جانبها وليس أن يتحرّكوا ضدّها».
مجموعة السبع»
وفي هذه الاجواء، بدأ وزير الخارجية والمغترين عبدالله بوحبيب صباح امس جولة اوروبية تستمر لعدة أيام، بحيث سيحلّ في بدايتها ضيفاً على اجتماع وزراء «مجموعة الدول الصناعية السبع» الذي سيُعقد اليوم في مدينة بيسكارا الايطالية.
وقالت مصادر ديبلوماسية لبنانية لـ «الجمهورية»، انّ الدعوة الرسمية التي وجّهها اليه نظيره الايطالي أنطونيو تياني ستسمح له بالمشاركة في جلسات المناقشة كـ «ضيف مسموع» والتي ستخصص للوضع في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما الوضع في لبنان تحت عنوان «المخاطر التي تواجهها قوات «اليونيفيل» نتيجة العدوان الاسرائيلي على منشآتها ومواقعها العسكرية ومقرها العام، عدا عن تلك التي تستهدف الجيش اللبناني الذي ينتشر في المنطقة ويتعاون معها في تنفيذ سلسلة التدابير الامنية وفق قواعد الاشتباك التي حدّدتها الامم المتحدة بموجب القرار 1701 وملحقاته والقرارات ذات الصلة على طول الخط الأزرق وفي عمق يمتد الى مجرى نهر الليطاني.