كتب صهيب جوهر في "موقع 180 بوست" التالي : منذ بداية حرب "طوفان الأقصى"، كان الاعتقاد السائد، أن أي تفاهم لوقف الحرب في غزة يقتضي تحييد الرأس المدبر للعملية، أي القائد الشهيد يحيى السنوار، إما عبر اغتياله أو ابرام صفقة تخرجه من غزة.
غداة استشهاد، يحيى السنوار، حامل أسرار حقبة مهمة من حقبات الصراع العربي – الإسرائيلي، يُطرح السؤال: هل يقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند هذا الحد من الاجرام والقتل، ليعلن “انتصاره” من خلال الذهاب إلى صفقة تنهي الحرب في غزة ولبنان وتفرج عن الأسرى، أم أنه يريد انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية ليبني على الشيء مقتضاه، وبخاصة أن مشروع ضرب إيران صار حجر زاوية في سياسة اليمين الصهيوني، فضلاً عن الرهان على مشروع التهجير من غزة والضفة صوب مصر والأردن؟
عملياً نحن في قلب نفق مظلم لا أفق حقيقياً للخروج منه في المدى المنظور، في ظل إصرار نتنياهو على استكمال السياسات التدميرية بعنوان “الحرب الوجودية”، غير آبه بأي عوامل إلا ما يُمكن أن يساعده على الاستمرار في السلطة وأن يكون بن غوريون الجديد. لكن هذا الواقع لا يمنع من رصد إشارات دولية وإقليمية تتقاطع عند الحرص على منع انفجار الوضع في لبنان وتحول الحرب على أرض غزة والجنوب اللبناني إلى أزمة إقليمية ودولية.
لذا فإن زيارة المبعوث الأميركي والمسؤول عن ملف “الصراع اللبناني الإسرائيلي” في الإدارة الأميركية آموس هوكشتاين إلى بيروت اليوم (الإثنين) هي زيارة مهمة لتبيان طبيعة المرحلة المقبلة، بدليل التصريحات التي أدلى بها رئيس مجلس النواب نبيه بري لقناة “العربية”، ولا سيما لجهة قوله إن زيارة هوكشتاين هي زيارة الفرصة الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ذلك أن الإدارة الأميركية باتت منهمكة في هذه الأيام بالإنتخابات لا بأي أمر آخر.. زدْ على ذلك أن هوكشتاين نفسه قرّر تقديم استقالته على أن يُدشّن في مطلع الشهر المقبل وظيفته الجديدة في شركة “ادنوك” الخليجية.
ويمكن قراءة بعض المؤشرات الداخلية والخارجية الآتية:
أولاً: لطالما ردّد هوكشتاين أنه لن يزور لبنان إلا وبيده شيئاً ملموساً، ما يعني أنه يحمل إما طرحاً جديداً كلياً أو أنه يحمل الطرح السابق الذي كان قد تفاهم على معظم عناوينه مع رئيس مجلس النواب أو أنه لا يحمل شيئاً بل زيارة مجاملة قبل انتهاء مهمته اللبنانية. الانطباع السائد دبلوماسياً أنه يحمل طرحاً يتراوح يتمحور حول آليات تطبيق القرار 1701، ذلك أن أي طرح يتعلق بتعديل وتطوير القرار يقتضي الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار دولي جديد، وهو أمر دونه محاذير الفيتو الروسي أو الصيني.. هذا يعني أن هوكشتاين يود استكشاف مدى تأثر موقف لبنان الرسمي بواقع الضربات التي وجهت إلى حزب الله تمهيداً لفرض واقع إقليمي جديد، عبر تكريس انتصار سياسي لرؤية نتنياهو، تحت عنوان “تغيير الشرق الأوسط”.
ثانياً: منذ اللحظة الأولى للعدوان المفتوح، أي منذ لحظة تفجير أجهزة “البيجرز” (17 أيلول/سبتمبر) وما تلاها من اغتيالات وتهجير واغتيال السيد حسن نصرالله وإعلان الحرب على العاصمة، انخرطت الدول العربية وتحديداً الامارات وقطر ولحقت بهما السعودية، بالإعلان عن مساعدات بملايين الدولارات في الإطارات الاغاثية والطبية، وهذا الاندفاع استكمل بحملات شعبية وجسور جوية وزيارات متتالية توجت اليوم بزيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
ثالثاً: كان لافتاً للانتباه الموقف الفرنسي المتشدد تجاه إسرائيل على عكس موقف باريس من أحداث غزة، ووصل الأمر لاستغلال نتنياهو انشغال الولايات المتحدة الأميركية بالانتخابات الرئاسية، لمواصلة الحرب وتوسيعها. من هنا أتت فكرة المؤتمر الداعم للبنان منتصف هذا الأسبوع في باريس، والذي سيحضره ممثلو الدول المانحة، على الرغم من الغياب النافر لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. ومن المقرر أن يتمثل لبنان برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب ورئيس لجنة الطوارئ الحكومية ناصر ياسين والوزيرين عباس الحاج حسن وعباس الحلبي، فضلا عن ممثلين للمؤسسات العسكرية والأمنية ومؤسسات حكومية. وتريد الحكومة اللبنانية تأمين ما يزيد عن مليار دولار لرفد لبنان وعدم السماح بسقوطه إنسانياً وخدماتياً، في ظل احتمالات الحرب الطويلة، بالإضافة إلى حشد الدعم الكامل للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، في محاولة لخلق تصور واضح لدور الجيش بعد وقف النار. وكان لافتاً للانتباه حرص الفرنسيين على توجيه دعوة إلى رئيس مجلس النواب للمشاركة في المؤتمر، إلا أن بري كان حاسماً بالقول إنه لا يستطيع ترك لبنان في هذه المرحلة ولو لدقيقة واحدة وأن نجيب ميقاتي يمثله ويمثل كل اللبنانيين.
رابعاً: تنشط بالمقابل حركة اتصالات إقليمية ودولية، لعل أهمها ما بدأ مع بداية الحرب، من اجتماعات متكررة بين القطريين والأتراك والمصريين، والذي تحول إجتماع شبه اسبوعي منذ 17 أيلول/سبتمبر الماضي، وهدفه مناقشة التحديات والانعكاسات المباشرة للعدوان الإسرائيلي على لبنان وتأثيراته على الأمن الإقليمي.
خامساً: أتت زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للأردن على عجالة، وهذه الزيارة قيل عنها الكثير، لكنها بالمقابل أتت عقب اجتماعات للجنة أمنية – دبلوماسية عربية، حضرتها السعودية وقطر والامارات ومصر والأردن، على أن تستكمل اجتماعاتها على صعيد وزراء الخارجية ورؤساء أجهزة الاستخبارات في المنطقة خلال أيام عدة بهدف واضح: وضع خارطة طريق تواكب أي وقف للحرب، إضافة لمواكبة الاستحقاقات الداخلية في لبنان، من الرئاسة إلى باقي الملفات الحساسة الأخرى (رئاسة الحكومة وبرنامج الحكومة ودعم المؤسسات العسكرية والأمنية ومشروع اعادة الاعمار)، وبات من المؤكد أن هذه اللقاءات يُظلّلها الغطاء الأميركي.
سادساً: أعادت الأطراف الإقليمية والعاملة ضمن اللجنة الخماسية طرح ملف الرئاسة كمدخل رئيسي للحل السياسي ووقف الحرب، من هنا أتت زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى الدوحة، وباسيل الذي سعى للتكتم على ما دار بينه وبين المسؤولين القطريين، رشح عنه ما يؤكد أن الأمور دخلت في إطار سياسي جديد، وأن الاستحقاق الرئاسي سيكون في سلم أولويات كل الأطراف الخماسية قبل أي ملف آخر، ليرد باسيل متلازمة أن “الثنائي الشيعي” لن يقبل بفرض أية وقائع سياسية عليه بالنار، وبالتالي تبقى الأولوية لوقف النار، وهو الأمر الذي أكد عليه الرئيس بري في مقابلته مع “العربية” أمس (الأحد) مؤكدا أن انتخاب قائد الجيش يحتاج إلى أكثرية الثلثين (86 نائباً على الأقل) “وهو أمر صعب جداً”، على حد تعبيره. أما القول بأن الأميركيين يمكن أن يضغطوا على بري بالعقوبات لأجل فرض جوزيف عون، فإنه قول ضعيف، ذلك أن الأميركيين يحتاجون في هذه المرحلة إلى بري أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي هو الذي يستطيع أن يضغط ويناور وليس العكس.
سابعاً: أتت زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني إلى بيروت، لتفقد أحوال البعثة الإيطاليّة في اليونيفيل بعد الاعتداءات الأخيرة عليها، حاملةً في جعبتها عدداً من القضايا لمناقشتها مع المسؤولين اللّبنانيين وأهمها التأكيد على المساعي الأوروبيّة لوقف إطلاق النار، لكن الملف الأبرز يكمن في الخوف الأوروبي من حركة هجرة مفتوحة عبر البحر للبنانيين والسوريين في ظل استكمال نتنياهو لسياسة تهجير واسعة من الجنوب وبيروت باتجاه مناطق متعددة، ما يدفع الدول الأوروبية على البحر المتوسط للإنخراط بأي حل محتمل لوقف الحرب.حتى أن ميلوني لم تتردد في القول أمام الرئيسين بري وميقاتي أن نتيناهو تضخم كثيراً في الآونة الأخيرة وبات يشكل خطراً على السلم العالمي، وهي بعبارتها هذه تستكمل ما كان رئيس فرنسا قد قاله للمسؤولين اللبنانيين بأن نتنياهو تجاوز كل الخطوط الحمر!
لكن يبقى السؤال الأبرز، ما هو موقف حزب الله؟
ثمة اعتقاد سائد لدى خصوم حزب الله المحليين والاقليميين، أنه وبعد اغتيال الأمين العام السيد حسن نصرالله، واغتيال العديد من القيادات الميدانية، وقرار التوغل الإسرائيلي البري، بات الحزب بحكم المهزوم استراتيجياً، لكن حقيقة الأمر تشي أن الحزب تلقى ضربات موجعة لكنه لم يمت ولم يهزم بل ثمة إعادة بث للروح داخله، وهو نجح في إعادة ترتيب أوراقه وأوضاعه وبنيته، وصولاً إلى التأكيد أنه ما يزال يمتلك قدرات عسكرية ويراهن على المعركة البرية، من دون اغفال أثر سلاحي المسيرات والصواريخ في الآونة الأخيرة.
وبرغم أن الحزب يمر بمرحلة هي الأصعب والأكثر إيلاماً منذ تأسيسه في العام 1982، إلا أن معرفته بالأرض في ظل أشرس معركة غير متكافئة يواجهها، إضافة إلى تبعات الأزمات المتلاحقة في سوريا والمنطقة، تجعله مُصراً على الاحتفاظ بموقعيته السياسية، وبالتالي تكريس المكتسبات التي دفع مقابلها تضحيات كبرى، لذا فإنه وفي ظل كل المحاولات الإقليمية من جهة، والإسرائيلية من جهة أخرى لإجباره على القبول بالواقع الجديد المرسوم له، ما يزال الحزب مصراً على المساحة التي أدارها على مدار السنوات التي أعقبت خروج سوريا من لبنان في العام 2005.
الصورة : (نقلا عن موقع 180 بوست)