كتبت صحيفة "الجمهورية" التالي : لبنان ينتظر ترجمة جدّية لما تبدو أنّها حراكات لوقف عدوان الدمار الشامل الذي تشنّه إسرائيل على بناه المدنية والسكنية، وعينه على مؤتمر دعم لبنان الذي سيُعقد في باريس اليوم، وما إذا كان سيشكّل عامل دفع إضافي لمساعي وقف اطلاق النار، في وقت تبدو فيه العلاقة في ذروة تأزّمها بين فرنسا وإسرائيل. وكذلك على الترجمة العملية للحراك الأميركي مع إعلان وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن بـ»اننا نعمل على التوصل إلى حل ديبلوماسي دائم لوقف إطلاق النار في لبنان»، رابطاً ذلك بأنّه «حان الوقت لأن تحوّل إسرائيل نجاحها العسكري إلى نجاح استراتيجي».
ميقاتي في الإيليزيه
وفي سياق متصل بمؤتمر باريس، إستقبل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في قصر الإيليزيه، وناقشا على مدى ساعة ونصف الساعة الوضع الراهن في لبنان والمساعي الفرنسية لوقف اطلاق النار اضافة الى التحضيرات للمؤتمر الذي دعا إليه الرئيس ماكرون اليوم.
وكان الرئيس ميقاتي وصل الى الإيليزيه قرابة الرابعة والربع واستقبله الرئيس ماكرون ثم تصافحا امام عدسات الاعلام عند مدخل الإيليزيه. بعد ذلك، عقد الرئيسان ماكرون وميقاتي اجتماعا في مكتب الرئيس الفرنسي، شارك في بدايته وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، ثم عقد الرئيسان خلوة مطوّلة. وفي خلال الاجتماع، أكد الرئيس ماكرون «استمرار جهوده ومساعيه بالتعاون مع الولايات المتحدة الاميركية لوقف اطلاق النار وبحث السبل الكفيلة للضغط على اسرائيل من أجل ذلك».
بدوره عبّر رئيس الحكومة عن شكره الكبير للرئيس ماكرون» على دعمه الدائم والمستمر للبنان»، كما شكره على «كل المساعي والجهود التي يبذلها في سبيل وقف اطلاق النار ووقف العدوان الاسرائيلي». واعتبر أن «مؤتمر دعم لبنان (اليوم) خير دليل على اهتمام فرنسا بلبنان والبقاء الى جانب اهله». وفي الختام، ودع الرئيس ماكرون الرئيس ميقاتي أمام قصر الإيليزيه.
قلق عارم
وفي موازاة هذا الانتظار، قلق عارم مما تبيته إسرائيل للبنان، حيث أنّها تعاند جهود وقف اطلاق النار، ولا ضوابط تحكمها، وتمنع تدميرها الممنهج لمدنه وبلداته في مختلف المناطق، خصوصاً تلك القريبة من خط الحدود، حيث سوّت قرى بأكملها بالأرض، بالتوازي مع محاولتها فرض واقع جديد في المنطقة الحدودية، تتسيّد فيه وتُخضع لبنان لشروط تمسّ سيادته وتهدّد أمنه واستقراره السياسي والمدني.
الامور ليست مقفلة
على الرغم من هذه الأجواء النارية، فإنّ سبل الحل الديبلوماسي غير مقفلة، وفق ما يؤكّد مرجع كبير لـ«الجمهورية»، مشيراً إلى انّ «الامور سترسو في نهاية المطاف الى اتفاق على حل سياسي على أساس القرار 1701».
وبحسب المرجع عينه، فإنّ «مهمّة هوكشتاين لم تصل إلى طريق مسدود، بل إنّها شكّلت فاتحة لبلوغ هذا الحل، ولها تتمة في وقت لاحق».
وكشفت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، أنّ هوكشتاين، وبعد مغادرته بيروت، عاد وأرسل ما يمكن اعتبارها إشارات مهمّة، في سياق مهمّته التي يتصدّى لها، تؤكّد أنّ الامور ليست مقفلة، وتصبّ في الهدف الذي قال هوكشتاين انّ بلاده تسعى اليه بوقف نهائي للنزاع، وجولة بلينكن في المنطقة تصبّ في هذا الاتجاه».
لا مسّ بالقرار 1701
الى ذلك، وفيما تعكس أجواء عين التينة صلابة الموقف اللبناني لناحية الوقف الفوري لإطلاق النار والتمسك الكلي بالقرار 1701 بكل مندرجاته، تردّدت معلومات عن بحث بين مستويات دولية حول إمكان نشر قوات متعددة الجنسيات جنوبي لبنان إلى جانب الجيش اللبناني، في حال تمّ التوصل لوقف اطلاق النار. فيما نفت مصادر سياسية مسؤولة علمها بهذا الأمر، وقالت لـ«الجمهورية» إنّ «اسرائيل تريد نسف هذا القرار، وتطويعه بما يخدم شروطها ومتطلباتها السياسية والأمنية، الّا انّ هذا الامر ليس ميسراً على الاطلاق، حتى ولو كان الاميركيون يدعمون تعديله وفق ما سبق لهوكشتاين أن اعلن قبل زيارته بيروت».
فتعديل القرار، تضيف المصادر، يوجب اولاً موافقة لبنان على ذلك، وموقف لبنان الرافض للمسّ بهذا القرار او لأي تعديل لمهام قوات «اليونيفيل»، يُضاف الى ذلك رفض ايّ حل يمنح اسرائيل حرّية المسّ بسيادة لبنان، جرى إبلاغه بوضوح إلى الوسيط الاميركي، كما انّه يوجب ثانياً قراراً من مجلس الامن الدولي. حيث لا يبدو انّ ثمة اجماعاً على تعديل هذا القرار. فروسيا والصين وفق ما تؤشر بعض المعطيات لا يبدو انّهما قد يماشيان الاميركيين وغيرهم في هذا المنحى التعديلي إن طرحوه، واما فرنسا فأكثر صرامة في اعتراضها، حيث اكّدت على لسان مندوبها الدائم في الامم المتحدة نيكولاس دي ريفيير، انّ القرار 1701 يظلّ الإطار، والمشكلة تكمن في تنفيذه، ولا احد يفكر بتغييره او التفاوض عليه. بل يجب التأكّد من تنفيذ جميع بنود القرار، بما فيها تأمين جنوب لبنان ونشر الجيش اللبناني».
لا تسوية قبل الضربة
الى ذلك، قال مصدر ديبلوماسي رفيع لـ«الجمهورية»: «إنّ مهمّة آموس هوكشتاين في بيروت برغم أهميتها وضرورتها، فإنّها لا تمتلك الرصيد المتين الذي يمكّنها من الخطو سريعاً نحو تحقيق أيّ اختراقات أقله في هذا التوقيت».
السبب بسيط، يقول المصدر عينه، «وهو أنّ أيّ بحث في حلول سواء بالنسبة الى صفقة تبادل على جبهة غزة أو بالنسبة الى حل ديبلوماسي ووقف لاطلاق النار على جبهة لبنان، لا مكان له على طاولة الجدّ قبيل جلاء الصورة بين اسرائيل وإيران. وبمعنى اكثر وضوحاً، يجزم المصدر عينه بأنّه لن تكون هناك تسوية في غزة او لبنان قبل الضربة الإسرائيلية لإيران وتبيان حجمها، حيث يؤكّد المستويان السياسي والعسكري في إسرائيل انّها حتمية، علماً انّ لا شيء مضموناً حتى الآن، حيث أنّه ليس معلوماً في أي اتجاه ستتّجه مسارات المنطقة بأسرها».
ولفت المصدر إلى أنّ المستويين العسكري والسياسي في إسرائيل يتحدثان عن جهوزية للضربة، ولم يبق سوى أن يصدر الأمر بكبس الزر، ويسوقان مسبقاً نتائج قاسية على الإيرانيين بحيث لن تكون لهم قيامة بعدها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا لو جاءت النتائج معاكسة؟ وماذا لو جاء الردّ الايراني بحجم الضربة الاسرائيلية، او ربما اكبر منها؟ نحن امام سيناريو مجهول واكثر خطورة مما نتخيّل».
دمار شامل
ميدانياً، عاصفة الدمار الاسرائيلي، تواصل ضربها لكلّ البلدات الجنوبيّة من دون استثناء؛ دمار هائل، ونسف كامل لكل مقومات الحياة، ومجازر رهيبة بحق المدنيين، وصولاً الى بيروت والضاحية الجنوبية التي تتعرض لمسلسل تدميري يومي ممنهج، وتركّزت في الساعات الأخيرة على مدينة صور، وفي موازاتها معارك ضارية على تخوم البلدات الحدودية بين الجيش الاسرائيلي و«حزب الله»، الذي لوحظ في الساعات الاخيرة أنّه كثف عملياته ورشقاته الصاروخية وتوجيه مسيّراته على تجمعات جيش الاحتلال وقواعده ومواقعه العسكرية وكافة مستوطنات الشمال وصولاً الى العمق الاسرائيلي في صفد وعكا، وحيفا وخليجها، وتل ابيب.
الميدان: مخاطر كبيرة
تؤشّر الوقائع الحربية المتسارعة، إلى أن لا مكان حالياً للمساعي السياسية والديبلوماسية، وتقديرات المحللين والخبراء العسكريين تركّز على رصد الميدان وتغلّب فرضية التصعيد، وخصوصاً في الفترة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الاميركية، التي تجمع تلك التقديرات على أنّها فترة حرجة تنطوي على مخاطر كبيرة جداً، ربطاً بالتهديدات المتتالية التي يتناوب عليها المستويان السياسي والعسكري في اسرائيل، في اتجاه تكثيف الضربات ضدّ «حزب الله» لإرغامه على الانكفاء الى شمال نهر الليطاني، وكذلك في اتجاه ايران والحديث عن أنّ الضربة الاسرائيلية رداً على الهجوم الصاروخي الإيراني.
على الجبهة الايرانية، لحظة الاشتعال واردة في اي لحظة، وخصوصاً انّ اسرائيل تشيع بأنّ الضربة على ايران باتت قاب قوسين او أدنى، لا بل هي واردة في أيّ لحظة. ووزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت كرّر الحديث عن ضربة قاسية ومؤلمة لإيران، وقال لأفراد القوات الجوية الاسرائيلية في قاعدة «هاتزيري» بالأمس: «بعدما نهاجم ايران سيفهم الجميع ما تدربتم عليه».
وامّا على جبهة لبنان، فليس خافياً انّ اسرائيل حققت بطيرانها الحربي تفوقاً تدميرياً هائلاً للقطاعات والبنى المدنية، وفي ارتكاب المجازر الفظيعة في مختلف المدن والقرى اللبنانية. إلّا أنّ تقديرات الخبراء العسكريين تؤكّد انّ كل ذلك لم يمنحها قدرة الحسم في الميدان، ومن هنا، وكما يقول مصدر أمني مسؤول لـ«الجمهورية»، «إسرائيل تواصل حربها سعياً لتحقيق إنجاز على الارض تستثمر عليه في مفاوضات الحل الديبلوماسي، فجيشها منتشر من الناقورة حتى مزارع شبعا و7 فرق مسخّرة لعملية برية منذ ما يزيد على الأسبوعين، من دون ان تحقق حتى الآن خرقاً نوعيّاً يمنع «حزب الله» من إطلاق صواريخه على المدن والمستوطنات الاسرائيلية، بل بالعكس يتكبّد خسائر كبيرة بمعدّل 20 اصابة يومياً في صفوفه باعتراف الجيش الاسرائيلي، الذي يغطي ذلك بتكثيف الغارات على البنى المدنية».
قلق من الحزب
إلى ذلك، نقلت صحيفة «هآرتس» العبرية عن ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي «اننا نستعد لأسابيع قليلة أخرى من العمليات البرية بجنوب لبنان لإكمال مهمتنا».
واشارت الصحيفة الى أنّ «حزب الله» لا يزال ينجح في تعطيل الحياة تماماً في الشمال، وفرض روتين صفارات الإنذار في الوسط». وقالت: «من الواضح أن وُجهة «حزب الله» هي حرب استنزاف، حيث انّه على الرغم من الضربات التي تلقاها، فإنّه ليس لدى رجال الاستخبارات العسكرية شك في أنّ عملية التعافي في صفوفه قد بدأت بالفعل».
وذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية، «أن الأهداف التي قصفتها إسرائيل في لبنان في الأيام الأخيرة كلها مهمّة، ولكنها بعيدة كل البعد عن إحداث تغيير في قواعد اللعبة، معتبرة أنّه لا يوجد سبب عسكري قوي بما يكفي لمواصلة الحرب، إذ أنّ نطاقه يقتصر حالياً على ما بعد الأسبوع المقبل أو نحو ذلك»، وسألت: «هل سيستمر نتنياهو في غزو لبنان إلى ما بعد يوم الانتخابات على أسس سياسية أكثر منها عسكرية»؟
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة «معاريف» العبرية: «يجب ان نبقى حذرين ونترك الغطرسة، فـ«حزب الله» ليس «حماس»، وقدراته ليست محدودة، حيث انّه يمتلك قدرات هائلة، وعلى الرغم من أنّه شارك في القتال إلى جانب سوريا، إلّا أنّه لم ينكسر بل على العكس انتصر، وعلى الرغم من الضربات الإسرائيلية فإنّ «حزب الله» لم يهلك ولم يتمّ تدميره والقضاء عليه ولم يقل كلمته الأخيرة بعد».
الوزيرة الالمانية
سياسياً، وصلت وزيرة خارجية المانيا آنالينا بيربوك الى بيروت امس، والتقت رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وقبل ذلك كان لها تصريح قالت فيه: «إسرائيل نجحت في إضعاف «حزب الله» إلى حدّ كبير، والمهمّ الآن هو العمل مع شركائنا في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي لإيجاد حل ديبلوماسي قابل للتطبيق يحمي المصالح الأمنية المشروعة لكل من إسرائيل ولبنان».
وكان بري قد التقى رئيس مجلس النواب العراقي بالإنابة محمد المندلاوي، الذي وضع رئيس المجلس في أجواء الجهود الديبلوماسية البرلمانية لإيقاف العدوان الاسرائيلي على لبنان وقطاع غزة، وتضامن العراق ودعمه لبنان وشعبه في مواجهة التداعيات الناجمة عن العدوان.
الصورة : من القصف ليلا على الضاحية الجنوبية لبيروت (نقلا عن الجمهورية)