كتبت صحيفة "الجمهورية": على وقع استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان لم تنته المحادثات بين الموفدين الاميركيين بريت ماكغورك وآموس هوكشتين مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى نتائج عملية وملموسة في شأن ترتيب اتفاق على وقف النار في لبنان وتنفيذ القرار الدولي الرقم 1701 في المنطقة الجنوبية. وإذا بتفاؤل الليل بدّدته محادثات النهار، وأقفل الرجلان عائدين إلى واشنطن، في الوقت الذي قال نتنياهو، «نحن نغيّر وجه الشرق الأوسط لكننا ما زلنا في عين العاصفة وأمامنا تحدّيات كبيرة»، مؤكّداً انّ «وقف إطلاق النار مع «حزب الله» يجب أن يضمن أمن إسرائيل».
لم يتصاعد الدخان الأبيض من لقاء الموفدين الأميركيين إلى تل ابيب ومحادثتهما مع نتنياهو، ولم يكن احد أصلاً ينتظر هذا الدخان بناءً على التجارب السابقة في غزة، والتي اتبع فيها نتنياهو سياسة المراوغة، وهذه السياسة تتكرّر الآن مع وصول العدو الاسرائيلي إلى اقتناع بأنّه لا يمكنه وقف العملية العسكرية، وإلّا تكون اسرائيل قد خسرت معركة أعلنت أنّها معركة «وجود وتغيير لوجه الشرق الأوسط».
وقال مصدر بارز مطلع على المفاوضات لـ«الجمهورية»، انّ عقداً كثيرة وضعها نتنياهو أمام الاتفاق على الحل الذي يضمن تطبيق القرار 1701 وخصوصاً لجهة التمسّك بآلية المراقبة والإشراف على الآلية وحرّية الحركة في البرّ والجو والبحر، وبالتالي تبدّد الحلم بالحل قبل الخامس من تشرين الثاني.
واكّد المصدر، انّ هوكشتاين لم يتصل بالرئيس نبيه بري ولا بالرئيس نجيب ميقاتي بعد مغادرته تل ابيب، لكن الإشارات التي صدرت من الإعلام العبري ونتنياهو نفسه، أكّدت انّ الموفدين عادا خاليي الوفاض «وهذا يعني أننا أمام انتظار آخر «هدّام» إلى ما بعد الانتخابات الاميركية». ورأى المصدر «انّ لبنان ليس أمامه سوى الصمود ولا يمكن له الاستسلام لأنّ الحرب القائمة لم تعد حرباً عادية إنما تحولت معركة كسر إيرادات، وبات الكلام عن وقف إطلاق النار وهماً وغير وارد، لأنّ نتنياهو وضع أهدافاً لا يمكن تنفيذها في وقت سريع وربما تحتاج إلى اشهر وسنوات. والتاريخ سيعيد نفسه على ما يبدو».
لكن مرجعاً كبيراً قال لـ«الجمهورية»، انّ المساعي الديبلوماسية لا تزال جادة لتحقيق وقف النار وتنفيذ القرار 1701 في الجنوب. واكّد انّ هوكشتاين لن يزور لبنان لأنّه اضطر إلى العودة إلى واشنطن لمواكبة الانتخابات الرئاسية المقرّرة الثلاثاء المقبل. واستبعد المرجع التوصل الى حل في هذه الايام القليلة الفاصلة عن هذا الاستحقاق الاميركي.
وإلى ذلك، كشفت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ اي تواصل لم يحصل بين هوكشتاين والمسؤولين اللبنانيين بعد زيارته لتل أبيب ولقائه مع نتنياهو. واشارت الى انّ تصريحات نتنياهو امس كانت سلبية جداً، ولا تؤشر إلى حصول تقدّم نحو التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار.
واعتبرت المصادر انّه بات محسوماً انّ من المتعذر إنجاز مثل هذا الاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من تشرين الثاني. ولفتت إلى أنّ ليس بالضرورة أيضاً ان يحصل الحل فور إتمام الانتخابات، إذ انّ الرئيس المقبل، سيحتاج إلى بعض الوقت لكي ينشئ إدارته ويرسم استراتيجية تحركه، وحتى لو تمّ انتخاب المرشحة الديموقراطية ونائب الرئيس الحالي كامالا هاريس، فإنّ كل المؤشرات تفيد أنّها لن تُبقي على انتوني بلينكن في وزارة الخارجية ولا على آموس هوكشتاين ضمن فريقها الديبلوماسي، وبالتالي فإنّ معاودة انطلاق دينامية الديبلوماسية الأميركية ستتأخّر الى حين تعيين بديلين عنهما.
لا تسوية قريبة
وقرأت المصادر الديبلوماسية المواكبة لـ«الجمهورية» من الأجواء التي رشحت عن محادثات هوكشتاين ومكغورك مع المسؤولين الإسرائيليين، أن لا تسوية قريبة تؤدي إلى وقف الحرب في لبنان. وقد جاء البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ليؤكّد ذلك، إذ أورد أنّ نتنياهو حرص في لقائه الموفدين الأميركيين على أنّ أي تسوية «يجب أن تضمن أمن إسرائيل». وهذه العبارة تعني تمسّك الحكومة الإسرائيلية بالموقف الذي أعلنته سابقاً، لجهة منحها الحق في الإشراف على تنفيذ القرار 1701، وتثبيت قوات دولية أو متعددة الجنسيات على نقاط العبور إلى لبنان، براً وبحراً وجواً، لمنع «حزب الله» من استقدام أسلحة وذخائر جديدة، مع اشتراط أن يكون للإسرائيليين الحق في توجيه ضربات تستهدف أي إمدادات ستصل إلى «الحزب»، إذا لم تتكفل هذه القوات أو الجيش اللبناني بمنعها.
ووجدت المصادر نفسها في الموقف الإسرائيلي «إعلاناً واضحاً عن الرغبة في مواصلة الحرب على لبنان حتى تحقيق الأهداف التي تعمل لها حكومة نتنياهو، وقد يكون جزء منها غير معلن وغير واضح، ويتجاوز ضرب قدرات «حزب الله» وإبعاده إلى ما بعد الليطاني. وهذا يعني استمرار الحرب لفترة لا يمكن تحديدها».
عين العاصفة
وكان ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية اعلن انّ نتنياهو قال لهوكشتاين وماكغورك خلال محادثاته معهما أنّ «المهم في التسوية في لبنان إمكانية تحقيق الأمن والعمل ضدّ التسلح، ويوجد لإسرائيل حرّية عمل كبيرة في إيران أكثر من أي وقت مضى». وأضاف: «أقدّر بشدّة الدعم الأميركي وأقول نعم عندما يكون ذلك ممكناً ولا عند الضرورة، ونحن نغيّر وجه الشرق الأوسط، لكننا ما زلنا في عين العاصفة وأمامنا تحدّيات كبيرة، ولا أقلل من شأن أعدائنا مطلقاً». واكّد أنّ «هناك ضغطاً لتحقيق تسوية في لبنان قبل الأوان والواقع أثبت العكس»، وقال: «نعالج أذرع الأخطبوط ونضرب في الوقت نفسه رأسه في إيران، ولا أحدد موعداً لنهاية الحرب، لكني أضع أهدافاً واضحة للانتصار فيها».
وأكّد نتنياهو للموفدين الاميركيين «تصميم إسرائيل على إحباط أي تهديد لأمنها من لبنان وإعادة الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال». وقال: «القضية الأساسية ليست أوراق هذا الاتفاق أو ذاك بل قدرة إسرائيل وتصميمها على إنفاذ الاتفاق». وتابع: «وقف إطلاق النار مع حزب الله يجب أن يضمن أمن إسرائيل».
رسالة أميركية
وأفاد موقع «إكسيوس» عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أنّ نتنياهو ناقش مع المبعوثين الأميركيين «اتفاقاً لوقف إطلاق النار في لبنان، والجهود لاستئناف المفاوضات في شأن غزة». ونقل الموقع نفسه عن هؤلاء المسؤولين «تأكيدهم أنّ واشنطن وافقت على تقديم رسالة لإسرائيل في شأن اتفاق محتمل مع حزب الله»، مشيرين إلى انّ «الرسالة تتضمن دعماً للعمل العسكري الإسرائيلي في حال انتهاك الاتفاق، والتزام واشنطن بدعم إسرائيل حال وجود تهديد من حزب الله». وبحسب المسؤولين، فأنّ «الرسالة الأميركية تنص على تعيين مسؤول لرئاسة آلية مراقبة تطبيق الاتفاق».
وذكرت صحيفة «يديعوت احرونوت» انّ المبعوثين الأميركيين التقيا أيضاً وزير الدفاع يوآف غالانت ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وتناولت المناقشات التسوية في لبنان وصفقة إطلاق الأسرى والتصعيد ضدّ إيران.
وفي السياق نقلت شبكة «سي إن إن» عن مصادر مطلعة انّ مسؤولين أميركيين يشكّكون في أن تؤدي الجهود الديبلوماسية هذا الأسبوع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان، قبل انتخابات الرئاسة الأميركية. وأوضحت أنّ هناك شعوراً داخل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أنّ نتنياهو ينتظر انتهاء الحملة الانتخابية الرئاسية لمعرفة من سيكون رئيس الولايات المتحدة القادم، لكن واشنطن تظل مع ذلك متمسكة بإرسال مبعوثين كبار إلى المنطقة لمناقشة احتمالات إنهاء الحرب».
وأشارت المصادر إلى انّ «منسوب التفاؤل بوقف إطلاق نار خلال ساعات أو أيام انخفض بعد زيارة هوكشتاين لإسرائيل، وانّ التعويل بات على مساع ديبلوماسية مستمرة قد تتبلور لاحقاً».
طوق نار خطير
في غضون ذلك، حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من «أنّ المنطقة تتجه نحو توسع للحرب في شكل خطير». وقال اردوغان تعليقاً على إعلان تعيين الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً لحزب الله: «سيحاربون من أجل لبنان وسيواصلون الحرب»، مشيراً إلى أنّ «قاسم أظهر تصميماً واضحاً بأنّهم ماضون في الطريق عينه ولا تغيير في سياستهم». وشدّد على أنّ «المنطقة تتجه نحو طوق نار خطير جداً، وأنّ المرحلة المقبلة ستكون أكثر تعقيداً». ودعا أردوغان «الدول ذات الضمير الحيّ» إلى «ممارسة مزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية».
الصورة : (نقلا عن الجمهورية)