
كتبت "النهار" التالي :على نحو عام وضمن الخط البياني الذي يحكم استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، لم تختلف صورة المشهد الانتخابي في الجولة الثالثة ما قبل الأخيرة التي أجريت أمس في بيروت والبقاع عن الجولتين السابقتين لجهة الجوانب الإجرائية أو معايير نسب الإقبال ولو تفاوتت بين الاقضية.
فإذا كانت الأنظار تركزت بشكل خاص على بيروت نظراً للخشية من "تراثها" التقليدي في عدم الاقبال الكثيف على الاقتراع، فإن نسبة الـ21 في المئة التي بلغتها المشاركة في بيروت أمس جاءت معقولة قياساً بالسوابق وتجاوزت نسبة انتخابات 2016 البلدية، بما شكل عاملاً مشجعاً على توقّع نتائج تحفظ المناصفة أو على الاقل تحول دون صدمة كبيرة وخلل في التوازن الميثاقي يستعيد نتائج انتخابات طرابلس الأسبوع الماضي التي انتهت إلى مجلس بلدي سنيّ بالكامل مع عضو علوي فقط ومن دون تمثيل مسيحي.
ولعل المفارقة اللافتة التي سُجلت تمثلت في أن بيروت التي كانت نسبة الاقبال فيها الأضعف بين الأقضية البقاعية أمس سجلت الارتفاع الوحيد في نسب المشاركة قياساً بانتخابات 2016، فيما تراجعت النسب في الأقضية البقاعية كافة مقارنة بتلك السنة. وتبين أن الإقبال الذي كان يعوّل عليه في المناطق ذات الغالبية المسيحية، كالاشرفية والرميل والصيفي، لم يكن بالحجم المأمول، إذ لم يتجاوز الـ16 في المئة أي بما يوازي النسب السنيّة.
ومع أن أرقاماً أولية لماكينات انتخابية سجلت بعد انطلاق الفرز رقماً مهماً أولياً للائحة "بيروت تجمعنا" قُّدر بخمسة وأربعين في المئة من الأصوات لمصلحتها، فإن ذلك لم يسقط الحذر الشديد في ترقب الفرز الشائك نظراً لتبيّن وجود تشطيب واسع يصعب معه نهاية سريعة للفرز وتبيّن النتائج النهائية قبل الساعات المقبلة. ومع ذلك، سادت أجواء متفائلة ليلاً بأن لائحة ائتلاف بيروت تجمعنا" تتقدم بما يعني الفوز بالمناصفة.
أما في زحلة التي كانت نقطة الرصد الثانية الأساسية، فإن المواجهة بين لائحة أسعد زغيب مدعوماً بمروحة واسعة من القوى والأحزاب والعائلات ولائحة "القوات اللبنانية" منفردة، بدت أول الأمر متجهة إلى خليط من النتائج المتداخلة بمعنى تقاسم المقاعد بنسب متفاوتة. ولكن النتائج الأولية لدى ماكينة "القوات" بدأت تطلق الإشارات ليلاً إلى تقدم لائحتها برئاسة سليم غزالة على لائحة أسعد زغيب في أكثر من عشرة أقلام، لكن النتيجة الحاسمة لم تظهر لكون أقلام الكرك كانت لا تزال بلا فرز كامل بعد، علماً أن "التصويت الشيعي" سجل بكثافة في ساعات بعد الظهر. وفي أحد الأقلام المحسوب على آل سكاف في سيدة النجاة سُجل تقدم لائحة القوات. وفي القاع فازت لائحة المحامي بشير مطر بكامل أعضائها المدعومة من القوات اللبنانية.
وأما في بعلبك - الهرمل، وبدءاً من مدينة بعلبك، فإن مناصري الثنائي الشيعي بدأوا الاحتفالات المبكرة، مؤكدين فوز لوائح "امل - حزب الله" بما يعني في حال ثبوت النتائج الرسمية بأن أي تبديل لم يحصل في الواقع البلدي والاختياري في الجانب الشيعي من بعلبك - الهرمل.
وقد بلغ آخر تحديث لنسب الإقتراع في الأقضية: بيروت: 21%، زحلة: 44,57%، البقاع الغربي: 41,11%، راشيا: 37,70%، الهرمل34,15%، بعلبك: 48,88%.
أما عدد الشكاوى، فبلغ 387 معظمها إداري.
وبرزت الجولات الكثيفة التي قام بها رئيس الحكومة نواف سلام على مراكز الاقتراع في بيروت وحضّه أهلها على الاقتراع، إذ أنّ "الانتخابات البلدية والاختيارية هي عملية إنماء لبيروت". وقال بعد الإدلاء بصوته في بئر حسن: "أنا واثق أنّ أهلي في المدينة سيضمنون تمثيل الجميع في المجلس البلدي"، لافتاً إلى أنّ "بيروت بحاجة إلى الإنماء وحيادية الحكومة في الانتخابات تأمّنت وخياري كمواطن هو لإنماء المدينة". وشدد على أنّه "يجب أن نتعلّم من الأخطاء التي ارتكبت في طرابلس والشمال"، معتبراً أنّ "تأخّر عملية الفرز في بيروت أمر وارد لكن ليس كثيرًا".
ولدى سؤاله عن سبب عدم بحث القوانين التي تتعلق بتسيير الانتخابات في بيروت قبل الانتخاب؟ أجاب: "لأنها أتت متأخرة، ويجب بعد انتهاء العملية الانتخابية إعادة النظر بكل آليات الانتخابات البلدية عموماً لا سيما في بيروت".
كما أن وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، أمل مراراً في "أن يندفع المواطنون للمشاركة في الاقتراع في بيروت"، معلناً أننا "أمنا كل الاجراءات لتسريع عملية إصدار النتائج". وأكد أن "الملاحقات مستمرة في حق مطلقي النار"، داعياً إلى "عدم تكرار ذلك في البقاع وبيروت"، وأمل بأن ننتهي من هذه الظاهرة.
أضاف: "الدولة تؤكد اليوم احترام الاستحقاقات الدستورية وحق الشعب اللبناني بالتعبير عن رأيه والعملية تسير بكل ديموقراطية وإن حصلت بعض الإشكالات فالقوى الأمنية كانت حاضرة ولكن الصورة العامة كانت جيدة".
عون والبابا
وسط هذه الاجواء، حضر رئيس الجمهورية جوزف عون وزوجته السيدة نعمت عون قبل ظهر أمس القداس الحبري الأول للبابا لاوون الرابع عشر. وكان الرئيس عون وزوجته وصلا إلى كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان حيث كان في استقبالهما ممثل عن المراسم الفاتيكانية ورافقهما إلى المقعد المخصص لهما في المقدمة مع عدد من رؤساء وملوك وأمراء عدد من الدول الحاضرين في القداس. وهنّأ رئيس الجمهورية وزوجته البابا لاوون الرابع عشر بعد انتهاء القداس الحبري الأول الذي ترأسه في باحة القديس بطرس في الفاتيكان.
وخلال مصافحته البابا، تمنى له الرئيس عون "التوفيق والنجاح في رسالته" وأمل "بان يزور لبنان في أقرب وقت ممكن"، لافتاً إلى أنه سيقوم بزيارة رسمية للكرسي الرسولي ويوجه له الدعوة رسمياً.
وأكد الرئيس عون للبابا أنه "يتابع المواقف التي أعلنها منذ انتخابه، ونثمّن عالياً كلامكم أمام وفد الكنائس الشرقية قبل يومين عندما أعلن الأب الأقدس عن نيته القيام بكل ما يلزم للسلام في لبنان، وقوله خصوصاً أن "الكرسي الرسولي في الخدمة".
وشكر البابا لاوون الرابع عشر الرئيس عون وزوجته على حضورهما القداس الحبري الأول، وأكد أنه "يتابع عن قرب الأوضاع في لبنان وأنه يصلي دائماً لأمنه واستقراره وسعادة شعبه، وأنه سيواصل العمل من أجل السلام في لبنان والمنطقة".
وكان الرئيس عون وزوجته التقيا أمين سر الدولة البابوية الكاردينال بييترو بارولين وشكراه على دعمه الدائم للبنان وشعبه.
اسرائيل و"حزب الله"
إلى ذلك، وبالتزامن مع الجولة الثالثة الانتخابية، اعتبر مصدر إسرائيلي عبر قناة "سكاي نيوز عربية" أن "وضع حزب الله السياسي هو الأصعب منذ عقود"، وأن "ذلك عرقل استعداده للانتخابات البلدية". وأضاف المصدر أن "حزب الله يحاول أن ينحني أمام الرياح، لذا هو يسكت على الضربات التي يتلقاها، وينتظر فرصة للعودة إلى ما كان عليه"، واعتبر أنه "مع الضربات التي تلقاها الحزب، هناك فرصة تاريخية للدولة اللبنانية لتفكيك حزب الله كتنظيم عسكري". وتابع المصدر قائلاً: "إذا انهار النظام الإيراني سينهار حزب الله، والذي يواجه مشكلة حقيقية في الحصول على الأموال الإيرانية". وأوضح المصدر أن "انهيار النظام السوري، وخطوات الحكومة اللبنانية، وزيادة مصاريف الحزب نتيجة الحرب، يصعّب من وضعه الاقتصادي". وأكمل المصدر: "حزب الله يعاني من أزمة ثقة ضخمة مع جمهوره، لذا فأغلب جهوده الآن منصبة على تعويض جمهوره وهي أولويته الأولى، لكن هذا لا يعني أنه يحاول إعادة التسلح".
وحذر من أن "حزب الله يريد من إعادة الإعمار، إعادة بناء بيوت ناشطيه وليس البنى التحتية للدولة، لذا لا يجب أن يكون حزب الله جزءاً من إعادة الإعمار.
ويقوم الحزب بحسب المصدر بإعاقة "قوانين الإصلاح المالي في البرلمان، وهي قوانين ضرورية للحكومة للتعامل مع الدول والمؤسسات الدولية لإعادة الإعمار".
واختتم بالقول: "حزب الله خسر إلى حد بعيد المنافسة على الجمهور الشيعي لصالح حركة أمل".
الصورة : الانتخابات في لبنان (نبيل اسماعيل).