
كتبت "النهار" التالي : لم تبدّل المواقف والمعطيات الوزارية أو السياسية التي تجمعت في الساعات الأخيرة الصورة المشدودة والحذرة للغاية، حيال العد العكسي الجاري لجلسة مجلس الوزراء الجمعة المقبل، والتي سيصادف انعقادها مرور شهر كامل على جلسة الخامس من آب التي اتخذ فيها مجلس الوزراء قرار حصرية السلاح في يد الدولة.
بل إن ما تركته مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري في كلمته الأحد الماضي، لم تحدث فسحة لأي توقعات إيجابية بحصول أي اختراق من شأنه أن يقنع "الثنائي الشيعي" بأن رضوخ السلطة للضغوط التي يصعدها من أجل تعليق أو إلغاء أو تجميد قرار حصرية السلاح، هو أمر أشبه بالاستحالة لعوامل داخلية وخارجية شديدة الخطورة في حال تجاهلها وتجاوزها.
وإذ التزمت الأوساط القريبة من رئاستي الجمهورية والحكومة التحفظ عن إطلاق أي مواقف أو تقديرات استباقية تاركة للاتصالات والمساعي الجارية أن تأخذ مداها قبل جلسة الجمعة، بدا لافتاً أن الأوساط القريبة من "الثنائي" راحت تمعن في التشديد على أن كل السيناريوات والخطوات ستكون مفتوحة في الجلسة إذا تمسكت الرئاستان بالمضي نحو خطة عسكرية لقيادة الجيش تلحظ برمجة زمنية لحصرية السلاح، ومن ضمن السيناريوات انسحاب الوزراء الشيعة من الجلسة.
ومع أن أي معطيات من بعبدا أو السرايا لم تؤكد أن ثمة اقتراحاً سيكون الأقرب إلى الأخذ به ويعتمد اعتبار لبنان في حل من التزام الورقة الأميركية بما تتضمنه من أولوية حصرية السلاح انطلاقاً من أن إسرائيل وسوريا لم تعلنا موافقتهما على ورقة توم برّاك، مضت أوساط الثنائي في الترويج لهذا "المقترح" بما عكس عدم التوصل إلى أي نقطة تقارب بين الرئاستين الأولى والثانية من جهة، و"الثنائي" عبر الرئيس بري من جهة ثانية.
وترافق ذلك مع معطيات وإيحاءات تشير إلى "قطيعة" صامتة قائمة وغير معلنة بين عين التينة وكل من بعبدا والسرايا منذ جلسة الخامس من آب، الأمر الذي يزكي الانطباعات التي لا تستبعد تصعيد الأزمة، خصوصاً وأن الأفرقاء الآخرين المشاركين في الحكومة يتمسكون بخروج الجلسة بقرار حاسم لجهة الإقرار والموافقة على خطة عملانية واضحة ببرنامج زمني لقيادة الجيش.
في أي حال، تتزامن الاستعدادات للجلسة المفصلية الجديدة في الخامس من أيلول مع مزيد من الدعم الخارجي للحكومة. وفي هذا الصدد، رحب أمس المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي في الفقرة المتعلقة بلبنان من بيانه بعد اجتماعه في الكويت "بإعلان رئيس الحكومة في الجمهورية اللبنانية الدكتور نواف سلام، قرار مجلس الوزراء القاضي بضمان حصر حيازة السلاح بيد الدولة في جميع أنحاء لبنان، استنادًا إلى اتفاق الطائف، والقرارات الدولية ذات الصلة".
ودان المجلس استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، مشدداً على "ضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن بشأن لبنان، وخاصة القرار 1701، مشيداً بجهود الوساطة التي تقوم بها الولايات المتحدة بهذا الخصوص، ومعبرًا عن رفضه للتصريحات والتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبنان الشقيق".
وفي سياق مماثل، زار السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام وأبلغهما أن الرئيس ايمانويل ماكرون سوف يوفد خلال الأيام القليلة المقبلة الوزير السابق جان إيف لودريان لمتابعة التطورات مع الجانب اللبناني، لا سيما مرحلة ما بعد التمديد لـ"اليونيفيل" ومسألة حصرية السلاح، إضافة إلى التحضير للمؤتمرين اللذين سيدعو الرئيس الفرنسي إلى عقدهما، الأول يتعلق بإعادة الإعمار في لبنان، والثاني بدعم الجيش.
وتحضيراً للجلسة العتيدة، عرض الرئيس عون مع الرئيس سلام خلال اجتماع عقداه في قصر بعبدا صباح أمس، الأوضاع العامة في البلاد والتطورات الأخيرة. وأطلع الرئيس سلام رئيس الجمهورية على نتائج زيارته إلى جمهورية مصر العربية والمباحثات التي أجراها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمسؤولين المصريين الذين التقاهم. وتطرّق الرئيسان عون وسلام إلى موضوع التمديد لقوة اليونيفيل وأجواء جلسة مجلس الوزراء المقررة يوم الجمعة المقبل.
وعكس نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد زيارته عين التينة جانباً من أجواء الرئيس بري، فلفت إلى ضرورة "الأخذ في الاعتبار أن الخطر الاسرائيلي ما زال قائماً وفي الوقت عينه الوحدة الداخلية أساسية، وتطبيق كامل لدستور الطائف هو المخرج وأي موضوع يحتاج إلى حوار جانبي أو حوار مباشر، حوار غير مباشر، ولكن بالحوار يجب أن نذهب إلى تطبيق كامل لدستور الطائف، وكما تعرفون دستور الطائف يعالج الكثير من الأمور، يعالج موضوع حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، ويقول إنه يجب أن يكون هناك حوار وإستراتيجية دفاع وطني أو إستراتيجية أمنية كما ورد في خطاب القسم، الطائف يتحدث عن قانون إنتخابات عصري، إلغاء الطائفية السياسية، اللامركزية الإدارية، أعتقد حان الوقت لكي نعرف كلبنانيين أن هذه الامور التي نؤجلها منذ سنوات، يجب أن نعطيها فرصة، وقد يكون التطبيق الكامل لدستور الطائف هو الحل الأفضل اليوم". وقال: "لمست أن الرئيس بري منفتح ومرن، ولكن في الوقت نفسه هو حريص على لبنان وكرامة لبنان وعلى طريقة معالجة الأمور والأزمات، وأن التحدي لا يوصل إلى نتيجة، وهذا أيضاً سمعته من الرئيس بري بالتفاهم والهدوء نصل إلى النتيجة التي فيها مصلحة لبنان بالدرجة الأولى".
في غضون ذلك، أكد وزير المال ياسين جابر أنه "سيشارك في جلسة الحكومة الجمعة"، كما أملت وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد أن "يكون هناك تفاهم بين كل الأطراف قبل الجلسة يوم الجمعة، وفي الجلسة". بدوره أوضح وزير الزراعة نزار هاني أن "سبب تأجيل جلسة مجلس الوزراء الأولى للبحث في خطة الجيش لنزع السلاح تقني فقط، إذ استمهل الجيش بضعة أيام لكون الموضوع مهم وأساسي". وقال: "أتمنى ألا نكون عدنا إلى النقطة صفر في المفاوضات والحكومة واضحة في قرارها، هناك بيان وزاري واضح وخطاب قسم واضح، ولنر ما هي المعطيات لدى الجيش وفي ضوئها يؤخذ القرار المناسب". وتمنى "ألا ينسحب الوزراء الشيعة من الجلسة، لأن موضوع حصر السلاح ننجز فيه حواراً وطنياً، وبالتالي المكوّن الذي يملك السلاح هو مكوّن وطني أساسي في الحكومة والبلد".
ووسط هذه الاجواء، استقبل امس نائب رئيس الحكومة طارق متري وفداً رسمياً سورياً ضم الوزير السابق ومدير الشؤون العربية في وزارة الخارجية محمد طه الأحمد والوزير السابق محمد يعقوب العمر مسؤول الإدارة القنصلية ورئيس الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرياً محمد رضا منذر جلخي. وأفيد أن البحث تناول "القضايا المشتركة وسبل معالجتها بما يعزز الثقة والاحترام المتبادل والرغبة الصادقة في التعاون بين البلدين. وتطرّق اللقاء إلى مسائل المعتقلين والمفقودين السوريين في لبنان والمفقودين اللبنانيين في سوريا، والتعاون في ضبط الحدود ومنع التهريب. كما بحثت قضية النازحين السوريين وعودتهم إلى بلادهم وأهمية تسهيلها. واتفق على مراجعة الاتفاقات اللبنانية- السورية وتحسينها والنظر في الاتفاقات والإجراءات التي تحفّز التعاون الاقتصادي بين البلدين".