
كتبت صحيفة "النهار": وسط مراوحة واضحة في التطورات الداخلية وبداية "صعود" متدرّجة لسخونة استحقاق الاستعدادات للانتخابات النيابية بدءاً بالخلاف على بت المشكلة المعقدة المتصلة بقانون الانتخاب، أتاحت مشاركة رئيس الجمهورية جوزف عون في القمة العربية الإسلامية الطارئة التي عقدت أمس في الدوحة فرصة ثلاثية الدلالات للبنان، تمثّلت أولاً في إطلاق موقف لبناني بارز من الحروب الدائرية التي تشنها إسرائيل على عدد من بلدان المنطقة ومن بينها لبنان، وثانياً في إجراء لقاءات ولو سريعة مع عدد من الزعماء العرب على هامش القمة، وثالثاً رسم الإطار التمهيدي للمشاركة اللبنانية في أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة التي سيحضرها الرئيس اللبناني للمرة الأولى منذ انتخابه.
وتميّزت الكلمة التي ألقاها الرئيس عون في القمة بتوجهه بـ"الاعتذار" مباشرة من أمير قطر، قائلاً: "أعتذر من أخي سمو الأمير تميم، ومنكم إخوتي رؤساءِ الوفود، عن عدمِ تكرارِ مفرداتِ الإدانة ولازماتِ التنديدِ والشجب، فهذه قد ملأت تاريخَنا وحاضرَنا، حتى باتت تثيرُ السأَمَ في نفوسِ شعوبِنا، أو أكثرَ من السأم". ثم أضاف: "أنا هنا لأقول، استناداً إلى ما سبق، إنّ الصورةَ بعد عدوانِ الدوحة، باتت واضحة جلية، وإنّ التحدي المطلوبَ رداً عليها، يجب أن يكونَ بالوضوحِ نفسِه، فنحن بعد أيامٍ على موعدٍ مع الجمعيةِ العمومية للأممِ المتحدة في نيويورك، حيثُ يلتئمُ كلُ العالمِ الساعي إلى السلام، فلنذهبْ إلى هناك بموقفٍ موحّد، يجسّدُه سؤالٌ واحد: هل تريد حكومة إسرائيل، أي سلام دائم عادل في منطقتنا؟ إذا كان الجواب نعم، فنحن جاهزون وفقاً لمبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة العربية السعودية الشقيقة في قمة بيروت عام 2002 وتبنّتها جامعتنا العربية بالإجماع، وهي تلقى تأييداً دولياً واسعاً بدأ يترجم من خلال اعتراف دول عديدة بدولة فلسطين، وخير دليل على ذلك الإعلان الذي صدر منذ أيام عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة تحت مسمى "إعلان نيويورك"، وذلك نتيجة جهد دؤوب من المملكة العربية السعودية الشقيقة، وفرنسا الصديقة، الذي يحدّد خطوات ملموسة ومحددة زمنياً ولا رجعة فيها نحو حل الدولتين. ولنجلس فوراً برعاية المنظمة الأممية وكل الساعين إلى السلام، للبحث في مقتضيات تلك الإجابة. وإذا كان الجوابُ لا، أو نصفَ جوابٍ أو لا جواب، فنحن أيضاً راضون، فندركَ عندها حقيقةَ الأمرِ الواقع، ونبني عليه المقتضى، علّنا نوقفُ على الأقلّ سلسلةَ الخيبات، حيالَ شعوبِنا وأمامَ التاريخ".
وكان رئيس الجمهورية التقى فور وصوله إلى مقر القمة في الدوحة، أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وعقد معه اجتماعاً حضره رئيس الحكومة ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، فيما حضر عن الجانب اللبناني وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي والمستشار الخاص لرئيس الجمهورية العميد اندره رحال. وأفادت المعلومات الرسمية أن الرئيس عون جدّد ادانته للاعتداء الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة، مؤكداً وقوف لبنان إلى جانب قطر وتضامنه معها ومع الشعب القطري الشقيق. وشكر أمير قطر على الدعم الذي تقدمه بلاده للبنان في مختلف الظروف، مشيراً إلى أن هذا الدعم هو موضع امتنان جميع اللبنانيين. ورد أمير قطر مرحباً بالرئيس عون والوفد المرافق، شاكراً تضامن لبنان مع قطر وإدانته للعدوان الاسرائيلي، ومشدداً على وقوف قطر إلى جانب لبنان ودعمها الدائم للشعب اللبناني، وسعيها الدؤوب من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في لبنان.
كما التقى الرئيس عون، الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، حيث أكد له “حرص لبنان على إقامة علاقات متينة مع إيران تقوم على أسس الاحترام المتبادل والصراحة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بما يخدم المصالح المشتركة بين البلدين”. وشدّد الرئيس الإيراني بدوره على "التزام بلاده مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى".
أما في المشهد الداخلي، فاستأنف "حزب الله" حملاته على الحكومة، محاولاً التلاعب على وتيرة التمييز بين الجيش والسلطة السياسية. ولوحظ اندفاع المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل إلى الواجهة الإعلامية مجدداً، علماً أنه في معرض إشادته المفتعلة بالجيش لم يخف نبرة استعلاء وإخضاع الجيش لفحص حسن السلوك مبطن!. ومما قال إن "إملاءات خارجية صيغت تحت عنوان حصرية السلاح بنسة 99 في المئة، وما ورد في خطاب القسم وفي البيان الوزاري يخالف ما يجري طرحه اليوم بهذا الشأن". واعتبر أن "المواقف الرائدة والحازمة للرئيس نبيه بري والوحدة بين حركة أمل و"حزب الله" عززت موقفنا السياسي الثابت"، مشدداً على "أننا لم نلجأ إلى الشارع للضغط على الحكومة لكن وقفنا وقفة مشرفة وكبيرة جداً". وأشار إلى أن "موقف قائد الجيش في تقديم ما سُمّي بالخطة العسكرية لتنفيذ قراري 5 و7 آب إتّسم بالحكمة أكثر بكثير من قرارات الحكومة وساهم في تنفيس الأجواء". وقال: "إذا بقيت قيادة الجيش حكيمة بلغتها وبممارساتها على الأرض، فإن لا أحد يريد التصادم على الأرض، لذا نأمل استمرار هذه الفرملة من أجل استقرار البلد". وشدد على أن "أصحاب الوصاية كانوا يعملون في الليل والنهار لإقصاء "حزب الله" عن الحكومة، وعليه فإن وجودنا داخل الحكومة أمر جيّد وإيجابي، مع المقارعة من داخلها وخارجها والوقوف كسدّ منيع داخل الحكومة وخارجها".
في غضون ذلك، يتجه استحقاق بت قانون الانتخاب إلى مرحلة تسخين في سياق تجاذب وتبادل رمي الكرة بين مجلس النواب والحكومة. وسوف يحضر أمام مجلس الوزراء في جلسته اليوم التقرير المفصل الذي وضعته اللجنة الوزارية المكلّفة دراسة الاقتراحات والتعديلات على قانون الانتخاب، والتي ردت عبره كرة القانون إلى مجلس النواب في التقرير الذي توصل إليه اعضاؤها والممثلون عن الأطراف كافة وابدوا ملاحظاتهم المشتركة ليتوصلوا إلى أن عددا من المسائل التي تتطلب تدخل المشرّع من أجل استكمال الإطار القانوني ومعالجة الثغرات والتضارب التشريعي المتعلّقة باقتراع المغتربين بحيث تخرج هذه المسائل عن إطار دقائِق تطبيق القانون وهي تنحصر في مجلس النواب.
وخلصت اللجنة إلى أن التنظيم الحالي للانتخابات، في ما يخص غير المقيمين والبطاقة الممغنطة يتطلبان تعديلاً للقانون وليس فقط اصدار مراسيم تنظيمية، والقانون في هذا الاطار يعاني من ثغرات قانونية كبيرة تتطلب تدخل المشرّع بصورة حاسمة.
وفي ظل تقرير اللجنة الوزارية الذي يتوقع أن يوافق عليه ويتبناه مجلس الوزراء، من الطبيعي أن تغدو الكرة نهائياً في مرمى مجلس النواب حيث عجزت أيضاً اللجنة النيابية المكلفة درس مشاريع واقتراحات بلغ عددها نحو سبعة مشاريع إلى جانب قانون الانتخاب الساري المفعول، الأمر الذي سيدفع باستحقاق بت القانون الانتخابي إلى الواجهة السياسية الساخنة في المرحلة الطالعة.