
كتبت صحيفة "الأخبار": تنوي الولايات المتحدة الأميركية، اعتماد استراتيجية خاصة للتعامل مع ما تعتبره قراراً صادراً عن الحكومة بِأن خطة الجيش لحصر السلاح هي بيد الأجهزة الرسمية فقط. لا يهمّ واشنطن مفردات الترحيب أو أخذ العلم. ما يهمّها، من الذي حصل، ليس أن أهل الحكم تجنّبوا مشكلة كبيرة كانت تهدّد العهد والحكومة، بل كل ما يهمّها، وتتصرّف على أساسه، هو أن الجيش اللبناني وضع خطة تنفيذ على مراحل، وأنه يسير في اتجاه تحقيق المرحلة الأولى منها والتي تتعلق بمنطقة جنوب الليطاني.
فكرة الولايات المتحدة الحالية، تقوم على قسمين:
الأول، اعتبار أن الجيش بات مكلّفاً فعلياً بتنفيذ الخطة، وهو لا يحتاج إلى قرار خاص من الحكومة. كما أن موجبات القرار 1701 تلزمه بخطوات عملانية أقلّها في مناطق جنوب نهر الليطاني، وأن القوات الدولية التي مُدّد لها لعام إضافي، مكلّفة الآن، بالمساعدة على إنجاز هذه المرحلة. وما على الولايات المتحدة سوى توفير الدعم.
الثاني، اعتبار طلبات الجيش من مساعدة لوجستية ومالية، مسألة قيد البحث، وقابلة للتطبيق، لكن، على قيادة الجيش أن لا تُلزِم نفسها بآليات العمل وفق أي إطار خارج «المكاينزم» حيث تسعى واشنطن، لأن تكون هي الطرف الوسيط المباشر بين الجيش اللبناني وإسرائيل، دون الحاجة إلى المرور بأي آلية أخرى.
واضح، أن الجانب الأميركي، يرغب ليس فقط بالإشراف الكلي على العملية، بل أن يكون هو الناظم لحركة الجيش من جهة، والتنسيق المباشر مع الإسرائيليين من جهة ثانية، وتحديد الدور المطلوب من القوات الدولية من جهة ثالثة، خصوصاً أن الجانب الأميركي يعتبر أنه وافق على تمديد ولاية «اليونيفل» ليس اقتناعاً منه بدورها، بل لأنه يعتقد أن الجيش اللبناني يحتاج إليها في المرحلة الأولى الخاصة بحصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني.
في الشقّ الأول، استمع الأميركيون من قيادة الجيش إلى طلباتها بشأن تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية. وهي لائحة طويلة، قدّمها قائد الجيش إلى الحكومة في جلسة عرض خطته لحصر السلاح. ويهتم الأميركيون بأن تباشر الحكومة اللبنانية في تجنيد نحو ثلاثة آلاف ضابط وعسكري فوراً، وإرسالهم إلى الجنوب، على أن تقوم أميركا بالطلب إلى السعودية وقطر، توفير دعم مالي خاص للجيش، لأجل تحسين دَخل العسكريين، بغية إفساح المجال أمام قيادة الجيش، لجعل العسكريين يعملون بكامل طاقتهم.
على أن توفّر أميركا نفسها، العتاد والدعم اللوجستي المطلوب، مع إضافة نوعية، كان الأميركيون يهتمون بأن يتمّ توفيرها للجيش، وهي تتعلق بالدعم المعلوماتي، حتى يصار إلى إزالة كل أنواع البنى التحتية أو المنشآت أو الأسلحة من كل منطقة جنوب الليطاني، على أن يجري تعزيز هذا الدعم في حال انتقل الجيش إلى العمل في منطقة شمال الليطاني حتى نهر الأولي.
لكنّ اللافت في كل هذا الأمر، هو أن الجانب الأميركي، لم يقدّم للجيش أي وعد أو ضمانة بتحقيق بقية طلباته، وهي أمور رتّبها قائد الجيش في معرض حديثه عن حاجات الجيش لتنفيذ الخطة.
كونه أشار ضمناً إلى أن الانتقال من مرحلة جنوب الليطاني إلى مرحلة شماله، يحتاج أولاً، أن يفرض الجيش سيادته بصورة كاملة على كل الأراضي اللبنانية. وهو أمر يتطلّب من الولايات المتحدة إلزام إسرائيل بالانسحاب الكامل من مساحة تمتد على مئة كيلومتر مربع، بما فيها النقاط الخمس، وما استُحدث لاحقاً، وأن تضمن الولايات المتحدة وفرنسا من خلال القوات الدولية، أن تتوقّف إسرائيل عن تنفيذ أي توغّل في الأراضي اللبنانية، كما أن توقف خروقاتها الجوية وعمليات القصف والاغتيال.
ومع أن المناخ الموجود لدى قيادة الجيش، يصرّ على هذه النقطة حتى يكون بمقدوره الإعلان عن انتهاء العمل في منطقة جنوب الليطاني، إلا أن الجانب الأميركي، يعتبر أن على الجيش أن يُقنِع الولايات المتحدة أولاً، وإسرائيل ثانياً، بأنه أنجز مهمته بصورة فعلية قبل نهاية العام الجاري، وأن واشنطن تعد بأنه في حال جرى التثبّت من عدم وجود أي سلاح أو مسلحين أو منشآت لحزب الله، فسوف يصار إلى البحث مع الإسرائيليين في الترتيبات الأمنية المُفترض اتّباعها على الحدود مع لبنان، مقابل الانسحاب من المناطق المحتلة.
عملياً، فإن سير الحكومة بالخطة دون الحصول على أي خطوة من جانب إسرائيل، سوف يضع مهمة الجيش كلها في مرمى السهام الداخلية، خصوصاً أن العسكريين اللبنانيين ناقشوا مع نظراء لهم في الجيش الأميركي، مسألة أن النقاط التي تحتلها إسرائيل غير مبرّرة عسكرياً ولا أمنياً. وبالتالي، فإن الجيش، لن يكون بمقدوره إقناع أحد، بأنه مُلزَم أمام الأميركيين بالقيام بخطوة قد تفرض مواجهة أو صداماً مع حزب الله أو الأهالي، فيما لا يمكن لواشنطن أن تفرض على إسرائيل الالتزام بالقرار 1701.
وبحسب مصادر متعدّدة، فإن ما أقرّه مجلس الوزراء في جلسة الجمعة الشهيرة، لا يزال في إطار «ربط النزاع» بين القوى المتخاصمة داخلياً. لكنه، لا يمثّل نقطة تحوّل في موقف السلطة في لبنان، وأن الجيش اللبناني يتصرّف بحكمة الخائف من توريطه في مسألة تمسّ وحدته والإجماع الوطني على دوره، وأن المخاوف لدى البعض في لبنان، تعود إلى الإصرار الأميركي على أن يقوم الجيش بالمهمة، حتى ولو تطلّب الأمر تنفيذ القرار بالقوة، مع الإشارة دوماً، إلى أن الأميركيين كما الأوروبيين، يكرّرون الحديث عن أن حزب الله أضعف من أن يواجه أحداً، ولا سيما الجيش، وأن هناك العديد من الأطراف التي يمكن أن تدعم الجيش في أي مواجهة مباشرة مع حزب الله.
عملياً، فإن ما هو مُنتظر من المساعي الأميركية الجديدة، لا يجب انتظاره على شكل حلحلة للمسائل العالقة، بل سوف تظهر الأيام والأسابيع المقبلة، أن واشنطن، لا تزال تقف خلف إسرائيل، وأنها تريد فرض وقائع على طول الحدود مع لبنان.
وثمّة من يدعو إلى الحذر أكثر، خصوصاً وسط همس عن احتمال أن تطرح واشنطن بديلاً رسمياً عن اتفاق وقف إطلاق النار، يكون على شكل «تفاهم أمني لبناني – إسرائيلي» على غرار ما يجري العمل عليه مع سوريا. وفي هذه الحالة، تكون الولايات المتحدة قد حقّقت عدة أهداف مرة واحدة، فهي تتخلّص من عبء القرار 1701 على إسرائيل، كما تفتح الباب أمام سحب سريع لقوات الأمم المتحدة قبل انتهاء ولايتها في الصيف المقبل، ثم إتاحة المجال أمام غرفة تنسيق مباشر ولو عبر قنوات عسكرية بين لبنان وإسرائيل.
الصورة : (هيثم الموسوي)