
كتبت راجانا حمية في "الاخبار" التالي : ملايين الأمتار المكعّبة من الأنقاض التي خلّفها العدوان الإسرائيلي في معظم المناطق اللبنانية لا تزال مكدّسة على الأرض، نتيجة النهج الذي تسلكه السلطة الحالية منذ تشكيلها، وتفاقم الكميات المتراكمة مع استمرار الحرب وتواصل القصف والتفخيخ بوتيرة يومية، ما يجعل من الصعب تحديد رقمٍ دقيق لحجم الدمار.
حالياً، تعتمد الجهات الرسمية على تقديرات المؤسسات الدولية، وفي مقدّمها البنك الدولي، الذي قدّر في آخر تقرير أصدره في آذار الماضي كمية الركام بنحو عشرة ملايين مترٍ مكعّب، أي ما يعادل 16 مليون طن. رقمٌ ارتفع بطبيعة الحال بفعل الاعتداءات اليومية، ولا يشمل المناطق التي لا تزال تحت الاحتلال في الجنوب. وبما أن هذا الرقم يُعتبر «الأدقّ المتاح حالياً»، فقد استندت إليه وزارة البيئة في إعداد خارطة طريق لإدارة الأنقاض بطريقة مستدامة، مع استثناء ركام الضاحية الجنوبية لبيروت الذي تقرّر «ترحيله» لتوسعة مطمر الكوستابرافا.
تشير الأرقام إلى أن خارطة الركام تمتدّ على مساحة 17 من أصل 26 قضاء، يتصدرها قضاء بعبدا بما يقارب ثلاثة ملايين ونصف مليون طن، يليه قضاء مرجعيون بثلاثة ملايين و460 ألف طن، ثم صور (مليونان و814 ألف طن)، فبنت جبيل (مليونان و517 ألف طن)، فالنبطية (مليون و272 ألف طن).
أما في الأقضية الاثني عشر المتبقية، فلا تتجاوز الكميات المجمّعة 600 ألف طن. مع ذلك، لا يمكن التعامل مع هذه الأنقاض كما لو كانت نفايات عادية، إذ إنها مخلّفات حرب تختلط فيها أحجار المباني بموادّ نشطة كيميائياً أو بيولوجياً مثل البلاستيك والخشب والجدران الجبسية والزجاج، فضلاً عن احتوائها على عناصر شديدة الخطورة صحياً وبيئياً كالأسبستوس والطلاء والمعادن الثقيلة والذخائر غير المنفجرة والنفايات الإلكترونية. لذلك، تُعدّ المعالجة الدقيقة والآمنة لهذه الأنقاض ضرورة ملحّة، لتجنّب ما قد تخلّفه من آثار كارثية على البيئة والصحة العامة.
رفع الركام
ورغم هول الكارثة، لا يزال التجاوب الرسمي في ملفّ رفع الركام بطيئاً ومحدوداً. فعمليات الإزالة لم تبدأ إلا بعد شهرين على وقف إطلاق النار، بادرت خلالها بعض البلديات، إلى جانب فرق تابعة لحزب الله، إلى جرف الركام لتسهيل حركة المرور، خصوصاً في الضاحية الجنوبية.
ومع انطلاق مرحلة التلزيمات، وتكليف مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة واتحاد بلديات الضاحية الجنوبية بالمهمة، طلبت وزارة البيئة من البلديات تحديد مواقع مؤقتة لجمع الأنقاض ريثما يُتفق على وجهتها النهائية. وجرى تحديد نحو 40 موقعاً موزعة بين المناطق المتضرّرة، من دون إخضاعها لتقييم الأثر البيئي بسبب ضيق الوقت وتعقيدات الإجراءات الإدارية، فاكتفت الوزارة بما وصفته «تقييماً مبدئياً». وبناءً على ذلك، اضطرّت الجهات المعنية إلى جرف الركام ونقله إلى تلك المواقع قبل استكمال المسار الإداري الكامل المطلوب قانوناً.
16 مليون طن من الركام في 17 قضاء من دون احتساب مخلّفات الاعتداءات اليومية والمناطق المحتلة
عملياً، وبعد نحو عشرة أشهر على وقف إطلاق النار، لا تزال المعالجة في مرحلة رفع الركام، وهي الخطوة الأولى في خارطة وزارة البيئة للتخلّص المستدام من الأنقاض. وتنقسم هذه الخارطة إلى مرحلتين أساسيتين: الأولى، وهي الجارية حالياً، وتتمثّل في تجميع الركام في مواقع مؤقتة؛ والثانية تشمل فرز المواد وإعادة تأهيلها في المواقع النهائية.
الفرز وإجراءاته
تبحث وزارة البيئة حالياً في خيار الفرز «في أرضه»، أي داخل المواقع المؤقتة التي تتوافر فيها الشروط الفنية والبيئية اللازمة، بهدف خفض تكاليف النقل إلى المواقع النهائية وتقليل الأعباء البيئية.
ويستلزم ذلك إعداد دراسة متكاملة لكل موقع، تشمل الأثرين البيئي والاجتماعي، ولا سيما لجهة قربه من المناطق السكنية وكميات الغبار والانبعاثات التي قد تنتج عنه، لتحديد مدى ملاءمته لهذا النوع من الأعمال. أما الشرط الأساسي لبدء عملية الفرز فهو فحص الموقع بحثاً عن المواد الخطرة (مثل الأسبستوس أو الطلاء الذي يحتوي على الرصاص والمعادن الثقيلة) تمهيداً لعزلها ومعالجتها ونقلها إلى مكبّ مخصّص للنفايات الخطرة قبل الشروع بالفرز.
ويُستثنى من مرحلة الفرز في المواقع المؤقتة تلك الواقعة ضمن المناطق المأهولة والقريبة من المنازل، إذ ستُنقل هذه المخلّفات مباشرة إلى المواقع النهائية لتُفرز هناك. غير أن هذه «النقلة» تستلزم سلسلة طويلة من الإجراءات، بدءاً بتحديد المسار الذي ستسلكه الشاحنات المحمّلة بالأنقاض، وما قد يسببه ذلك من غبار وانبعاثات وصولاً إلى الموقع النهائي.
كما يتطلّب العمل في هذه المواقع الالتزام بمجموعة من الشروط، أبرزها مدى وتأثير الأعمال القائمة فيها على المياه السطحية والجوفية، وحركة الشاحنات والحفر، إضافة إلى تأثير المعدات المستخدمة. ويستلزم الأمر كذلك دراسة وضع الموقع ضمن المنطقة المحيطة به، ومدى قربه من المناطق المأهولة، وسهولة الوصول إليه.
وبعد انتهاء هذه المرحلة، يتم فرز المخلّفات بحسب نوعيتها، وفق معادلة 70/30: يُستعاد 70% من الأنقاض لتحويلها إلى موادّ قابلة للاستخدام، تُدمج في الاقتصاد الدائري، سواء عبر إعادة توظيفها في عمليات البناء، أو رصف الطرقات، أو استصلاح الأراضي. أمّا الـ30% المتبقية، وهي المواد الخاملة وفق تقديرات الوزارة، فالتوجّه الحالي هو استخدامها في إعادة تأهيل المحاجر المتوقّفة عن العمل.
المواقع النهائية
مع ذلك، لم تُحدد حتى الآن المواقع المؤقتة التي ستجري فيها عمليات الفرز، كما لم تُحدّد المواقع النهائية (المحاجر) التي ستستقبل هذه المخلّفات لإتمام عملية الفرز. وما هو معمول به حالياً هو تحديد المحاجر “على الورق”، إذ أجريت مسوحات ميدانية لـ25 محجراً خاصاً وتسعة محاجر عامة، واستقرّ الرأي على اختيار أربعة محاجر عامة و13 محجراً خاصاً.
وقد أعطيت الأولوية وفق الآتي: في الجنوب والنبطية محجر عام (القليلة) وأربعة محاجر خاصة (الغندورية في بنت جبيل، مزرعة بصفور وجباع في قضاء النبطية، والبويضة في مرجعيون)، وفي بعلبك - الهرمل والبقاع محجران عامان (عرسال والتويتي) ومحجران خاصان (التويتي في زحلة وعين بورضاي).
يُشار إلى أنه لم يُجرَ التواصل بعد مع أيّ من أصحاب المحاجر الخاصة. وهذه ليست أزمة منفصلة عن العراقيل المحتملة التي قد تواجه خارطة الطريق، بما في ذلك تحديد كميات الركام المتبقّية، خصوصاً أن العشوائية التي طبعتبداية العمل، قد تؤثر لاحقاً على مرحلة التلزيمات.
كما توجد تحديات لوجستية تتعلق بكيفية الوصول إلى الوجهة النهائية. والأهم من ذلك، الحاجة إلى استكمال دراسات الأثر البيئي والاجتماعي، فضلاً عن الإجراءات الإدارية للحصول على الموافقات اللازمة للمحاجر. ورغم أن مدة هذه الإجراءات تُقدّر بنحو ثمانية أشهر، فإن الروتين الإداري قد يستهلك مزيداً من الوقت، ما قد يعرقل تنفيذ خارطة وزارة البيئة.
الصورة : (هيثم الموسوي)