
كتبت صحيفة "الجمهورية" تقول:
يقفل الأسبوع على حراك رئاسي يُنتظر أن يبلغ خواتيمه قريباً، بصوغ موقف لبناني موحّد لمواجهة تداعيات ما بعد اتفاق غزة على لبنان في ضوء التصعيد الإسرائيلي المتمادي، فيما يُنتظر بروز حراك عربي ودولي، من أجل إلزام إسرائيل بوقف النار والانسحاب إلى خلف الحدود، تنفيذاً للقرار الدولي 1701 وشرطاً للدخول في أي مفاوضات غير مباشرة معها، وهذا ما قصده رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في موقفه الأخير. وقد أوضح إعلام الرئاسة مساء أمس، أنّ «موقف الرئيس عون من مسألة خيار التفاوض لتحقيق الاستقرار والأمن في البلد، هو ما كان أعلنه في لقائه مع جمعية المحررين الاقتصاديين، وكل ما يصدر حول هذا الموضوع من تفسيرات او اقتراحات او مداولات هو مجرد تحليلات واجتهادات لا تنطبق مع الواقع».
في انتظار بروز معطيات جديدة لاستئناف التفاوض غير المباشر بين لبنان وإسرائيل عبر المقترح الأميركي، تبدو الساحة اللبنانية مشرّعة أمام إسرائيل لتكثيف ضرباتها ضدّ بنى تحتية اقتصادية تزعم أنّها على ارتباط وثيق بـ«حزب الله».
وفي هذا الإطار، استبعد مصدر سياسي بارز دخول مستجدات سياسية وشيكاً على ملف التفاوض. وأكّد لـ«الجمهورية»، «انّ الوقت الراهن متروك للطيران الحربي الإسرائيلي الذي سينفّذ بنك أهداف واسعاً لمنشآت صناعية، يعتبر العدو أنّها تساعد «حزب الله» في استعادة عافيته من جهة، ومن جهة أخرى يوجّه رسالة للدولة مفادها أنّ الأمر لإسرائيل بإعادة الإعمار». وكشف المصدر «انّ لبنان أصبح يستعد لمزيد من هذه الهجمات، مقابل مناخ عربي ودولي يعزز دعم الجيش اللبناني ويشجعه على الإمساك بزمام الأمور، وقد يستغرق هذا الأمر بعض الوقت قبل استئناف التفاوض».
ضربات عنيفة
وفي سياق متصل، توقفت مصادر سياسية بتمعن عند ما أعلنه الأميركيون في البيان الصادر عن اجتماع لجنة مراقبة وقف النار، قبل يومين، وجاء فيه، أنّهم يقدّرون استمرار «الشركاء» اللبنانيين في بذل الجهود في سياق السعي إلى نزع سلاح «حزب الله». فالبعض اعتبر أنّ هذا الكلام يطمئن إلى أنّ واشنطن «راضية» على نهج لبنان الرسمي، وأنّها ليست في صدد الوقوف إلى جانب إسرائيل إذا قرّرت القيام بأي اعتداء جديد. إلّا أنّ المصادر السياسية عبّرت عن انطباع مختلف، وأبدت قلقها في هذا المجال، وقالت لـ«الجمهورية»، إنّ أبرز دليل إلى مخاوفها هو قيام إسرائيل بتنفيذ ضربات عنيفة لأهداف مدنية في بلدة أنصار، بعد قليل من صدور بيان لجنة «الميكانيزم». وبالتأكيد، وضعت إسرائيل الجانب الأميركي في الصورة قبل ذلك. وفي أي حال، لم يُظهر الأميركيون أي ردّ فعل تجاه الضربات الإسرائيلية، ما يعني قبولهم بها.
وموقف واشنطن في شأن الضربات الإسرائيلية لا يبتعد كثيراً عن موقفها في شأن إطلاق الرئيس جوزاف عون مواقف إيجابية في شأن المفاوضات مع إسرائيل. فثمة انطباع لدى بعض دوائر القرار في الولايات المتحدة، أنّ هذه المواقف شكلية، وأنّ لبنان لا يستطيع تطويرها عملياً بسبب رفض «حزب الله» لذلك. والأرجح أنّ إسرائيل ستستغل هذه الثغرة للتحريض على لبنان.
موقف موحّد
في هذه الأجواء، جال رئيس الحكومة نواف سلام أمس على كل من الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وأجرى معهما جولة أفق في الاتصالات والتطورات الجارية، بعد دخول الاتفاق في قطاع غزة حيز التنفيذ.
وأفادت المعلومات الرسمية، انّ عون وسلام عرضا للأوضاع العامة في البلاد، ولا سيما منها الوضع في الجنوب في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية التي طاولت أيضاً منطقة البقاع. وتطرق البحث إلى التطورات الإقليمية بعد مؤتمر شرم الشيخ، والمواقف التي صدرت عنه. كذلك تناول البحث التحضير لجلسة مجلس الوزراء الأسبوع المقبل.
وذكرت المعلومات، أنّ عون وسلام بحثا ايضاً في المواقف التي أعلنها رئيس الجمهورية قبل ايام في شأن التفاوض غير المباشر مع إسرائيل لاستعادة كل الحقوق، وتمّ التركيز على ضرورة بلورة موقف لبناني موحّد من مجمل التطورات الجارية بعد اتفاق غزة.
اما اللقاء بين بري وسلام، فقد تناول، حسب المعلومات الرسمية، «الأوضاع العامة والتطورات السياسية والميدانية على ضوء مواصلة إسرائيل اعتداءتها على لبنان والجنوب».
بيان لا بيان
في غضون ذلك، نقلت قناة «الجزيرة» القطرية عن مصدر ديبلوماسي قوله، إنّ مجلس الأمن اعتمد أمس بياناً يدعم التزامات حكومة لبنان بممارسة سيادتها على أراضيها، ويحضّ المجتمع الدولي على دعم الجيش اللبناني لضمان انتشاره جنوب الليطاني.
وحسب المصدر الديبلوماسي، يكرّر المجلس، بحسب البيان، دعم قوات «اليونيفيل»، ويحضّ جميع الأطراف على احترام سلامة أفرادها وأمنهم، كما يدعو كل الأطراف إلى احترام التزاماتها بموجب اتفاق وقف الأعمال العدائية.
وأفاد المصدر، أنّ بيان مجلس الأمن يدعو إلى التنفيذ الكامل لقراري المجلس 1701 و1559، كما يرحّب باستعداد لبنان لترسيم حدوده مع سوريا وبجهوده لمنع التهريب.
وسألت «الجمهورية» مصادر رسمية معنية عن حقيقة هذا البيان لمجلس الأمن، فنفت علمها به، واكّدت انّ المراجع المسؤولة لم تتبلّغ اي شيء من هذا القبيل.
«حزب الله»
وعلى صعيد موقف «حزب الله»، ربطت مصادر مطلعة على موقفه من التصعيد الإسرائيلي بموضوع منع إعادة الإعمار. وتساءلت عبر «الجمهورية»: «كيف يمكن للبنان أن يفاوض إسرائيل بطريقة غير مباشرة في ظل عدم إلتزامها وقف إطلاق النار وعدم الانسحاب إلى خلف الحدود تنفيذاً للقرار 1701؟ وهل يمكن للبنان أن يفاوضها تحت النار؟». وقالت هذه المصادر «إنّ العودة إلى التفاوض غير المباشر يفرض على الأقل أن تلتزم إسرائيل بوقف إطلاق النار إذا كانت ترفض الانسحاب حتى الآن».
واعتبرت المصادر، أنّ التحذيرات والضغوط الخارجية على لبنان هدفها إضعاف الموقف اللبناني في مواجهة الضغوط والشروط الأميركية والإسرائيلية. وإشارت إلى أنّ «حزب الله» لم يتخذ أي موقف بعد مما طرحه رئيس الجمهورية، لكن إذا كان الهدف منه هو وقف العدوان وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من المناطق المحتلة، فلا مانع من هذا التفاوض إذا كان يحقق هذا الهدف.
وفي السياق، علّق عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب أمين شري على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على الجنوب، وقال إنّ «الهدف من هذه الاستهدافات هو منع أي محاولة لإعادة الإعمار في المناطق الحدودية»، داعيًا اللبنانيين إلى «التكاتف لمواجهة هذه المرحلة».
وقال إنّ «ما طرحه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يُسقط نموذج المفاوضات غير المباشرة الذي استُخدم في الترسيم البحري كصيغة لحل إشكالية النقاط الـ13 بين لبنان وإسرائيل»، مؤكدًا «رفض «حزب الله» المطلق لأي شكل من أشكال السلام أو التطبيع».
ووصف تقديم الحكومة شكوى إلى مجلس الأمن بشأن الاعتداءات الإسرائيلية بأنّه «خطوة إيجابية»، مجددًا التأكيد أن «لا مفاوضات مباشرة مع إسرائيل»، مشيرًا إلى أنّ «النقاش الجدّي في الاستراتيجية الدفاعية ممكن، لكن السؤال: هل يمكن نزع عناصر القوة التي يملكها لبنان؟ ولو لم يكن السلاح مصدر قلق لإسرائيل، فلماذا تستهدفه؟».
وأكّد شري أنّ «الجيش اللبناني لا يمكنه مواجهة إسرائيل دون تزويده بالتسليح اللازم»، كاشفًا أنّ «العائق الأساسي أمام انتشار الجيش جنوب النهر ليس قرارًا لبنانيًا بل معوقات إسرائيلية مباشرة»، وقال: «لدينا شهران ونصف لمراقبة المتغيّرات، وبعدها نعلن موقفنا، لكن نزع سلاح «حزب الله» غير مطروح».
تنديد إيراني
وفي غضون ذلك، ندّدت إيران بالغارات الأخيرة التي شنّتها إسرائيل على جنوب لبنان وشرقه، معتبرة أنّها نتيجة «تقاعس» الدول الضامنة لوقف إطلاق النار. وأكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في بيان، أنّ الضربات تمثّل «انتهاكاً صارخاً لوحدة الأراضي والسيادة الوطنية في لبنان». واتّهم فرنسا والولايات المتحدة، الضامنتين للهدنة، بـ«التقاعس والتساهل المستمر» إزاء «تكرار الخروقات».
المفاوضات مع صندوق النقد
ومن واشنطن، شدّد وزير المال ياسين جابر على «ضرورة دعم الولايات المتحدة الأميركية لموقف لبنان بإلزام إسرائيل بالتقيّد بوقف النار، ووضع حدّ لانتهاكاتها المستمرة لسيادة لبنان، وقال في اجتماع له في واشنطن مع مسؤولي الشرق الأوسط في البيت الأبيض «إنّ لبنان التزم منذ الإعلان عن وقف اطلاق النار بكامل مندرجات القرار 1701 وبكل الموجبات المطلوبة، وانّ الجيش اللبناني ينتشر بشكل فعّال، لكن المطلوب هو بتقيّد الجهة الأخرى بوقف النار، لأنّ من نتائج استمرارها أن تعيق عمل الجيش اللبناني وانتشاره في كامل المنطقة بشكل فعّال»، مضيفاً «أنّ هذا ليس رأياً أو وجهة نظر، انما وثقته قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) التابعة للأمم المتحدة العاملة في الجنوب».
وكان الوفد اللبناني إلى اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، استكمل لقاءاته مع المعنيين في المؤسستين الدوليتين، وكذلك مع المديرين التنفيذيين، والبارز منها اللقاء الذي حضّر له المدير التنفيذي للمنطقة العربية في البنك الدولي، وتمّ خلاله البحث في الزيارة المقبلة التي يزمع المدراء التنفيذيون للبنك الدولي من مختلف مناطق العالم القيام بها إلى لبنان. وستكون لهؤلاء لقاءات مع الرؤساء الثلاثة وجولات ميدانية على المناطق التي ينفّذ البنك الدولي مشاريع فيها ويموّلها جنوباً وبقاعاً وفي أكثر من منطقة.
هنيبعل القذافي
على صعيد آخر، بعد عشر سنوات على توقيفه، وافق المحقق العدلي في قضية خطف وإخفاء الإمام موسى الصدر القاضي زاهر حمادة على إخلاء سبيل هنيبعل القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، مقابل كفالة قيمتها 11 مليون دولار ومنعه من السفر. إلّا أنّ فريق الدفاع عن القذافي اعتبر انّ «موكلي لا يملك هذا المبلغ، واعتُقل تعسفياً لـ10 سنوات وبدون توجيه تهم، وهذا الرقم غير منطقي»، مشيرًا إلى انّ «أموال هنيبعل محجوزة وخاضعة للعقوبات منذ عام 2012، ومعظم أشقائه رفعوا العقوبات وحرّروا أموالهم وهو لم يتمكن من ذلك بسبب خطفه وسجنه تعسفياً في لبنان». وأضاف وكلاء الدفاع: «سنتقدّم بطلب إلغاء الكفالة. وما حدث اليوم بمثابة ردّ طلب إخلاء السبيل، فالقذافي مخطوف ولا يملك أوراقاً ثبوتية، وبعد 10 سنوات لم يظهر أي معطى يدينه في قضية الإمام الصدر ورفيقيه».
وكان هنيبعل مثل صباحًا أمام المحقق العدلي القاضي زاهر حمادة، بناءً على طلب عائلة الإمام المغيّب السيد موسى الصدر.
وعلّقت عائلة الصدر على إخلاء سبيل القذافي ببيان قالت فيه، انّها «كانت رفضت إخلاء السبيل وذلك لأنّها عندما أدّعت على هنيبعل بجرم كتم المعلومات والتدخّل اللاحق في جريمة خطف وإخفاء الإمام والشيخ محمد (يعقوب) والسيد (عباس بدر الدين)، فإنّها رفضت، لأنّ لا شيء تغير في معطيات الإدعاء، وما زال الموقوف منذ توقيفه ممتنعاً عن الإدلاء بما لديه من معلومات يملكها تفيد في الوصول إلى أماكن احتجاز الإمام وأخويه وتحريرهم». واكّدت «أنّ توقيف أو إخلاء سبيل هنيبعل القذافي ليس هدفاً لنا بل هو مجرّد إجراء قانوني. إنّ قضيتنا الأساس هي قضية تغييب الإمام وأخويه، وكل معلومة في هذه القضية يمكن أن تؤدّي إلى الوصول إلى الأحبة وتحريرهم والحفاظ على سلامتهم وحياتهم، وكلّ مماطلة وكلّ لحظة تمرّ عليهم في الأسر تشكّل خطرًا على حياتهم، وهي لمصلحة الخصوم وليست لمصلحتنا مطلقاً».
الصورة : (نقلا عن الجمهورية)