
يدخل «الكباش السياسي» حول التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب في لبنان مرحلةً سياسية يطغى عليها الاستعصاء أمام إنضاج تسوية لإنقاذ الانتخابات، ما لم يبادر الأضداد في البرلمان إلى تقديم التنازلات لقطع الطريق على تأجيلها، فيما يصر رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، ومعه رئيس الحكومة نواف سلام، على إجرائها في موعدها؛ لأن ترحيلها يلحق انتكاسة بالعهد، ويحرجه أمام المجتمع الدولي الذي يتعامل مع الانتخابات على أنها محطة لإعادة تكوين السلطة، وإحداث تغيير في ميزان القوى لن يكون لصالح «حزب الله».
فـ«الكباش السياسي» بلغ ذروته بإحالة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، كما علمت «الشرق الأوسط»، مشروع قانون الحكومة المعجّل المكرّر الرامي لشطب المادتين 112 و122 من قانون الانتخاب بما يسمح للمنتشرين اللبنانيين في بلاد الاغتراب بالاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً، إلى اللجنة النيابية الفرعية المولجة بدراسة الاقتراحات الخاصة بقوانين الانتخاب.
إحالة مشروع القانون إلى اللجان
وكشف مصدر نيابي بارز عن أن الإحالة تمت الثلاثاء الماضي، وجاءت بالتزامن مع العريضة، وهي الثانية، للنواب المنتمين إلى حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» وكتلتي «التجدد» و«مشروع وطن الإنسان»، وتحالف «قوى التغيير»، وعدد من النواب التغييرين والمستقلين، وحملت تواقيع 41 نائباً يطالبون فيها بري بعقد جلسة تشريعية تخصص لمناقشة مشروع الحكومة والتصويت عليه. وقال إن إحالة المشروع على اللجنة الفرعية ما هو، من وجهة نظر الموقعين على العريضة، إلا رد على ما تقدموا به.
ولفت المصدر النيابي إلى أن بري بإحالته مشروع الحكومة على اللجنة الفرعية استبق انتهاء المهلة المحددة للمنتشرين في بلاد الاغتراب لتسجيل أسمائهم لمن يودون الاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً، مع أن باب التسجيل أُقفل عند منتصف ليل الخميس - الجمعة الفائت، وبلغ عدد المسجلين 152 ألفاً؛ أي نحو 70 في المائة من العدد الإجمالي للمقترعين الذين سجّلوا أسماءهم للاقتراع في دورة الانتخابات الماضية.
مقاطعة توقيع العريضة
وقال المصدر نفسه إن العريضة الأولى حملت توقيع نائبين ينتميان لكتلتي «اللقاء الديمقراطي» برئاسة تيمور وليد جنبلاط و«جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية - (الأحباش)»، بخلاف الثانية التي أحجمت الكتلتان عن التوقيع عليها وهي الخاصة بمشروع الحكومة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادرها أن إحجامهما عن التوقيع على العريضة لا يعني تراجعهما عن تأييدهما لاقتراع المنتشرين من مقر إقامتهم لـ128 نائباً؛ لأن في ذلك مصلحة لهما، وتحظيان بتأييد في بلاد الاغتراب. ورأت أنهما فضلتا عدم التوقيع على العريضة انطلاقاً من رغبتهما بألا تكونا طرفاً في تعميق الشرخ السياسي داخل البرلمان، إفساحاً في المجال أمام استقدام المداخلات، وتحديداً من عون، للتوصل إلى تسوية لإنجاز الاستحقاق النيابي في موعده. وقالت إن إحجامهما ينسحب أيضاً على عدد من الكتل والنواب، ولنفس الدوافع التي أملت على الكتلتين عدم انخراطهما في محور نيابي يتزعمه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يتصدر المواجهة في وجه بري.
تجنب الخلاف مع بري
وبكلام آخر، تأكد للكتلتين أنهما ليستا في وارد الدخول في مشكلة مع بري وصولاً لتهديد علاقتهما به، من دون أن تقطعا مع النواب الموقعين على العريضة، وكانتا أبلغتا من يعنيه الأمر بأن نوابهما سيصوتون لصالح اقتراع المنتشرين في حال أنه طُرح للنقاش والتصويت عليه على الهيئة العامة في البرلمان.
مبارزة دستورية
وإلى أن يتم التوصل لتسوية تؤدي لإخراج الاستحقاق النيابي من التأزم الذي بدأ يتسم بطابع من التحدي غير المسبوق بين بري وجعجع، وصولاً لتعبيد الطريق أمام إنجازه في موعده، فإن السجال الدستوري بينهما، أكان مباشرة أم بالواسطة، لن يتوقف، ويأخذ حالياً طابعاً من المبارزة الدستورية التي لا يمكن أن تنتهي إلى غالب أو مغلوب، نظراً لأن الكتل الوسطية ليست في وارد الانحياز لطرف ضد آخر، وبالتالي الانخراط في مواجهة يدركون سلفاً أنها ستنتهي حكماً إلى تسوية، وإلا فإن الغموض يكتنف مصير الانتخابات النيابية ويهدد إنجازها في موعدها، فيما أخذ وزراء يلمسون في لقاءاتهم بعدد من السفراء المعتمدين لدى لبنان والموفدين الأجانب، أن حصرية السلاح بيد الدولة يتقدم على إنجاز الانتخابات. لذلك فإن بري وخصومه، يدخلون في سجال دستوري يسمح لكل فريق بالدفاع عن موقفه وهذا ما يتيح للأول، أي رئيس البرلمان، بحسب المادة الـ109 من النظام الداخلي للمجلس النيابي، أن يحيل مشروع الحكومة أو غيره من اقتراحات القوانين على اللجنة النيابية الفرعية، في مقابل تأكيد الفريق المناوئ له أن لا خيار أمامه سوى الدعوة لجلسة تشريعية لمناقشة مشروع الحكومة، ويعود القرار النهائي للهيئة العامة في البرلمان، بذريعة أنه لا يمكنه إدارة ظهره لرغبة كتل نيابية وازنة تشكل أكثرية، من وجهة نظره، بدلاً من التجاوب معها بالدعوة لعقد جلسة تخصص لحسم الموقف من المشروع.
الرهان على تدخل عون
لكن المبارزة الدستورية لن تستمر طويلاً؛ لأن عون سيتدخل في الوقت المناسب للتوصل لتسوية لا بد منها، ما دام أن بري وخصومه مع إجراء الانتخابات في موعدها، إلا إذا لجأت إسرائيل لتوسعة الحرب بتقطيعها بالنار أوصال البلد، ما يعكّر أجواء إتمامها.
ويتردد أن عون اتخذ قراره بالتدخل حرصاً منه على إجراء الانتخابات في موعدها التزاماً منه بما تعهد به في خطاب القسم، لكنه يتحرك بعيداً عن الأضواء لإنضاج الظروف أمام إنجازها، علماً بأن إجراء الانتخابات على أساس القانون الناجز حالياً، والذي يتمسك به بري ومعه «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، بحاجة لتعديل في جلسة تشريعية تؤدي لتعليق العمل بالبطاقة الممغنطة، وصرف النظر عن تمثيل الاغتراب بـ6 مقاعد، في مقابل حصر اقتراع المغتربين بمجيئهم إلى لبنان للمشاركة بالعملية الانتخابية، على أن تؤجل إذا استدعت الضرورة لأوائل الصيف.
الصورة : رئيس مجلس النواب نبيه بري (د.ب.أ)
