
كتبت صحيفة الجمهورية تقول: في اليوم الثاني من زيارته إلى لبنان، استهلّ البابا لاوون الرابع عشر برنامجه الروحي بجولة في دير عنايا وسط الترانيم المقدسة. وهناك، دخل ضريح القديس شربل، فركع وصلّى وأضاء شمعة حملها من روما هدية لدير مار مارون. وألقى قداسة البابا كلمة قال فيها: "نطلب السلام للعالم، ونتضرّع إليه بشكل خاص من أجل لبنان وكل المشرق. نذكّر بأن لا سلام من دون محادثات وحوار". أضاف: "يا رب، يا من منحت القديس شربل أن يحافظ على الصمت في الحياة الخفية ويستنير بنور الحق، امنحنا نحن الذين نقتدي بمثاله أن نخوض في صحراء العالم جهاد الإيمان الحسن".
من عنايا إلى حريصا، حيث انتقل البابا لاوون الرابع عشر الى بازيليك سيدة لبنان للقاء الأساقفة والكهنة والراهبات والمكرّسين والعلمانيين العاملين في الحقل الراعوي، في محطته الثانية في برنامج زيارته لبنان، وسط تصفيق حار من الحضور شق البابا طريقه بصعوبة الى المذبح بعد أن امتلأت البازيليك بحوالى 2700 شخص جاؤوا من لبنان ودول الجوار وأوروبا وأميركا وأستراليا.
ثم ألقى البابا كلمة قال فيها: "بفرح كبيرٍ ألتقي بكم في هذه الزّيارة التي شعارها : "طوبى لفاعلي السلام راجع) متّى (5 (9) الكنيسة في لبنان، الموحَّدَة في وجوهها المتعدّدة، الله أيقونة لهذه الكلمات، كما قال القديس البابا يوحنا بولس الثاني، الذي أحَبَّ شعبَكُم محبَّةً كبيرة: في لبنان اليوم، أنتم مسؤولونَ عَن الرَّجاء" (رسالة إلى مواطني لبنان، 1 أيار / مايو (1984)".
وقال: "لِتَذكَّر أن مدرستنا الأولى هي الصليب، وأنّ معلمنا الوحيد هو المسيح راجع متى (23 .10 في هذا السياق، كلمنا الأب شريل على خبرته في الرّسالة داخل السجون، وقال إنّه هناك بالتحديد، حيث لا يرى العالم سوى الجدران والجرائم، نحن نرى في عيون السجناء، التائهة تارةَ ، والمتألقة برجاء جديد تارةً أخرى، وداعة الله الآب الذي لا يتعب أبدًا من أن يغفر . وهذا صحيح: نحن نرى وجة يسوع منعكسًا في وجه المتألم وفي وجهِ من يعتَنِي بالجراح التي سببتها الحياة. بعد قليل سنقوم بعمل رمزي وهو تسليمُ الوردة الذهبية لهذا المزار. إنّه عمل قديم، يحمل بين معانيه الدعوة إلى أن تنشر بحياتنا، رائحة المسيح الطيّبة راجع 2 قورنتس ،2 (14 أمام هذه الصورة، أفكَرُ في الرائحةِ التي تتصاعد من الموائد اللبنانية، المميزة بتنوع الأطباق التي تقدمها وبالبعد الجماعي القوي في مشاركتها. إنَّها رائحةً مكونةً من ألف رائحة توثز بتنوعها وأحيانًا بمجموعها معًا".
وختم: "هكذا هي رائحة المسيح الطيبة. ليست منتجا باهظ الثَّمَنِ ومحصورًا في قلةٍ قليلةٍ قادرة على أن تقتنيه، بل هو النكهة التي تنبعث من مائدة سخية تتسع لأطباق كثيرة مختلفة، ويستطيعُ الجميع أن يشارك فيها معا. ليكن هذا روحُ الرتبة التي نريد أن نقوم بها، وقبل كلّ شيءٍ الروحُ التي نجتهدُ أن نعيشها كل يوم متَّحدين في المحبة".
وقدم البابا وردة ذهبية للعذراء مريم، بحسب التقليد المتبع. كما قدمت له هديتان تذكاريتان.
هذا واحتصنت ساحة الشهداء في وسط بيروت اللقاء المسكوني والحواري بين الأديان الذي جمع البابا برؤساء الطوائف في لبنان ونحو 300 مدعو والذي وتضمن تسع كلمات للرؤساء الروحيين المسيحيين والمسلمين، اضافة الى حضور منشدين من جوقات: سيستاما بيروت ترنم، ودار الأيتام الاسلامية ومؤسسة الإمام الصدر.
ولدى وصول البابا الى ساحة الشهداء تم استقباله من قبل البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، وبطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ونائب رئيس المجلس التسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب.
وتوجه البابا على وقع الهتافات والتصفيق الى المنصة التي صممت على شكل دائري رمزا للوحدة وفي خلفيتها اشجار الزيتون .
وقال البابا: " يرتكز الحوار في الشرق الاوسط على الراوبط الروحية التي تجمع المسيحيين مع المسلمين واليهود". أضاف: " في هذه الأرض لم ينطفئ صدى الكلمة وتنظر الانسانية الى الشرق الاوسط بقلق وإحباط أمام صراعات مؤلمة عبر الزمن ومع ذلك رغم التحديات نجد معنى للرجاء والعزاء".
وتابع: "يبقى شعب لبنان بدياناته المختلفة يذكّر بقوة بأن الأحكام المسبقة ليست لها الكلمة الأخيرة انما المصالحة والسلام أمر ممكن وهذه الارض شاهدة للحقيقة الدائمة بأن المسيحيين والاسلام والدروز وسواهم قادرون على العيش معاً في بلد يتحلى بالحوار".
كما غرس البابا لاوون شجرة زيتون مباركة خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء، وقد رواها إلى جانب كل من شيح عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأورثوذكس يوحنا العاشر يازجي.
وفي مواقف لافتة من الجانب الإسلامي، اكد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عيد اللطيف دريان ان "ثوابِتَنَا الوطنيةَ، في قِمَمِنا الرُّوحية ، ونَحتَرِمُ الحُرِّيَّاتِ الدِّينيَّةَ وحقوقَ الإنسان ، كأساسٍ للعيشِ المُشتركِ في مُجتمعِاتِنا المتنوِّعَةِ والمُتَعَدِّدة ، ولا نِتدِخَّلُ في الخصوصِيَّات ، فبلدُنا لبنان يَحمي دُستورُه حقَّ الطَّوائفِ في مُمارسةِ شرائعِها".
أضاف: " أُرَحِّبُ بِضَيفِ لبنانَ الكبير، البابا لاوَون الرابعَ عَشَر، مُتمنِّياً له التَّوفِيقَ في قِيَادَةِ السَّفِينَةِ المَسِيحِيَّة، لِمَا فيه خَيرُ الإِنسانِيَّة ، على النَّحوِ الذي تُجَسِّدُهُ وَثِيقَةُ الأُخُوَّةِ الإِنسانِيَّةِ ، بَينَ إِمَامِ الأَزهَرِ الشَّرِيف ، الشيخ أحمد الطيّب ، والبابا الراحل فرنسيس".
وختم دريان: "إنَّ لبنانَ هو أَرضُ هذِه الرِّسَالة ، وهو رَافِعُ رَايَتِها، وَالعَامِلُ عليها ولها . ولذلك فإنَّنا ، نَعُدُّ أَنْفُسَنا مُؤتَمَنِينَ ، دِينِيّاً وأخلاقِيّاً ووطنِيّاً ، على حَملِ مَشعَلِ هذِه الرِّسَالَة ، حتَّى يَعُمَّ الأمنُ والسَّلامُ في العالَم ، وحتَّى تَسُودَ المَحبَّةُ بينَ جَميعِ الأُمَمِ والشُّعُوب".
كما رحّب نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب، في كلمة خلال اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء بالبابا لاوون الرابع عشر، وقال: "يسعدنا في هذا اللقاء أن نرحّب بكم في لبنان باسم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والطائفة الشيعية مقدّرين الزيارة لبلدنا ومثمنين مواقفكم في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها بلدنا".
أضاف: "نقدّر زيارتكم في هذه الظروف ولطالما اعتبر الكرسي الرسولي لبنان رسالة وكلنا أمل بأن تثمر زيارتكم في تعزيز الوحدة الوطنية المهتزة في هذا الوطن المثقل بالجراح بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر". تابع: "لسنا هواة حمل سلاح ونضع قضية لبنان بين ايديكم لعل العالم يساعد بلدنا على الخلاص".
ثم انتقل البابا لاوون الرابع عشر الى ساحة بكركي ملقيا التحية على الحشود الكثيفة التي ملأت الساحة، وقد فاجأ الجميع، بتجوله بينهم على متن آلية من دون زجاج عازل.
وبعد مباركة الحشد الكبير في باحة الصرح البطريركي في بكركي تسلم قداسة البابا لاون من على المنصة المخصصة لكرسيه والى يمينه البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عددا من الهدايا الرمزية التي تجسد لبنان واهله على تنوعهم واعدين قداسته بان يكون لبنان داعي سلام. بعدها منح قداسته البركة الرسولية للبنان واهله.
والقى البطريرك الراعي كلمة قال فيها: أهلاً بكم في لبنانَ، هذا البلدِ الصغيرِ بمساحته، الكبيرِ برسالته".
أضاف: " اليومَ يستقبلُكم لبنانُ، لا ببهرجة القصور، بل برهافةِ جراحه. يُقدِّمُ لكم أثمنَ ما يملِكُ: دموعَه وقد صارت لآلئَ رجاءٍ، وجبالَه وقد غدت مذابحَ تضرّعٍ وصلاة".
تابع: "شبابَنا يتطلّعون إلى بناء لبنانَ جديدٍ، لبنانَ يحتضنُ تعدّدَ انتماءاتِه الدينيّةِ والثقافيّة، ويُثمِّرُها في روح الأخوّةِ والوئام. يريدون وطنًا يكونُ فيه الإيمانُ قوّةً فاعلةً لا انطواءً، ويكونُ فيه التنوّعُ غِنىً لا انقسامًا، والسلامُ فيه غلبةً على البَغضاء وإخاءً مستدامًا".
بدوره، توجه البابا لاوون الرابع عشر في بداية كلمته إلى الشبيبة بالعربية: "السلام لكم".
وقال: "أشكركم جميعا على هذا الاستقبال وأشكر البطريرك الراعي على كلماته المعبّرة وأحيي الشباب القادمين من لبنان وسوريا والعراق".
واعتبر أن "تاريخ لبنان كان مليئاً بالإنجازات والتميّز لكن فيه أيضاً جروحاً عميقة يصعب معالجتها".
تابع: "المستقبل بين أيديكم ولديكم فرصة تاريخيّة لتغيير المستقبل والحبّ قادر على معالجة جروح الجميع". وأكد أن "وطنكم سيستعيد شبابه علامة الوحدة والخصوبة عند الشعب".
ورأى ان "السلام ليس كاملاً إنّ كان ثمرة مصالح لبعض الشخصيات، وليس هناك من سلام من دون عدالة ولا عدالة من دون غفران".
إقليمياً، زار قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، رافي ميلو، مواقع عسكرية على امتداد الحدود مع سوريا ولبنان، للاطلاع على تدريبات القوات وإجراء تقييمات ميدانية للجهوزية.
وبحسب ما نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست"، أجرى ميلو سلسلة اجتماعات ميدانية خلص فيها إلى أنّ القوات المنتشرة “في مستوى عالٍ من التأهب دفاعيًا وميدانيًا، ومستعدة لأي تطورات محتملة في منطقتي سوريا ولبنان”. وقال ميلو إن الجيش “لن يسمح بترسّخ الإرهاب على الحدود”، مؤكدًا أن وحدات الجيش ستواصل العمل “بحزم وبمبادرة لإزالة التهديدات قبل تطورها”.
وكشفت مصادر "الحدث" أن المبعوث الاميركي توم برّاك حمل رسالة للعراق تحذّر من عملية إسرائيلية قريبة ضد حزب الله بلبنان، وقال إنها ستستمر حتى نزع سلاح حزب الله.
كما حذر براك العراق من ضربة إسرائيلية قاسية له إذا تدخلت الفصائل إلى جانب حزب الله.
أما دولياً، فأعلن الكرملين، أن مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، سيزور موسكو الثلاثاء للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إطار الجهود الأميركية المتواصلة لدفع خطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
الصورة : (نقلا عن الجمهورية).
