بقلم المستشار
الصحافي أحمد الغربي
تزدحم في الذاكرة والبال صور حرب إبادة، أرض محروقة، رائحة الموت تفوح، قتل جماعي، ومذابح ارتكبها الاحتلال في ملجأ بناية جاد، والثانوية، وبنايات التعمير، والمستشفى الحكومي .. مذابح تمتد من دير ياسين إلى ما لا نهاية.
غزاة مارقون، دمروا المدينة وأحرقوها .. وهي التي أحرقت نفسها يوماً مفضلة الموت على الذل والخنوع.
صورة امرأة تبحث عن جثة فلذتها بين أكوام الجثث المتفحمة والمتكدسة هناك فوق بعضها عند تقاطع نزلة صيدون الراهبات والتي يحمل اليوم اسم: "ساحة الشهداء" ..
صور طوابير الرجال والكهول في زمن الانتظار الطويل على البحر بانتظار زمور العميل الذي سيحولهم إلى أسرى ومعتقلين في مدرسة الراهبات، ومعمل صفا تمهيداً لنقلهم إلى زنازين الاعتقال في عتليت، ولاحقاً أنصار.
عنت الاحتلال وعسفه وصلفه، وقد سام المواطنين صنوف العذاب والقهر، وذل المعابر ، وحصار الأحياء.
وماذا نقول عن حثالة البشر أي العملاء الذين مارسوا أفظع ارتكاباتهم؟ وعن ميليشيات متعاملة اغتالت عشرات اللبنانيين، وخطفت وانتهكت الأعراض؟
لا يتسع المجال إلا لعرض بضعة صور عن وحشية الاحتلال الصهيوني . فسجل إرهابه ومذابحه حافل ومستمر.
لكن .. في صيدا المنتصرة، رجال مرد، وميامين وأشاوس من أبنائها ومن المقيمين فيها، أذّنوا لفجر الانتصار، تبرجوا زي القتال زمن الاحتلال الغدار، وتصدوا بإرادة لا تلين للمحتلين .. رجال آمنوا أن النصر صبر ساعة .. توهجوا وتوثبوا .. قاوموا بصليات رشاشتهم وعبواتهم وقنابلهم .. قضّوا مضاجع الاحتلال، وهم أعدموا قوافل الغزاة وجند الاحتلال في شوارع المدينة وساحاتها.
وإذا كان للفعل الميداني المقاوم المتصاعد وتيرة، ودور حاسم في معركة تحرير صيدا، فإن "وحدة الموقف" لقوى وفاعليات سياسية وروحية كان مميزا ومتميزا، ولعب دورا فاعلا، وكذلك وحدة الموقف مع العمق الجنوبي للمدينة، وعلاقات التواصل والصلة الوثقى مع قيادات الجنوب وعلمائه.
ولا يغيب عن البال مشاركة أبناء مخيمي عين الحلوة والميه وميه في الفعل المقاوم فترة احتلال صيدا.
هكذا .. انتصرت صيدا .. بالمقاومة لا بالمساومة .. وتحررت من ربق الاحتلال الصهيوني وطردته ذليلا.
في عرس انتصار صيدا .. تحية لكل من ساهم في إنجاز هذا التحرير، أكان عبر موقف وطني رافض الاحتلال .. فالموقف سلاح .. أو كان عبر المشاركة في الاعتصام والإضراب والاحتجاج، ومساعدة المقاومين ..
وكل شكر للإعلاميين الذين فضحوا بالكلمة والتحقيق والصورة همجية العدو .. والتحية الكبرى للأسرى والمعتقلين والجرحى والشهداء.
في ذكرى تحرير صيدا .. عذرا، أيها المقاومون الشهداء والأحياء .. نحن محتلون اليوم من جديد في حريتنا وحياتنا ولقمة عيشنا ومستقبل أولادنا .. محتلّون من طبقة سياسية فاسدة مجرمة دمرت البلاد ونهبت العباد.
عذرا .. حتى الآن لم نستطع الانتصار عليها والتخلص منها.