بقلم
خليل ابراهيم المتبولي
تُعتبر ثورة 23 يوليو من العام 1952 واحدة من أهم الثورات في التاريخ المصري والعربي. جاءت كاستجابة للظلم والاستعباد الذي كان يعيشه الشعب المصري تحت حكم الملكية والنفوذ الأجنبي. قادها مجموعة من الضباط الأحرار وعلى رأسهم جمال عبد الناصر ، الذي أصبح فيما بعد رئيساً لمصر، ورمزًا للتحرر والعدالة الاجتماعية في العالم العربي وإفريقيا، هؤلاء القادة تميّزوا بروح وطنية عالية وإرادة قويّة للتغيير، لقد استطاعوا بفضل جهودهم وتضحياتهم الإطاحة بالنظام الملكي وإعلان مصر جمهورية عربية ، كان لهذه الثورة تأثير كبير على مصر والعالم العربي، حيث أدّت إلى تغييرات جذرية في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما أنها استطاعت تحقيق أهدافها وتحويل مصر إلى دولة مستقلة ذات سيادة.
لم تكن ثورة 23 يوليو مجرد تغيير سياسي، بل كانت تسعى لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية كتحقيق الاستقلال الوطني وذلك من خلال التخلص من النفوذ الأجنبي واستعادة السيطرة على الموارد الوطنية، وقد تجسّد هذا الهدف بوضوح في تأميم قناة السويس عام 1956، مما أدى إلى مواجهة العدوان الثلاثي، وكإلغاء النظام الملكي وإعلان مصر دولة جمهوريّة، مما أعطى الشعب المصري الفرصة لتأسيس نظام حكم جمهوري يعبّر عن إرادته، كما عملت الثورة على تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إصلاحات زراعية وتقليل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، مما أدى إلى تحسين أوضاع الفلاحين والعمال، مع تحرير الاقتصاد الوطني من خلال سياسات التأميم والإصلاح الاقتصادي، وذلك ببناء اقتصاد مستقل يعتمد على الموارد الوطنية ويعزز التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تعزيز الوحدة الوطنية والعربية بهدف تحقيق تضامن عربي قوي في مواجهة التحديات المشتركة.
تُعاني غزة اليوم من حصار طويل الأمد وصراع مستمر مع الاحتلال الصهيوني، وتعيش في ظروف صعبة تشمل نقصاً حاداً في الموارد والخدمات الأساسية، وتفريغها وإبعاد أهلها عنها من خلال تدميرها دمارًا ممنهجًا وإبادة أهلها إبادة جماعيّة. إنّ هذا الصراع يؤثّر بشكل مباشر على حياة المدنيين، ويصعّد من حدة الأزمات الإنسانيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة .
فإذا ما ربطنا بين روح ثورة 23 يوليو والأوضاع الحالية في قطاع غزة نرى أن ما حصل في 7 تشرين وما سمي بطوفان الأقصى ليس إلا ثورة حق في وجه الظلم والاستعباد، مع سعي الشعب الفلسطيني إلى التحرر من الاحتلال الصهيوني والحصار المفروض عليه بالمقاومة والكفاح المسلح للحصول على حقه في تقرير المصير، ومثلما عملت ثورة 23 يوليو على تحقيق العدالة الاجتماعية في مصر، يحتاج سكان غزة إلى جهود دوليّة ومحليّة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، والتغلب على الحصار الذي يفاقم معاناتهم، وكما كان هدف الثورة الرئيسي أيضًا تعزيز الوحدة الوطنية والتضامن العربي كذلك يبقيان مهمان اليوم لدعم القضية الفلسطينيّة عامةّ وقطاع غزة خاصة ولدعم صمود الشعب الفلسطيني.
في ذكراها، تظل ثورة 23 يوليو رمزاً للحق في وجه الظلم والاستعباد، وتجسيدًا للقيم التحررية والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية. وبينما يحتفل المصريون عامّة والناصريون خاصّة بذكراها، يبقى الأمل قائماً في أن يجد الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية كافة دعماً لتحقيق أهدافهم في الحرية والعدالة واسترجاع الأرض، تماماً كما حققتها مصر بفضل ثورة 23 يوليو. هذه القيم والمبادئ التي قامت عليها الثورة يمكن أن تكون مصدر إلهام للشعوب المضطهدة في سعيها نحو مستقبل أفضل.