كتبت صحيفة "الجمهورية": الأعصاب مشدودة على امتداد المنطقة، حيث تلوح في أفقها نُذر انفجار كبير، عززت احتمالاته الخطوات العدوانية الاسرائيلية بالعدوان على الضاحية الجنوبية، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية في طهران، بالتزامن مع حدث امني مماثل في العراق. وهذه الاحداث خلقت واقعا جديدا يغلي فوق فوهة بركان، ربطا بالتهديدات المباشرة من قبل ايران، بردود عقابية على اسرائيل، التي اعلنت بدورها انها مستعدة لكل السيناريوهات، فيما تخوفت منصات اعلامية اسرائيلية من أن تتلقى اسرائيل وابلاً من الصليات من ايران ولبنان، مرجّحة انّ تل ابيب ومحطات الطاقة في الجنوب والشمال هي الهدف الاساس.
حصيلة العدوان على الضاحية بلغت حتى الآن خمسة شهداء ونحو 80 جريحاً من المدنيين،. فيما ظل مصير القيادي في «حزب الله» فؤاد شكر، غامضا حتى مساء أمس، حين أصدر الحزب بياناً، نعى فيه فؤاد شكر، جاء فيه: بعد مسيرة حافلة كلها إيمان بالله وعهد مع الله وصدق في هذا الإيمان والعهد وجهاد دؤوب بلا كلل ولا ملل وانتظار طويل للقاء الله تعالى والأحبة الذين سبقوا من إخوانه القادة والشهداء والاستشهاديين وفي ذروة الشوق لهذا اللقاء، مَنَّ الله تعالى على عبده المجاهد والصادق والمخلص والعاشق بوسام الشهادة الرفيع وأذِنَ له بهذا اللقاء الأبدي في رضوان الله وجواره هو القائد الجهادي الكبير الأخ العزيز والحبيب السيد فؤاد شكر (السيد محسن) الذي نزفه شهيداً كبيراً على طريق القدس، تُقَدِّمُهُ مقاومتنا عنواناً لالتزامها الحاسم وعزمها الراسخ بمواصلة الجهاد حتى تحرير الأرض والمقدسات والإنسان من ظلم ووحشية هذا الكيان الغاصب والمجرم والقاتل، ورمزاً من رموزها الكبار من صانعي انتصاراتها وقوتها واقتدارها ومن قادة ميادينها الذين ما تركوا الجهاد حتى النَّفْسِ الأخير.
وكما كان حضوره المباشر في الحياة معنا قوةً مميزة للمقاومة ستكون شهادته العظيمة دفعاً قوياً لإخوانه المجاهدين من أجل المُضِي قُدماً بثباتِ وشجاعة لحفظ الإنجازات والانتصارات والمقدرات وتحقيق الأهداف والآمال التي كان يتطلع إليها هذا القائد الكبير.».
واشار البيان الى « ان موقفنا السياسي من هذا الاعتداء الآثِم والجريمة الكُبرى سَيُعَبِّرُ عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مسيرة تشييع الشهيد القائدِ اليوم.
قواعد حربية
العدوان الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية نقل المواجهة بين «حزب الله» وإسرائيل إلى مدار آخر، خارج سياق ما كان معهودا من مواجهات بينهما في منطقة الحدود الجنوبية، منذ تشرين الاول من العام الماضي، تتراكم فيه احتمالات حربية، أقلها احتمال انضباط هذه المواجهات ضمن قواعد اشتباك جديدة بلا كوابح او ضوابط.
الأجواء ملقّمة بسيناريوهات مفخّخة، والتوتر على أشده؛ ما فوق المستوى الأحمر، وثمّة استحالة أكيدة في تقدير معالم الغد المجهول، وما ستحمله الأيام المقبلة، وربما الساعات المقبلة من تطورات. وكلّ الأنظار من الداخل والخارج ترصد «حزب الله» وتترقّب زمان ومكان وطبيعة وحجم وحدود ردّه على هذا العدوان، وارتدادات هذا الردّ على الميدان الحربي المفتوح الذي تُجمع التقديرات والتحليلات على أنه بات مفتوحاً أكثر من أي وقت مضى، لأن تتدحرج كرة ناره وتتمدد إلى كل الجبهات والساحات.
محاولات احتواء الردّ
الساعات التي تلت العدوان على الضاحية، ووفق معلومات موثوقة لـ»الجمهورية»، شهدت كثافة في حركة الاتصالات من اكثر من جهة دولية. وضمن هذا السياق تندرج زيارة السفيرة الاميركية ليز جونسون لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، التي تواكبت مع حركة أممية في اتجاه عين التينة ووزارة الخارجية عبر وكيل الامين العام للامم المتحدة لعمليات السلام جان بيار لاكروا والقائد العام لقوات اليونيفيل الحنرال ارولدو لازارو.
وبحسب المعلومات فإنّ العنوان الظاهري لحركة الاتصالات هو التعبير عن مخاوف جدية من توسّع المواجهات، وإبداء النُصح بضبط النفس وتجنّب الحرب. وأمّا جوهرها فمحاولة واضحة من أصحاب مقولة انّ من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها، لتمرير العدوان باعتباره عملا محدودا حصل وانتهى الأمر، والتركيز على ضبط إيقاع «حزب الله» وثَنيه عما سمّوه ردّاً يؤزّم الأمور أكثر، ويعزز احتمالات اشعال الحرب». وتؤكد مصادر المعلومات الموثوقة انّ هذه المحاولات لم تلق تجاوبا معها كونها تماشي القاتل، وتدين القتيل.
الرد حتمي
وفيما اعلنت ايران على لسان مرشدها السيد على خامنئي بأن «اسرائيل باغتيالها اسماعيل هنية وَفّرت لنفسها عقوبة قاسية، والانتقام لدم هنية من واجباتها لأن الإغتيال وقع على اراضينا»، بالتزامن مع اعلان الحوثيين عن «ان التنسيق جار في مسار الرد الذي سيكون شافيا وكبيرا وبحجم الحدث وبحجم الاستهداف»، فإن كل الاجواء المحيطة بـ»حزب الله» تؤكد حتمية رده على العدوان. ولكن لا تحديد لزمان ومكان وحجم الرد، وخصوصا أنّ الحزب ما زال ملتزما الصمت. ومعلوم عنه تكتّمه الشديد حيال أيّ خطوة ينوي القيام بها. فضلاً عن انّ الحزب منشغل حالياً بجلاء مصير القيادي في الحزب فؤاد شكر، وسط مؤشرات تشاؤمية ترجّح فرضية استشهاده. (يشار في هذا السياق الى أنّ بعض القنوات الفضائية ذكرت ان فرق الانقاذ تمكنت بعد ظهر امس من انتشال جثمان الشهيد شكر من تحت الركام).
واستوضحت «الجمهورية» مسؤولا حزبيّا ما يمكن أن يُقال حول طبيعة الرد على العدوان الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية، فرفض التعليق، مكتفياً بالقول: «حزب الله» ملتزم بحماية اهله والدفاع عنهم، والرد على هذا العدوان سيخبّر عن نفسه عند حصوله».
شكوى إلى مجلس الأمن
الى ذلك، قررت الحكومة اللبنانية تقديم شكوى الى مجلس الأمن الدولي ضد اسرائيل. وقال الرئيس نجيب ميقاتي في مستهل الجلسة الطارئة التي عقدتها الحكومة في السرايا الحكومية أمس: «ان التطورات نقلت الوضع من حالة الاشتباك إلى وضعية الخطر المفتوح على مخاوف كبيرة».
ولفت ميقاتي الى أن بيروت تقصف، وتُغتال فيها العدالة الانسانية وهناك الجنوب لا يزال تحت القصف والحرق والقتل والتهجير وتدمير البلدات على مشهد من العالم، وكأنّ كل ما يحصل من إجرام هو مجرد حادث». واعتبر ان «القصف على الضاحية هو قصف لمبادرات الخير ومساعي التهدئة والتفاهمات، ونحن سنبقى نعمل في سبيل إنقاذ بلدنا وحماية مجتمعنا من أي خطر».
واكد أنّ «لبنان لا يريد الحرب بل الحفاظ على كرامة ابنائه وسيادته على الأرض والبحر والجو من دون أي تهاون بحقوقه». وطالب بتنفيذ القرار 1701 كاملاً وبحذافيره، داعيا «المجتمع الدولي ووسطاء السلام إلى ان يكونوا شهوداً للحق ويدينوا الباطل ويعملوا في سبيل الامن والاستقرار».
وناشد اللبنانيين «أن نتكاتف جميعاً ونكون قادرين على إثبات وحدتنا وتأكيد تضامننا مع اهلنا ورفضنا لأي اعتداء يطال اي منطقة من لبنان».
وقال ميقاتي في مداخلة له خلال انعقاد جلسة مجلس الوزراء في السرايا: «كنت أتمنى لو أن الوزراء المقاطعين شاركوا في الجلسة اليوم لأنّ نهج المقاطعة غير مجد في هذا الظرف الخطير».
وفي مجال آخر، قال ميقاتي: «ندين بقوة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ونرى في هذا العمل خطراً جدياً بتوسّع دائرة القلق العالمي والخطر في المنطقة، كما نتقدم بالتعزية من أهالي ضحايا مجدل شمس العربية في الجولان المحتل».
«أمل» تدين
الى ذلك، وفي بيان لها بتوجيه من رئيس مجلس النواب نبيه بري، دانت هيئة الرئاسة في حركة «أمل» العدوان الاسرائيلي على الضاحية، لافتة الى «أنّ الجريمة التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي امس الاول، من خلال عدوانه الجوي الجبان مستهدفاً العاصمة بيروت في ضاحيتها الجنوبية، لا يعقل ولا يجوز أن يكون محط إدانة وطنية وعربية ودولية على أهمية الإدانة والشجب لهذه المجزرة، بل يستدعي تحركاً دولياً وإقليمياً وأممياً عاجلاً لوقف آلة القتل الاسرائيلية وعدوانيتها التي باتت عابرة ليس فقط للحدود الجغرافية إنما أيضاً للقوانين والقواعد الإخلاقية والإنسانية ولكافة شرائع حقوق الانسان».
واكدت «ان استمرارها على النحو القائم منذ ما يزيد عن تسعة أشهر ونيف من غزة الى لبنان وسوريا واليمن والعراق، وصولاً الى ما حصل فجراً من اغتيال آثِم وجبان لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس الاخ إسماعيل هنية، سوف يضع المنطقة وأمنها وإستقرارها في مهب الجنون والإرهاب الإسرائيليين».
وافاد موقع «اكسيوس» الاميركي بأن وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت أبلغ الى وزير الدفاع الاميركي ان اسرائيل لا تنوي التصعيد، ولكنها مستعدة للرد على أي هجوم لـ»حزب الله».
الحرب الشاملة
الى ذلك، قال مسؤول كبير رداً على سؤال لـ»الجمهورية»: انه قلق من تطور الامور الى حرب شاملة.
ولفت المسؤول عينه الى ان اسرائيل تحاول، وبعدما فشلت في غزة ووصلت الى طريق مسدود لجهة عدم تمكنها من تحقيق اهدافها، توسيع رقعة الحرب، وتوريط العالم بحرب تشعل كل المنطقة. مشيرا الى ان الجهد الاسرائيلي في هذا الاتجاه واضح، بدءًا بالتلطي خلف افتعالها لمجزرة مجدل شمس، ثم باستهداف الضاحية الجنوبية، واخيرا وربما ليس آخرا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية. كل ذلك يؤكد الى اين تقود اسرائيل المنطقة.
واكد المسؤول عينه ان أحداً لا يستطيع ان يقدّر مآل الأمور إن توسعت شرارة الحرب، ولكن إن كانت اسرائيل تعتقد أنها قد تنجو من اشتعال المنطقة فهي واهمة بالتأكيد، حيث ستطالها النار من كل الجهات.
ولكن ماذا عن الاميركيين، وهل يغطّون مغامرة اسرائيلية تشعل المنطقة؟ أجاب: الاميركيون قالوا انهم لا يريدون أن يتوسع نطاق الحرب، ويدعون الى الحل السياسي. لكنهم يناقضون انفسهم حينما يقولون انهم سيدعمون اسرائيل في حال اندلعت الحرب. اعتقد ان الاميركيين كانوا صادقين حينما قالوا ان توسيع الحرب سيضرّ بمصالح الجميع، لأنهم يخشون بالفعل على تضرر مصالحهم الواسعة في المنطقة، وهذه الخشية اعتقد انها ستتفاقم اكثر مع طبول الحرب الاقليمية التي تُقرع، والتي ما من شك ان المنطقة ستشهد تغيرات وتحولات ربما تكون جذرية إذا ما انزلقت الامور الى هذه الحرب.
باريس: قلق بالغ
وفي سياق متصل، أبلغت مصادر ديبلوماسية فرنسية الى الجمهورية قولها: «انّ الديبلوماسية الفرنسية ناشطة في كل الاتجاهات لاحتواء التصعيد».
وجددت المصادر التأكيد على الحاجة الملحّة لحل ديبلوماسي يُنهي المواجهات القائمة في المنطقة الجنوبية. وقالت: نحن نتواصل مع كل الاطراف. ونؤكد على ضبط النفس درءاً للسقوط في منزلقات ومخاطر كبرى على كل الاطراف، الا ان المصادر قالت انّ المجريات التصعيدية الاخيرة تزيد المخاوف من تَسارع الخطى الى حرب مؤلمة ووقائع وخيمة.
وكان السفير الفرنسي في لبنان هيرفيه ماغرو قد اعتبر في تصريح أمس «أن الوضع دقيق وخطير، وعملنا كثيرًا كي نتجنّب التصعيد وانزلاق الأمور أكثر». وقال: «دعونا الاطراف المعنيّين الى ذلك، ولكننا اليوم للأسف في وضع كنا نخشى منه دائمًا ولا نعرف ماذا سيحصل في المرحلة المقبلة. واليوم كل شيء محتمل ولكن لا خيار لدينا سوى الاستمرار في مساعينا للتهدئة».
هل يعود هوكشتاين؟
وفي السياق ذاته، قالت مصادر ديبلوماسيّة لبنانية لـ»الجمهورية» انّ واشنطن أرسلت إشارات متتالية تشدد فيها على خفض التصعيد، وتؤكد عزمها على بذل جهود حثيثة في هذا الاتجاه. ووفقاً لهذه الاشارات، كشفت المصادر أنّ احتمال ايفاد واشنطن موفداً الى المنطقة (آموس هوكشتاين)، امر وارد جدا في وقت قريب.
إستنفار اسرائيلي
وفي وقت استمر فيه التوتر على أشده، على طول خط الحدود الجنوبية وسط اعتداءات اسرائيلية مكثفة على المناطق اللبنانية، تبدو اسرائيل في حال استنفار بعد العدوان على الضاحية واغتيال هنية. وقد اعلنت سلطات الاحتلال الاسرائيلي اتخاذ سلسلة من الاجراءات الاحترازية في الداخل الاسرائيلي، واصدرت الاوامر بإخلاء القواعد غير القتالية في الشمال على مسافة 40 كيلومتراً من خط السياق.
وفيما اعلن وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت «اننا لا نريد حرباً لكننا جاهزون لكافة السيناريوهات»، قال متحدث باسم الحكومة الاسرائيلية «إن ايران ستتحمل تداعيات أي تصعيد ينتج عن أفعالها وسنفعل كل ما بوسعنا لاستعادة الأمن على حدودنا الشمالية».
وادّعى أنّ «اليونيفل فشلت في إبقاء «حزب الله» خلف خط الليطاني وسنضمن ذلك بالوسائل الدبلوماسية أو غيرها».
وخلال تفقده تمريناً يجريه لواء كفير على الحدود الشمالية، يُحاكي قتالاً وسط منطقة وعرة وجبلية، وإطلاق النيران وقتالا في مناطق حضرية، كجزء من رفع الجاهزية للقتال على الجبهة الشمالية، قال رئيس الاركان الاسرائيلي هيرتسي هاليفي: «عصر أمس حصلنا على فرصة في قتل القيادي في «حزب الله» محسن شكر، أبرز شخصية عسكرية لدى «حزب الله»، ولدينا ثقة بالعمليات التي نخطط لتنفيذها مستقبلاً، كوننا مصممين على عدم العودة بـ»حزب الله» إلى ما كان عليه في السادس من تشرين الاول. محسن لن يكون موجودًا، لكننا لسنا بصدد عودة الوضع إلى ما كان عليه على الحدود، على بُعد 200 متر عن المطلة، أو شتولا، أو رأس الناقورة».
اضاف: «الجيش الاسرائيلي قادر على التصرف وعلى الوصول أيضًا إلى نافذة معيّنة في إحدى حارات بيروت، وهو قادر على ضرب نقطة معيّنة تحت الأرض، ونحن قادرون كذلك على الانطلاق لمناورة برية قوية للغاية في العمق».
نتنياهو
وفي كلمة له مساء أمس، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: قتلنا يوم أمس نائب نصر الله في لبنان وكان مسؤولاً عن الهجمات في الشمال على مواطنينا.
واشار نتنياهو الى «أننا جاهزون لأي سيناريو ضد كل التهديدات، وسنكبد كل من يهاجمنا ثمناً باهظاً. وسنصفي حسابنا مع كل من يمس بنا أو يرتكب مجازر ضد شعبنا.
وقال: الحرب ستطول ولن أخضع لضغوط داخلية أو خارجية. وأمامنا أيام صعبة قادمة.
الصورة : المبنى المستهدف في الضاحية الجنوبية لبيروت (نقلا عن الجمهورية)