كتبت "الشرق الاوسط" تقول: رصد تقرير دولي الآثار الكارثية للانحدار الاستثنائي بأرقامه وسرعته الذي يضرب المؤشرات الرئيسية المعتمدة في قياس نوعية الحياة في لبنان، ليخلص إلى تصنيف بيروت في المرتبة 240، أي قبل الأخيرة بمرتبتين فقط، ضمن صفوف المدن «الأسوأ» بفعل النتائج المترتبة على تدهور مشهود في البيانات المقارنة للقدرة الشرائية، وكلفة المعيشة، ومعدل سعر المنزل كنسبةٍ من الدخل، وذلك ربطاً بالانهيارات المتواصلة للعملة الوطنية.
وبالتوازي، حافظت العاصمة اللبنانية على موقع الصدارة بين المدن العربية المشمولة في المسح الاستقصائي الخاص بمؤشر ارتفاع كلفة المعيشة، لتحتل معها المرتبة 46 عالمياً. وهو ما تثبته الإحصاءات الأحدث الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي، حيث بلغ متوسط الزيادة السنوية في مؤشر تضخم الأسعار نحو 190 في المائة قياساً بالنتائج الموثقة بنهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لترتفع بذلك النسبة التراكمية للغلاء إلى نحو ألفين في المائة، بحصيلة ثلاثة أعوام من الأزمات المالية والنقدية المتواصلة.
وجاء الارتفاع السنوي في مؤشر التضخم نتيجة تسجيل جميع مكوناته زيادات محسوسة ومطردة، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية، بنسبة 171 في المائة، وهي تحوز نسبة تثقيل تبلغ 20 في المائة من المؤشر المجمع. وسجلت أسعار النقل ارتفاعاً بنسبة 182 في المائة، مع نسبة تثقيل تبلغ 13.1 في المائة.
وبرزت زيادات قياسية وصلت إلى 235 في المائة في احتساب كلفة السكن التي تشمل أكلاف الماء والغاز المنزلي والتيار الكهربائي والمحروقات (نسبة التثقيل 11.8 في المائة)، فضلاً عن الارتفاع غير المسبوق في كلفة الصحة بنسبة 172 في المائة، وبنسبة تثقيل تبلغ 7.7 في المائة. وبالمثل كلفة التعليم التي قفزت بنسبة 191 في المائة، وبنسبة تثقيل تبلغ 6.6 في المائة. بينما ارتفعت أكلاف الاتصالات بنسبة 226 في المائة، ولها نسبة تثقيل تبلغ 4.5 في المائة.
ومن المرجح أن تشهد أبواب الإنفاق كافة المزيد من الارتفاع في الأشهر المقبلة، ربطاً باستمرار التباينات السياسية بشأن الاستحقاقات الدستورية، في مقدمها الشغور في موقع رئاسة الجمهورية الذي دخل شهره الثالث من دون ظهور أي إشارات جادة لقرب انتخاب رئيس جديد. فيما تتهيأ الأسواق للتماهي مع موجبات ارتفاع سعر دولار رسوم المستوردات بنحو 10 أضعاف، والارتفاعات المرتقبة على أكلاف الخدمات العامة كافة، علماً بأن المؤسسات التعليمية والاستشفائية وشركات الاتصالات عمدت إلى التسعير بالدولار الفريش بشكل جزئي أو كلي للخدمات التي تقدمها.
وحسب تقصي المؤشرات التي سجلتها بيروت في العامين السابقين والمرتقبة للعام الحالي التي يوثقها موقع «نامبيو» للإحصاءات، جاءت النتائج معاكسة تماماً للمعادلات المطلوبة للتصنيف الإيجابي في نوعية الحياة. ذلك أن قياس نوعية الحياة يرتكز على نتائج ثمانية مؤشرات رئيسية، نصفها يتطلب نتيجة مرتفعة وتشمل القدرة الشرائية، والأمان، والرعاية الصحية، والمناخ، ونصفها الآخر يوجب الحصول على علامات منخفضة، وتضم مؤشرات كلفة المعيشة، ومعدل سعر المنزل على الدخل الذي يعكس القدرة على تحمل كلفة السكن، وحركة المرور والوقت المطلوب للتنقل، والتلوث.
أما لجهة المؤشر المستقل الذي يقيس كلفة المعيشة حول العالم سنداً إلى مرجعية رقمية تبلغ مائة وتحوزها مدينة نيويورك، فيرتقب أن تستعيد بيروت بعض التوازن في العام الحالي بتسجيل علامة 80، بعدما تعدت بنسبة 20 في المائة كلفة المعيشة في المدينة الأميركية خلال العام المنصرم، مقابل علامة 60 فقط قبيل انفجار الأزمات في خريف عام 2019.
بالتالي، فإن منظومة الأسعار المرجعية للمؤشرات الرئيسية، عادت لتتدنى في بيروت بنحو 20 في المائة مقارنة بمستوياتها المسجلة في مدينة نيويورك للعام الحالي. وبالتفصيل سجلت العاصمة اللبنانية نتيجة 20.7 في مؤشر أسعار الإيجار للمنازل، أي أقل بنسبة تقارب 80 في المائة من مثيلاتها في المدينة الأميركية، بينما ارتفع تقدير أسعار السلع إلى نحو 92 مقابل المائة في نيويورك. كما تدنت كلفة المطاعم إلى النصف تقريباً. أما المقارنة المثيرة فتكمن في مؤشر القدرة الشرائية الذي يتدنى في بيروت ليسجل علامة 10 فقط، أي أقل بنسبة 90 في المائة عن الرقم المرجعي.
الصورة :لبناني يبحث في القمامة عما يمكن جمعه لبيعه وتوفير مصدر رزق لعائلته (إ.ب.أ)