كتبت "النهار" التالي : في أسوأ المقارنات التي يتطابق عبرها العجز والقصور والتواطؤ على مسار الازمة السياسية - الرئاسية ومشتقاتها مع العجز والقصور والتواطؤ على المسار المالي - الاجتماعي، "سخر" الدولار المتسيد في السوق السوداء في يوم اسود جديد في الأول من شباط من كل ما اتخذ من استعدادات وإجراءات لبدء التسعير الرسمي للدولار بـ15000 ليرة فاكتسح سقوفا قياسية جديدة والهب معه أسعار المحروقات بارتفاعات هستيرية إضافية.
لم يبق من المشهد السياسي الا الهوامش امام التفلت المخيف الذي عاد يحكم البلاد على الصعيد المالي والمصرفي وامتدادات هذا التفلت، اذ تمثلت الدلائل الأشد اثارة للغرابة الملازمة للقلق والخوف المتصاعدين من اختراقات الدولار وتفلته، في ان الالتهابات الجديدة التي رافقت يوم بدء التسعير الرسمي الجديد للدولار جاءت في وقت كان المجلس المركزي لمصرف لبنان يعقد اجتماعه ولا يتمكن من لجم "المحرقة" الجديدة كما عجز قرار "مطاردة" المضاربين من الصيارفة عبر الأجهزة الأمنية عن احداث أي تاثير إيجابي في منع المضاربات. ولم يكن اشبه بهذا العقم المأسوي سوى العقم السياسي الذي يطبع "حركة بلا بركة" في دوامة ازمة الفراغ المتمادية.
وبالتزامن مع دخول قرار تحويل سعر الصرف الرسمي للدولار الواحد الى 15 الفا، حلّق الدولار مجددا في السوق السوداء خارقا سقف الـ63 الف ليرة مساء. ونتيجة لقفزة الدولار شهدت أسعار المحروقات ارتفاعا كبيرا بمعدل يناهز المئة الف ليرة زيادة عن الأسعار السابقة .
ومساء اعلن مصرف لبنان ان "حجم التداول على منصة Sayrafa بلغ امس 25 مليون دولار أميركي بمعدل 42000 ليرة لبنانية للدولار الواحد، وفقا لأسعار صرف العمليات التي نفذت من قبل المصارف ومؤسسات الصرافة على المنصة. وبذلك يكون قد رفع سعر دولاؤ صيرفة من 38 الف ليرة الى 42 الف ليرة من دون انذار.
يوم بكركي
وسط هذه التطورات تحولت الأنظار على صعيد الازمة الرئاسية الى بكركي التي شهدت امس حركة كثيفة على المستوى الروحي المسيحي، وكان محورها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وفسر تصعيد هذا التحرك بانه انعكاس لانتفاضة بكركي ضد تعطيل الانتخابات الرئاسية وان هذا التحرك سيتواصل باساليب مختلفة. وقد بدأ التحرك امس بالاجتماع الدوري للمطارنة الموارنة وتوج بعد الظهر بالقمة الروحية لرؤساء الطوائف المسيحية وممثليهم.
وعكس البيان الختامي للقمة المسيحية القلق المتصاعد لدى مختلف الكنائس المسيحية حيال حجم التأزم الذي بلغه الوضع في لبنان، كما بدا واضحا ان رؤساء الطوائف المسيحية فوضوا البطريرك الراعي التحرك نحو عقد اجتماع للنواب المسيحيين في بكركي لحضهم على إيجاد الحل السريع لانهاء ازمة الشغور.
واعرب البيان الصادر عن القمة الروحية المسيحية عن "قلقنا العميق تجاه الأزمة الإجتماعية والإقتصادية التي تزداد سوءًا يوماً بعد يوم، وعن تضامننا مع شعبنا في ما يعاني من حرمانه أموره الحياتيّة الأساسية من غذاء وماء وكهرباء ودواء واحتياجات الأطفال الضرورية، من جهة، وإنهيار العملة الوطنية وتراجع مداخيل العائلات" وطالب المسؤولين في الدولة "بإيجاد الحلول لهذه المآسي التي لا تتحمّل أيّ إبطاء. فلا يمكن القبول بسوء إدارتهم وإهمالهم والفساد المستشري في كلّ مكان، الأمر الذي يحمل عائلاتنا، ولا سيما الجيل الناشئ، على الهجرة أو اللّجوء إلى الشارع للتعبير عن وجعهم والمطالبة بحقوقهم العادلة".
وإذ اعتبر ان واقع الشغور الرئاسي "غير مقبول أبداً ومخالف لجوهر الدستور اللبناني ومرتكزات السيادة والإستقلال ومسؤوليّة النواب تجاه الشعب اللبناني"، طالب المجلس النيابي "بالاسراع في القيام بواجبه الوطني وانتخاب رئيس للجمهورية"، واعلن "اننا نأتمن غبطة البطريرك الراعي على الإجتماع مع من يراه مناسبًا تحقيقًا للمضمون أعلاه بما في ذلك دعوة النواب المسيحيين إلى اللقاء في بكركي، وحثّهم على المبادرة سويًّا، مع النواب المسلمين، وفي أسرع وقت ممكن، لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية".
وقبيل القمة الروحية المسيحية كانت التطورات الداخلية سياسيا وقضائيا واقتصاديا، حاضرة في بيان المطارنة الموارنة الشهري. وجدد المطارنة "إلحاحهم على المجلس النيابي أن يسرع في المبادرة إلى عقد الجلسة الانتخابية التي نص على آليتها وشروطها الدستور لاختيار رئيس جديد للدولة، ولاسيما أن الأوضاع العامة باتت على شفير الانهيار الكارثي الكامل، الذي قد لا تستطيع أي قوة مواجهته. هذا الإنهيار المتفاقم يتحمل مسؤوليته نواب الأمة بإحجامهم عن انتخاب الرئيس تقيدا بالدستور".
وأضاف البيان: "تابع الآباء بذهول وأسف شديدين، الصراع المحتدم في السلك القضائي، والذي يهدد بتعطيل سير العدالة ولا سيما في ما يتعلق بكشف حقيقة تفجير مرفأ بيروت. وهم يستصرخون ضمائر المعنيين، مع الآلاف من ذوي الضحايا ومن المنكوبين بنفوسهم وأجسادهم وأرزاقهم، من أجل تحييد هذه القضية عن التجاذبات السياسية، ويطالبون بمتابعة التحقيق حتى صدور القرار الظني، وفي أسرع وقت ممكن. إن القضاء هو ركيزة دولة الحق والمؤسسات، بدونه يتحكم بها أصحاب النفوذ والدكتاتوريات، وتسودها الفوضى وشريعة الغاب".
وفي السياق الرئاسي أيضا وغداة الزيارتين اللتين قام بهما الحزب التقدمي اشتراكي الى بكركي وعين التينة، من المتوقع ان يزور وفد من "كتلة الوفاء للمقاومة" برئاسة النائب محمد رعد، اليوم الرئيس السابق ميشال عون في الرابية، في لقاء لن يكون الملف الرئاسي بعيدا منه، علما انه بدت لافتة زيارة السفيرة الاميركية دوروثي شيا لعون امس للمرة الأولى منذ نهاية ولايته .
وفي هذا السياق كشفت مصادر "اللقاء الديموقراطي" أن لا شيء مؤكدا حتى الآن حول اقتناع الرئيس نبيه بري بالمضي بترشيح قائد الجيش للرئاسة . وأضافت: "نحاول اختراق جدار السقوف العالية لأن البلد يتحلل والشعب فقد أدنى مقومات العيش الكريم"، مشددة على ان اللقاء الديموقراطي مستمر بالسعي لايجاد تسوية.
التشريع المالي
اما على الصعيد المالي التشريعي فبحثت لجنة المال والموازنة برئاسة النائب ابرهيم كنعان امس اقتراح قانون اطار لاعادة التوازن للانتظام المالي في لبنان. ووجه كنعان كتاباً إلى رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان ووزير المال ووزير الاقتصاد ولجنة الرقابة على المصارف، يطالبهم فيه بالأرقام الرسمية الخطية المطلوبة لبحث اقتراح قانون التوازن المالي. وقال كنعان "الارقام وصلت مجتزأة لكن المطلوب ان تصل رسمية ونهائية وما حصل هو بداية.
وجهت اليوم لمصرف لبنان والحكومة سؤالًا عن اين اصبح التدقيق الجنائي والى اليوم الارقام افتراضية. عندما نسأل عن المودعين "بتقوم القيامة"، اذا كان هذا القانون ليس لاسترجاع اموال المودعين لماذا تم إرساله"؟. أضاف:" كفى كذبا على المواطن، كان من المفروض اعادة هيكلة الدين منذ اليوم الاول. الناس يريدون معرفة مصيرهم ويحتاجون لمسؤول فعلي يتحمل المسؤولية". وأشار إلى أن "كرة النار تحال الينا بشكل غير مباشر، في وقت المسؤولية يجب ان تتحملها الدولة اللبنانية ومصرف لبنان والمصارف ولن نقبل بالتضحية بأموال المودعين "بشطبة قلم" من اجل مصداقيتنا واعادة الثقة بلبنان".
الصورة : رؤساء الكنائس المسيحية في لبنان أو من يمثّلهم في القمّة التي دعا إليها البطريرك بشارة بطرس الراعي في بكركي أمس