كتبت "الاخبار" التالي : سيُسجَّل فجر السادس من شباط من عام 2023، بوصْفه مأساة نموذجية حلّت بشعوب شرق المتوسّط، أو على وجه الدقة بجزء من شعوبها؛ إذ لا يقارَن الرعب والفزع، على عظمتهما، بالهول الناتج من الانطمار تحت أنقاض المنازل والمباني المدمّرة.
هي فاجعة غير مسبوقة منذ عقود طويلة، حلّت بالأتراك والسوريين، مُوحّدةً المناطق التي فرّقتها خطوط الحرب، في البلاء والدماء والدمار والعزاء. «الزلزال العظيم» الذي ضرب في جنوب تركيا، لم يوفّر شمال سوريا وشمالها الغربي، بل أتى على مناطق واسعة على جانبَي الحدود، مُوقعاً مئات الضحايا، وراسماً مشهديّة موجعة وصارخةً لعجز الإنسان ومحدودية قوّته عندما تشاء الطبيعة أن تقول كلمتها.
على أن هذه المحدودية لا تقرّ بها «الإمبراطورية» حتى في لحظات اليأس الجَماعي؛ فهي دائماً تجد بوّابة لممارسة انتقائيّتها وتسلّطيّتها وتقسيمها الآدميين إلى صنف يَصلحُ للحياة والبقاء، وآخر لا يستأهل حتى الرثاء له وهو ينسلّ من تحت ركام منزله، إلى تحت تراب بلاده التي شبعت موتاً وقهراً و«تشحّرت» إلى أبعد الحدود.
هكذا، تقف سوريا المنكوبة وحيدةً في لملمة جراحها، غير قادرة على فعل ما يمكن أيَّ دولة طبيعية أن تفعله في حالة مماثلة، بعدما أخذت منها المعارك مأخذاً، وأضناها الحصار، وأنهكتها العقوبات.
أمّا على المقلب الآخر، فتكادُ تركيا لا تعرف من أين يأتيها العون، لفظياً كان أو مادياً، وتلك حالة تُغبط عليها بالفعل، ولو كانت لها أسبابها التي تجعل بلدَين ألمّت بهما الداهية نفسها، وفي اللحظة ذاتها، وبالأداة عينها، مفصولَين إلى ما هو فوق وما هو تحت.
وإذا كان لحديث السياسة مكانه الأكيد هنا، فإن الغريزة والعاطفة تبقيان هما الطاغيتَين، مُوزِّعتَين إيّانا بين ألم وحزن وهلع، وأمل بأن لا يكون الغدُ أسوأ، مهما كانت صور هذا السوء وتجلّياته.
وكأنه لم يكن ينقص سوريا سوى الزلزال الذي ضربها بالأمس، وما تبعه من هزّات أرضية، لتزيد من الأعباء التي يتحمّلها السوريون جرّاء الحصار الأميركي وتداعيات سنوات الحرب الطويلة. فقد تأثّرت البلاد بشدّة بزلزال قوي ضرب جنوب تركيا بلغت قوته 7.8 درجات، تلاه بعد ساعات قليلة زلزال آخر في المنطقة نفسها بلغت قوته 7.5 درجات، لتَعقب ذلك عشرات الهزات الارتدادية. وتسبّب «مسلسل» بتضرّر مناطق واسعة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس، إضافة إلى مناطق خارجة عن سيطرة دمشق في الشمال السوري، حيث سُجّل سقوط مئات الضحايا وعدد كبير من الإصابات، وانهيار وتصدّع عشرات الأبنية السكنية.
وترأّس الرئيس السوري، بشار الأسد، اجتماعاً طارئاً لمجلس الوزراء لبحث تداعيات الزلزال، حيث تمّ تقييم الوضع الأوّلي، وتحديد المواقع الأكثر تضرّراً، والتي تركّزت بشكل أكبر في محافظات حلب وحماة واللاذقية. وعلى الأثر، دُشّنت خطة تحرّك طارئة على المستوى الوطني، تقودها غرفة عمليات مركزية تعمل على مدار الساعة، إضافة إلى فرق ميدانية على الأرض، فيما أعلنت وزارة الدفاع السورية أنها تستنفر كافة وحداتها ومؤسّساتها في جميع المحافظات لتقديم المساعدة العاجلة للمتضرّرين، والبحث عن الأشخاص العالقين تحت الأنقاض، وإسعاف المصابين، وإزالة آثار الدمار.
وتعرقل العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا بموجب قانون «قيصر»، الجهود الداخلية والخارجية المبذولة لإغاثة ضحايا الزلزال، الذين لم تتكلّف واشنطن حتى عبء التضامن اللفظي معهم. إذ أعرب الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن «حزنه الكبير»، واعداً بتقديم المساعدة، وقال في تغريدة على «تويتر»، «طلبت من أجهزتي أن تواصل متابعة الوضع عن كثب بالتنسيق مع تركيا وتقديم كلّ المساعدة الضرورية أيّاً كانت». وبالمثل، حصر مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، التعاطف والمساعدات الموعودة، بالجانب التركي فقط، قائلاً إن الولايات المتحدة «قلقة للغاية» من الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا، وإنها «مستعدة لتقديم كلّ المساعدة المطلوبة لتركيا».
على المقلب الآخر، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن روسيا أبدت استعدادها لمساعدة سوريا، وهي تنتظر أيّ طلب سوري بهذا الخصوص. وأشار بيسكوف، في تصريح صحافي، إلى أن المعدّات والتقنيات الروسية اللازمة لتحديد حالة المباني وأشكال المساعدات الأخرى، يمكن تقديمها لدمشق إذا طلبت الأخيرة ذلك. وسبق ما تَقدّم اتصال أجراه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قدّم خلاله التعازي إلى نظيره السوري بالضحايا، معرباً عن استعداده للمساعدة في مواجهة تداعيات الكارثة.
وفيما أعلنت إيران والصين استعدادهما الكامل لإرسال المساعدات العاجلة إلى سوريا، أعربت الخارجية اللبنانية عن «عميق تعاطفها وتضامنها مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة، حيال الكارثة التي سببها الزلزال الضخم»، وأبدت جاهزية لبنان لتقديم يد العون والمساعدة. كذلك، بعث الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، برقية تعزية إلى الأسد، معبّراً عن تعازيه ومواساته. وبالمثل، أبرق ولي العهد البحريني. كما أعلن رئيس الحكومة العراقية، محمد شيّاع السوداني، في برقية إلى الرئيس السوري، استعداد العراق لـ«تقديم العون والمساعدة في أيّ مجال تطلبه حكومة سوريا الشقيقة». أمّا دولة الاحتلال، وكعادتها عند كلّ «مصيبة»، فقد سارعت إلى الادّعاء بتلقّيها طلباً سورياً للإغاثة، وهو ما نفاه مصدر سوري رسمي، معتبراً أنه «من المُشين أن يستغلّ بنيامين نتنياهو كارثة الزلزال لتضليل الرأي العام، والتغطية على سياسات الاحتلال التوسّعية والعدوانية».
إلى ذلك، قالت مصادر سورية، لـ«الأخبار»، إن المساعدات الإغاثية من روسيا وإيران والإمارات، ستبدأ بالوصول إلى البلاد خلال 24 ساعة، فيما نشطت مؤسّسات المجتمع المدني في تقديم الإغاثة لمراكز الإيواء المؤقّت التي افتُتحت في حلب واللاذقية وحماة لاستقبال العوائل المنكوبة، حيث أُقيم في محافظة حلب وحدها 127 مركزاً. كما شوهدت آليات ومعدّات ثقيلة، ترفع علم إيران، تعمل على إنقاذ المصابين، وانتشال الجثث، وإزالة الركام، في مدينة حلب بشكل خاص، حيث يتواجد المستشارون العسكريون الإيرانيون.
وفي حين أعلنت وزارة التربية تعطيل المدارس بشكل كامل في البلاد انطلاقاً من الإجراءات الوقائية، وليس تخوفاً من احتمال حدوث زلازل إضافية، وفقاً لما أكده وزير التربية، دارم طباع، في حديثه إلى «الأخبار»، خلال تواجده على رأس الفريق الحكومي لمواكبة الاستجابة للكارثة. ومن جهته، أكّد وزير الأشغال العامة والإسكان، سهيل عبد اللطيف، لـ«الأخبار»، وضع الحكومة «خطّة طوارئ للتدخل السريع لإزالة آثار الزلزال ضمن المحافظات الثلاث المتضرّرة». وأشار إلى أن «الوزراء توزّعوا كفرق»، مضيفاً أن «كل آليات الشركات الإنشائية والمقاولين والجهات العامة توجّهت إلى مواقع الأبنية المنهارة، بمؤازرة آليات من بقية المحافظات».