كتبت "الجمهورية" التالي : اذا كان الاسبوع الماضي قد انتهى إلى رفع الغطاء بالكامل عن الشعب اللبناني، وإلقائه في مصيدة ذئاب السياسة وعصابات المال والدولار، فمع بداية الاسبوع الجاري لا ضمانات ولا تطمينات من أيّ طرف كان، حول إمكان إفلاته منها، لا الآن ولا في المدى المنظور.
عصابات الافقار فالتة، والمواطن اللبناني أقلعَ في رحلة جديدة على حد السكين، حاملاً حقيبة وجعه وبؤسه، وخوفه ممّا تروّجه غربان الغرف السوداء من سيناريوهات قاتلة تنتظره، أشدّ وجعا وبؤسا وفتكا بما تبقّى من مقومات حياته، وصراخه يتعالى ويبحّ في وجه مكونات تتدثّر بالثوب السياسي والحرص الخادع، فيما هي في حقيقتها الفاضحة التي لا يرقى اليها ادنى شك، حالة صَنميّة طرشاء، منعدمة الحياء، ومشوّهة الاخلاق، وفاقدة للمروءة وللحد الادنى من الشعور والاحساس، ودافنة للانسانية تتلذذ بالابادة الجماعية المرعبة التي يتعرض لها اللبنانيون.
الحقيقة الموجعة التي تؤرق المواطن اللبناني أنّ هذا المسار مكمّل في دولة باتت موحشة، المتمَوضعون على ضفاف الإنكار واللامبالاة استحالوا جميهم فقّاعات صوتية تملأ فضاءات الاعلام بكلام أكَله الصّدأ ووعود بالية مهترئة. امّا اصحاب الحل والربط في ما تبقّى من السلطة، فأضحوا أعجز من ان يُقاربوا ازمة الناس بما يحدّ من انزلاقها، ولو بمسكّنات مؤقتة، او بإجراءات زجرية، او تدبير ردعي يتّسِم بشيء من الجدية والفعالية، لمجرمي حرب الافقار والتجويع الذين يسرحون ويمرحون في دهاليز الغرف السوداء وخلف منصّات التلاعب بالدولار، وفي أوكار الصرافين ومحميات المصارف ولصوصها، وتجار المال والاحتكار.
خضّات مالية!
ما نشهده هو فلتان فظيع العلامات، وعلى ما يقول خبير مالي لـ«الجمهورية» فإنه «مع هذا الفلتان، أمر طبيعي جداً أن يؤدّي هذا المسار الى الكارثة».
ويُقارب الخبير عينه بقلقٍ بالغ ما وَصَفها بـ«المعركة المفتعلة التي أُشعِلت في توقيت خبيث، على جبهة المصرف المركزي والمصارف، وجبهة المصارف مع القضاء، وما يرافق ذلك من جهة مِن تقاذف للمسؤولية، ومن جهة ثانية مِن تحريك يبدو منظّماً للأدوات التابعة لهذا الطرف او ذاك، لممارسة مزيد من الضغط على الليرة واطلاق العنان لموجات جديدة من الارتفاع في سعر الدولار».
وعبّر الخبير عينه عن خوفٍ كبير ممّا هو كامِن خلف هذا الافتعال، وقال: أخشى من أن نشهد تدحرجاً بوتيرة غير مسبوقة في خطورتها نحو صعوبات ومصاعب اكبر، فهذه المعركة توحي وكأنها في بداياتها، وتستبطِن نوايا بتصعيد اكبر، وهذا ينذر بـ«خضّات ماليّة» متتالية وشديدة الأثر على الوضع المالي وعلى وضع الناس بصورة خاصة».
واعتبر الخبير عينه انّ «المصارف تمارس من بداية الازمة عملية هروب الى الامام، وتصوير نفسها كضحيّة، وتُبرّىء نفسها من حجز اموال المودعين، في الوقت الذي تمارس انتقائية مشبوهة في التعامل معهم، وهذه الانتقائية تتجلى في استمرار ضخ التحاويل لأموال بعض النافذين والمَحظيين الى الخارج». واكد ان خطوة المصارف بالاقفال، لا يمكن ادراجها الا في خانة الشبهة، على غرار خطوتها بالاقفال مع بدايات الازمة وما تلاه من اقفالات لاحقة، من شأنها ان تكشف السوق المالي اكثر، بل وتزيد اكثر من سوادويتة، وفتحه على الضغط المتزايد على الليرة ورفع الدولار الى مستويات خيالية، على ما نشهده في هذه الايام».
المودعون: لن نستكين
الى ذلك، وفي الوقت الذي اكدت مصادر مصرفية لـ«الجمهورية» الاستمرار في الاضراب، معتبرة انّ «المشكلة ليست لدى المصارف، والبيان الاخير لجمعية المصارف قال بوضوح لا يقبل الشك بأنّ اموال المودعين ليست في المصارف، رفضت مصادر في جمعية المودعين هذا التبرير، وقالت لـ«الجمهورية» ان هذا المنطق مَشبوه، ويعكس الامعان في سرقة اموال اصحاب الحقوق. المصارف تتمادى في جريمتها، ولن نستكين حتى استرداد حقوقنا».
واكدت المصادر «اننا ماضون في تحرّكنا، بكلّ الوسائل التي نعتبرها مشروعة، ولا توجد امامنا اي محاذير او موانع من اي نوع، كل الخيارات مباحة امامنا، سرقوا اموالنا وجنى عمرنا ويتنعّمون بها، فيما تجوع عائلاتنا واولادنا، ولا نتمكن من تأمين لقمتنا ودوائنا. أيّ جريمة اكبر من هذه الجريمة؟ لا يمكن ان نقبل على الاطلاق بأن يستمروا في إذلالنا، قلناها ونكررها اليوم، نحن اصحاب حق، وحربنا مفتوحة مع المصارف ولن نهدأ قبل استعادة اموالنا كاملة».
حق التشريع
على الصعيد التشريعي، تمددت ارادة التعطيل في اتجاه المجلس النيابي، وحالت دون تمكّن المجلس من عقد جلسة تشريعية، نظراً لعدم توفر النصاب القانوني لانعقادها.
واذا كانت بعض الكتل النيابية، ولا سيما الكتل المسيحية التي يتصدرها «تكتل لبنان القوي» وكتلة «الجمهورية القوية»، قد حسمت مقاطعتها للجلسة على اعتبار ان الاولوية هي لانتخاب رئيس الجمهورية، فإنّ الصورة في المقابل تعكس رفضا للتعطيل السياسي للمجلس، وإخضاعه لمزاجيات سياسية توظّف تعطيل المجلس في بازار السياسات الضيقة.
واكدت مصادر مجلسية لـ«الجمهورية» انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لم يوجّه الدعوة الى عقد جلسة تشريعية لأسباب تقنية، لن يتخلّى عن حقه في الدعوة الى جلسة تشريعية في القريب العاجل، والتي سيدعو اليها حتماً.
ولفتت المصادر الى انّ التعطيل السياسي للمجلس بالصخب والمزايدات والتفسيرات الهمايونية للدستور، لا يغيّر في حقيقة انّ المجلس سلطة مستقلة، وليست مقيدة بأية موانع تحظر عليها دورها وحقها في التشريع، الّا لحظة انعقاد المجلس في جلسة انتخابية، ومن هنا كانت اشارة المُشترع حصراً الى «المجلس الملتئم» في المادة 75 من الدستور. التي تنص على ما حرفيّته «إن المجلس الملتئم لانتخاب رئیس الجمهوریة یعتبر هیئة انتخابیة لا هیئة اشتراعیة، ویترتّب علیه الشروع حالاً في انتخاب رئیس الدولة من دون مناقشة أو أي عمل آخر». النص واضح، ولا يحتاج الى تأويل او تفسير.
أمل: التوافق
الى ذلك، اعلنت حركة «أمل»، في بيان لمكتبها السياسي امس، انه «في ظل الإنهيار المتمادي والذي يضرب كل اوصال البلد ومرافقه وشرائحه، نجدّد الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية يشكل مدخلاً للإنقاذ وفق خريطة طريق ركيزتها الحوار والتوافق لإنهاء حالة الشغور الرئاسي».
وناشدت «جميع المستويات إلى تجاوز المصالح الفئوية والشخصية الضيقة باتجاه صناعة الحلول التي تؤسس لقيامة لبنان. وطالبت من جهة ثانية الحكومة بألّا تبقى في موقف المتفرّج على استمرار الانهيار الاقتصادي والمالي المتفلّت، والذي يضرب المواطن اللبناني في كل مناحي حياته، ممّا يستوجب الاسراع في وضع الضوابط والحلول لوقف الازمات المتشابكة والتي يعبّر عنها المواطن بالاضرابات التي لم تَستثن قطاعاً إنتاجياً أو تربوياً أو عمالياً أو اقتصادياً، ممّا يُنذر بفوضى اجتماعية في ظل ارتفاع غير مسبوق لسعر صرف الدولار الاميركي في ظل غياب خطط التعافي والرقابة الحاسمة والحازمة».