كتبت "الجمهورية" التالي : أفق المراوحة السلبية في الملف الرئاسي مفتوح على مديات زمنية بعيدة، فلا أطراف الداخل قادرون على مغادرة احقادهم وانقساماتهم وصياغة توافق على رئيس للجمهورية، ولا الأصدقاء أو الأشقاء في الخارج راغبون في مغادرة تموضعهم في موقع النّاصح لا أكثر ولا أقل، ولا هم قادرون أصلاً على فرض «تسوية» لعدم توفّر أرضية ملائمة تقوم عليها في الداخل، ولا هم مستعدون لكي يلعبوا هذا الدّور، وفق ما بات مؤكّداً لكلّ اللاعبين على الحلبة الرئاسية.
المفارقة الفاقعة في هذا المشهد، تتبدّى في أنّ الداخل رافض الحسم التوافقي للملف الرئاسي، ويعوّل على ارادة خارجية فارِضة للحل، فيما الخارج اكد على كل مستوياته، وفي محطات متتالية انه ليس معنياً بهذا الفرض، ولا بأن يكون طرفاً في تزكية اسماء، ولا بتحديد مواصفات سياسية او غير سياسية يفترض أن يتحلى بها الرئيس الجديد للبنان، بل صَرّح علناً بأنّ اختيار رئيس لبنان هو مسؤولية اللبنانيين حصراً، وأن النصح بتعجيل الانتخاب، والتحذير من تداعيات خطيرة للتعطيل، هما أقصى ما يمكن أن يقارب فيه الملف اللبناني، وجرّب في محطات عديدة واستنفد نصائحه وتحذيراته، وآخرها ما انتهى اليه الاجتماع الخماسي في باريس.
تقطيع الوقت بالسجالات!
هذا الأمر، وفق ما يقول معنيون بالملف الرئاسي لـ»الجمهورية»، يؤكد انّ الخارج بلغ الحد الاقصى تجاه لبنان، وما يقوله السفراء في المجالس المغلقة يؤكد ان المجتمع الدولي بصورة عامة، والدول الصديقة بصورة خاصة، ليست عابئة بأي «تعويلات» داخلية على حلّ خارجي، وبما ينسج داخل المستنقع الرئاسي من روايات وسيناريوهات تفترض تسويات خارجية لا أساس لها. فكل ذلك تنفيه حقيقة انّ تلك الدول محكومة بأجندة أولوياتها التي لا مكان فيها للبنان. وانها مهما كانت تكن الودّ لهذا البلد، فلن تكون ملكية أكثر من الملك، وهو كلام يعني بشكل أو بآخر أن لبنان وحده منذ البداية، وعليه ان يتلمِس سبيل الخروج من أزمته. وبالتالي، فإنّ انتظار الحل الخارجي لا يعدو أكثر من انتظار عبثي.
هذا الواقع، في رأي هؤلاء المعنيين، كان يفترض أن يحفّز المكوّنات الداخلية على الانتقال من مربّع السجالات المتتالية - التي أضحت مادة للتلهي، او بمعنى أدق مادة للتسلية، في الوقت الضائع - إلى مربّع البحث الجدّي عن مخارج للعقدة الرئاسية. الا انّ هذا الإنتقال دونه إصرار مكونات التعطيل على أمرين: الاول، اتخاذ الملف الرئاسي حلبة لتصفية الحسابات السياسية. والثاني، رفع وتيرة التسخين والتوتير لعل ذلك يفرض وقائع جديدة، تفرض بدورها تدخلاً خارجياً لمصلحة طرف دون آخر، غافلاً عن أن هذا المنحى، وفي ظل الموازين الداخلية، قد يتصاعد في اي لحظة الى حد تفلت فيها الامور من اليد، وتفرض وقائع غير محسوبة لن يكون من السهل احتواؤها».
مخاوف على الاستقرار
وعلى ما تؤشّر الوقائع الداخلية المرتبطة بالملف الرئاسي، فإنه ينحى نزولاً أكثر فأكثر، ولا شيء يبعث على الاطمئنان، وفق ما قالت مصادر مسؤولة لـ»الجمهورية»، وأكدت «ان الوضع صار مخيفاً أكثر من أي وقت مضى، فالدولار عبوة موقوتة قابلة لأن يتجدد انفجارها في أي لحظة، والواقع السياسي في ذروة توتّره واحتقانه، يخشى ان يصل الى مرحلة يفقد فيها ضوابطه، وينفّس بتطورات دراماتيكية تتجاوز السياسة والدولار إلى ما قد يهدّد الأمن والاستقرار.
تغريدة البخاري
ولفتت أمس، تغريدة للسفير السعودي وليد بخاري، كتب فيها: «ظاهرة التقاء الساكنين في الاستحقاقات البنيوية، تقتضي التأمل لتكرارها نطقا وإعرابا، وخلاصة القول هنا: «إذا التقى ساكنان فيتم التخلص من أولهما؛ إمّا حذفا إذا كان معتلا، أو بتحريك أحدهما إن كان الساكن صحيحا».
ننظر بقلق وألم
وفي السياق ذاته، يندرج ما أكّد عليه مصدر ديبلوماسي عربي لـ»الجمهورية» بقوله اننا ننظر بقلق الى الوضع في لبنان طالما استمر في حال من انعدام التوازن السياسي فيه، وبألم كبير إلى معاناة الاشقاء اللبنانيين.
واضاف: آن الأوان لكي يخرج لبنان من هذه المعاناة، والأخوة في لبنان هم الأدرى من كلّ العالم في أن دورهم هو الأساس في مهمة الإنقاذ، التي تستوجِب قبل كل شيء أن يغلّب الاشقاء في لبنان مصلحة بلدهم على كل المصالح والحسابات الاخرى، وهذا ما شددنا عليه في لقاءات متتالية مع المرجعيات السياسية والرسميّة.
ولفت المصدر الى أنّنا معنيون باستقرار لبنان، ونشدّد على تحصينه بالمُسارعة الى انتخاب رئيس الجمهورية، كاشفاً عن تقارير مقلقة تصنّف الوضع في لبنان في غاية الخطورة، واستقراره مهدّد، ويفاقم ذلك الخلاف بين القوى السياسية اللبنانيّة، وعدم التمكّن من انتخاب رئيس وتشكيل حكومة.
ورداً على سؤال، قال المصدر: لسنا طرفاً في الاشتباك الداخلي في لبنان، ولسنا في موقع تقييم موقف هذا الطرف او ذاك، نحن معنيون بلبنان ونحب لبنان ونعتبر انه حرام ان نخسره، ومن هذا المنطلق نلتقي جميع الاطراف، ونسمع من الجميع، ونحن نؤكّد على رغبتنا في أن نرى لبنان مُعافى، وننصح بالتعجيل بانتخاب رئيس الجمهورية، واعتقد شخصياً انّه ليس امرا مستحيلا والتوافق بين اللبنانيين ممكن جدا.
وردا على سؤال آخر، قال: الصورة الدوليّة تتحرّك وفق وقائع وتطورات ابعد من لبنان، وحتى من المنطقة كلّها، ولذلك حاولنا في الايام الاخيرة أن ننقل الى الأخوة المسؤولين والسياسيين انّ في جدول الاعمال الدولي ملفات اساسية وملفات ثانوية، وانّ ملف لبنان ليس من ضمن الملفات الاساسية، ولذلك ينبغي التعجيل في بتّه لبنانياً، وهو ما شدد عليه اجتماع ممثلي الدول الخمس في باريس.
ولفت الى «انّ التأخير في انتخاب الرئيس سيتأتّى منه مزيد من الضرر، ليس فقط على الوضع المالي في لبنان، وما شهدناه على مستوى ارتفاع الدولار، بل سيتأتّى منه خطر على الاستقرار في لبنان، وأنا شخصياً قد نقلتُ رسالة بهذا المعنى الى المسؤولين في الدولة، فحواها ان لبنان يعاني ضعفا كبيرا، وأي مَس باستقراره سيؤدي به الى كارثة كبيرة.
خطوة بري
وعلى الرغم من هذه الصورة القلقة، فإنّ الصورة الرئاسية ثابتة في مربّع الصدام والتباعد، الذي تستحيل معه سلوك المعبر التوافقي نحو انتخاب رئيس للجمهورية.
واذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري، بإعلانه دعم ترشيح الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، قد سعى الى فتح الباب امام سائر الاطراف لتقديم مرشّحيهم، ومن ثم الانتقال الى المجلس النيابي لانتخاب الرئيس في جو تنافسي ديموقراطي، الّا ان خطوة بري هذه لم تلق استجابة، سواء لدى التيار الوطني الحر الذي سبق ان حدّد مواصفات الرئيس الجديد للجمهورية من خارج ما يعتبرها «المنظومة»، او من القوى السيادية والتغييرية التي تعاطت مع خطوة بري بسلبية، جرى التعبير عنها بمواقف رافضة لانتخاب من سَمّته «رئيساً للجمهورية من محور الممانعة»، وملوّحة في الوقت نفسه بالعمل على تعطيل نصاب الجلسة الانتخابية، خلافاً لما سبق ودعت إليه من إبقاء جلسات انتخاب رئيس الجمهورية مفتوحة.
نصرالله: مرشحنا فرنجية
الى ذلك، وفي كلمة له في احتفال «يوم الجريح»، أمس، أعلن الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله: «اننا نريد انتخاب رئيس بشكل قاطع واكيد ولا نريد الفراغ. وهذه المصلحة الوطنية الاكيدة، ونحن ملتزمون بنصاب الثلثين في انتخاب الرئيس في الدورة الاولى والثانية، ولا نقبل ان يفرض الخارج على لبنان رئيساً، ولا نقبل فيتوات خارجية على اي مرشح أيّاً كان هذا المرشح سواء ندعمه او نرفضه، ونقبل المساعدة لتقريب وجهات النظر».
وأشار الى أن «ليس هناك شيء اسمه مرشّح «حزب الله»، وهدف هذه التسمية هو القضاء على الشخص الذي ندعمه. كانت هناك جلسة مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وقلت له المواصفات التي يريدها «حزب الله» في الرئيس، واتفقنا بعد النقاش بأن للبحث صلة».
وأضاف: «بما ان باسيل لا يريد الترشح، لذلك فإن مرشحنا للرئاسة هو رئيس التيار المردة سليمان فرنجية»، لافتاً الى أننا «عندما نتخلى عن الورقة البيضاء ونكتب اسم مرشح على الورقة فهذا التزام جدي، فنحن لا نناور ولا نقطع وقتاً ولا نحرق أسماء مرشحينا».
وقال نصرالله: «نقول تعالوا لنعطي الاستحقاق الرئاسي البعد الداخلي كاملاً»، لافتاً الى أنه «في نقطة تعطيل النصاب نحن في السابق اتهمنا بتعطيل النصاب، واليوم نسمع من قادة كتل نيابية ونُخب سياسية بأنه في حال كان المرشح الرئاسي من محور الممانعة سنعطّل الجلسة»، مقترحاً بأن «تسمّي كل جهة مرشحها للرئاسة ونذهب إلى مجلس النواب، فإن حضر النصاب ننتخب الرئيس مباشرة».
وأشار الى أن «ليس هناك شيء اسمه مرشّح «حزب الله»، وهدف هذه التسمية هو القضاء على الشخص الذي ندعمه. كانت هناك جلسة مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وقلت له المواصفات التي يريدها «حزب الله» في الرئيس، واتفقنا بعد النقاش بأن للبحث صلة».
الاصلاحات وصندوق النقد
الى ذلك، اكد سفير الاتحاد الأوروبي رالف طراف بعد لقائه رئيس حكومة تصريف الاعمال: في الشأن الاقتصادي، هناك تفهّم مشترك بأننا هنا من أجل الدعم، ولكن مجمل التدابير والاجراءات يجب اتخاذها من قبل صانعي القرار اللبنانيين، نحن نفهم بأن هذه المواضيع معقدة وغير سهلة، فمجمل هذه التدابير، ومع انها ستحسّن حياة الناس بشكل أفضل، ولكن هناك اشخاص يتعيّن عليهم التخلي عن بعض الطموحات والتطلعات، ومن المهم تحقيق التوازن في هذا الموضوع الشائك، ولهذا يحتاج إلى وقت، ولكن لا تزال الحاجة الماسّة لتسجيل تقدم في هذا المضمار.
اضاف: أعرف أن رئيس الحكومة مستمر في العمل على هذا الامر كما نحن نعمل أيضا من جانبنا، وما زلت أؤمن بأنّ الطريقة الفضلى هي برنامج الإصلاحات مع صندوق النقد والقيام بكل ما يلزم للوصول الى اتفاق معه».