كتبت صحيفة الجمهورية تقول : لم يكن لبنان في حاجة إلى شهادة جديدة من صندوق النقد او غيره من المؤسسات المالية العربية او الدولية، تؤكّد أنّ وضعه مهترئ وفي أعلى درجات الخطر. كما لم يكن في حاجة إلى التذكير بعجز وتقاعس الطبقة السياسية المتحكّمة به، وعدم إيفاء الجهات الرسمية بالحدّ الأدنى من التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، بالشروع بالإصلاحات الضرورية والملحّة التي تستوجب الأزمة استعجالها وتنفيذها من دون أي إبطاء.
قال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي كلمته وغادر مثقلاً بخيبة متوقعة. قال إنّ لبنان في خطر كبير، مفترضاً أنّه يخاطب نخبة سياسية يغمرها الحرص الحقيقي على هذا البلد، لعلّه يجد من بينها من ينتصر للبنان ويرأف بشعبٍ يعاني.
ربما بالغ هذا المسؤول الدولي في اعتقاده بأنّه في تذكيره بحجم الكارثة ومخاطرها، قد يحثّ على صحوة مفقودة في زمن الانحطاط السياسي الذي يعصف بهذا البلد، ولكن على ما هو مؤكّد، فقد رمى سنارته في مستنقع فجور سياسي آسن، بات مدمناً على التخريب والتعطيل واستنزاف اقتصاد البلد واستقراره وإهدار فرص الإنقاذ.
وعلى رغم الخيبة، فإنّ صندوق النقد ما زال يعتقد انّ فرصة إعادة إنعاش لبنان لم تنعدم نهائياً، حيث انّها ما زالت قائمة، انما ليس بذات القوة التي كان يمكن ان تكون عليها، لو انّ هذه الفرصة استُغلت قبل ان تبلغ الأزمة في لبنان هذا الحدّ من الانهيار. الاّ انّ ما يثير القلق على أي فرصة إنعاش، هو انّ القادة السياسيين في لبنان يتعاملون مع الواقع اللبناني بتجاهل غير مسبوق لمنزلقات الكارثة التي حلّت ببلدهم، وهو الامر الذي دفع بأحد كبار المسؤولين في الصندوق إلى التصريح بشكل مباشر، بمحاسبة هؤلاء. مضيفاً «اننا نعرف التفاصيل الدقيقة حول وضع لبنان، ولسنا نقتنع بأي تبريرات نسمعها من بعض المستويات اللبنانية. ولقد اكّدنا للعديد من المسؤولين في لبنان بأنكم تهدرون وقت بلدكم، وحذّرنا من جديد من أنّ الانهيارات المتتالية التي شهدها لبنان في الآونة الاخيرة، فرضت وقائع صعبة جداً على لبنان، واكّدنا انّ هذه الوقائع توجب احتواءً سريعاً لها، عبر خطوات حكومية مستعجلة، والّا فإنّ اللبنانيين مقبلون على وضع سيُصعقون فيه من هول ما هو آتٍ عليهم، من ضغوطات وصعوبات».
فرونتيسكا
ولفتت في هذا السياق، تغريدة للمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا على حسابها عبر «تويتر»، قالت فيها: «بعد مرور ثلاث سنوات على اعلان لبنان تعليق سداد ديونه السيادية، لا يزال اللبنانيون يتطلعون الى تحرّك قادتهم لإنقاذ البلد. الناس يشعرون بالغضب لرؤية رواتبهم تفقد قيمتها نتيجة التضخم وتدهور قيمة العملة الوطنية. لقد باتت الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي حيوية وحتمية».
لا اكتراث
على انّ في موازاة ذلك، تتبدّى حقيقة انّ المناخ السياسي القائم حالياً، لا يأخذ في حسبانه المدى الذي بلغه انهيار البلد مالياً واقتصادياً ومعيشياً، بل انّ الاولوية التي تحكمه تبدأ وتنتهي عند الاستسلام الكلي للنزوات والحسابات والأجندات المنظورة وغير المنظورة، وهو ما يجعل المشهد الداخلي مسرحاً لمناكفات ومكايدات سياسية قديمة ومتجدّدة، لتبقي لبنان في الدائرة المفرغة التي يدور فيها.
وفي هذا الجو، يرسم مسؤول كبير صورة بالغة القلق حيال المستقبل، وقال لـ»الجمهورية»: «محطات توتر سياسياً وغير سياسي شهدناها في الماضي، ولكنها لم تلامس حدود ما نعيشه في هذه المرحلة، التي اشعر فيها بخوف حقيقي اكثر من أي وقت مضى. لا خلاف على انّ الحل السياسي هو مفتاح الانفراج الاقتصادي والمالي، ومع ذلك ثمة من يعقّد الحل السياسي لاسباب واقعية وغير واقعية، ظناً منه انّه قد يحقق مكتسبات».
ولفت المسؤول عينه إلى «أنّ النحّر المتواصل لأي حلول او فرص تفاهمات، نشهده منذ بدايات الأزمة، وصار يقرّبني أكثر من أن أسلّم للفرضية التي تقول انّ الواقع السياسي بالشكل الذي يسير فيه بين التناقضات ومؤسسات دستورية معطّلة عمداً، ومع مكونات رافضة لبعضها البعض، يُخشى انّه لن يطول به الأمر ليجعل من النظام السياسي القائم، نظاماً منتهي الصلاحية بالكامل».
وإذ اكّد المسؤول «انّ الجهات الرافضة للتوافق الداخلي على انتخاب رئيس للجمهورية، بما يعيد انتظام الحياة السياسية في لبنان، تسعى جهدها بشكل علني لإسقاط البلد في المجهول»، أوضح «انّ الأداء السياسي القائم حالياً بتعطيل المؤسسات وتدمير فرص الإنقاذ، وشل رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، هو عبث مقصود او غير مقصود بأسس البلد، ويشكّل الوصفة الخبيثة لتهديد الداخل وتخريبه، واكثر من ذلك، تهديد اتفاق الطائف بنسفه. هنا اريد أن أسأل: من هو صاحب المصلحة بوصول الامور في لبنان إلى هذا الحدّ؟.. من هو الخاسر الأكبر من نسف الطائف والنظام؟.. في ظل هذا التشتت الذي نعيشه، وفي ظلّ هذا التخلّع البنيوي سياسياً واقتصادياً ومالياً، هل في امكاننا في لبنان أن نغيّر فنعيد تشكيل النظام اللبناني على نحو مغاير تماماً لما هو قائم عليه؟ وقبل ان نسأل أي نظام يمكن الوصول اليه، يجب ان نسأل، هل نصدّق انفسنا بأنّ في ايدينا ان نغيّر ما صنعه الكبار، ونؤسس لنظام جديد؟».
حراك فاتيكاني وفرنسي
وفي غضون ذلك، برزت امس زيارة السّفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وعكست اجواء اللقاء بحسب معلومات موثوقة، حزناً فاتيكانياً على ما آل اليه الحال في لبنان، وتشديداً من الكرسي الرسولي على كل ما يجمع بين كل مكونات لبنان السياسية وعائلاته الروحية، وما يمكن السياسيين من تجاوز اي خلافات في ما بينهم، وانتخاب رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن».
وفي السياق ذاته، اندرجت زيارة السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو إلى الرئيس بري. وبحسب المعلومات، فإنّ السفيرة وضعت رئيس المجلس في اجواء الاجتماع الفرنسي - السعودي في باريس الاسبوع الماضي. وأكّدت المعلومات، انّ الجانبين الفرنسي والسعودي متفقان على العجلة في انجاز الانتخابات الرئاسية في لبنان، الّا انّهما متباينان في النظرة إلى بعض التفاصيل، وبالتالي لم يتوصلا إلى اتفاق حاسم بينهما حول الرئيس الجديد. وتشير المعلومات، إلى انّ المشاورات لن تُقفل وستبقى قائمة في الايام المقبلة، وسط حديث فرنسي متزايد عن انّ المدى الزمني للفراغ في سدّة الرئاسة اللبنانية يجب الّا يتعدّى بداية الصيف المقبل. وحتى الآن يمكن القول إنّ كل الاحتمالات ما زالت واردة.
استطلاع اميركي
في هذا الوقت، أجرت مساعدة وزير الخارجية الاميركية بربارا ليف، محادثات في بيروت، مع رئيس المجلس نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب، ولخّصت مصادر مطلعة على اجواء محادثات المسؤولة الاميركية، كما يلي:
- اولاً، الزيارة استطلاعية.
- ثانياً، لم تحمل ليف اي فكرة اميركية جديدة مرتبطة بالملف الرئاسي.
- ثالثاً، اكّدت أن ليس في الأفق اي مبادرة اميركية أحادية الجانب، في خصوص رئاسة الجمهورية في لبنان.
- رابعاً، اكّدت انّ واشنطن، ليست طرفاً في أي جدالات او نقاشات تدور حول اسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية في لبنان. وكما سبق لها واكّدت انّها لن تنوب عن اللبنانيين في اختياراتهم. وربطاً بذلك، فإنّ الإدارة الاميركية ستتعامل مع اي رئيس للجمهورية في لبنان يُنتخب وفق الاصول الدستورية، بمعزل عمّن هو هذا الرئيس.
- خامساً، اكّدت على مسؤولية اللبنانيين في التعجيل في إنجاز استحقاقاتهم الدستورية، ما يوجب ان يبادر مجلس النواب اللبناني، ومن دون إبطاء، إلى اختيار رئيس الجمهورية يتحلّى بالمواصفات التي تلبّي تطلعات الشعب اللبناني. ومن ثم تشكيل حكومة تنفّذ أجندة الاصلاحات المطلوبة كشروط لنيل لبنان المساعدات من المجتمع الدولي، إضافة إلى توقيع برنامج التعاون بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي.
- سادساً، عبّرت عن تعاطف الإدارة الاميركية مع الشعب اللبناني في معاناته جراء الأزمة الصعبة، واكّدت على العلاجات السريعة لهذه الأزمة، حيث انّها بلغت مستويات شديدة الخطورة، وشدّدت على وجوب ان يتجاوز الشعب اللبناني هذه المحنة، حيث لا يمكن ان يستمر الوضع على ما هو عليه من تراجع وتأزّم تستفحل معهما الأزمة أكثر فأكثر.
(يُشار في هذا السياق، إلى «انّ ليف تعدّ صاحبة اكثر نظرة سوداوية تجاه الوضع اللبناني، حيث انّها سبق ان حذّرت منذ أشهر من أنّ «الفشل في انتخاب الرئيس من شأنه أن يؤدي بلبنان إلى فراغ سياسي غير مسبوق، ما يُنذر بانهيار الدولة مجتمعياً).
- سابعاً، أعادت تأكيد المسلّمات الاميركية تجاه لبنان، ولاسيما لجهة الدعم المتواصل للجيش اللبناني، والحفاظ على الاستقرار في لبنان.
- ثامناً، ملف ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل كان من ضمن النقاط التي تمّ استعراضها، حيث أعادت تكرار الموقف الاميركي الذي يعتبر هذا الاتفاق مصلحة للبنان واسرائيل ويساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
- تاسعاً، التطورات الاقلمية لُحِظت في مباحثات ليف، التي قاربت الاتفاق السعودي- الايراني بترحيب حذر، مشيرة الى انّ واشنطن شجّعت السعودية على المضي بهذا الاتفاق.
لا توازن
وتزامنت زيارة المسؤولة الاميركية، مع حالة الجمود السياسي في مربّع السلبية، الذي يبدو فيه اطراف الأزمة الداخلية كامنين لبعضهم البعض حتى على ابسط تفصيل، على ما حصل في الساعات الماضية، حول قرار تأخير الساعة، الذي وصفه اطراف بأنّه قرار جيد، وتقديم او تأخير الساعة لا لزوم لهما على الإطلاق، فيما استغرب اطراف آخرون تأخير العمل به، معتبرين انّ لذلك انعكاسات سلبية على اكثر من قطاع.
وفي هذا الإطار، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في تغريدة على حسابه على «تويتر»، كاتبًا: «أستغرب قرار الحكومة بعدم اتباع التقليد المُّتبع في لبنان منذ عشرات السنين بتقديم الساعة ساعة واحدة في آذار من كل عام، والذي ما زال حتى الساعة، معتمداً في معظم دول العالم. إنّ هذا التدبير الذي اتخذته الحكومة سيعرقل الكثير من الأعمال، خصوصًا على مستوى حركة الطيران والشركات العالمية التي لها علاقة مع الشركات اللبنانية والأسواق وسواها من القطاعات. إنّ الحكومة مدعوة إلى العودة عن قرارها قبل فوات الأوان، أي قبل مساء الغد، وقبل أن تضع الكثير من قطاع الأعمال في لبنان، أمام مصاعب إضافية جمّة».
تأرجح
وفي الجانب المعيشي، كان الوضع المالي يراوح في نقطة اللاتوازن، وهو الامر الذي تجلّى في عدم ثبات سعر الدولار على رقم معيّن، بل استمر في تأرجح متواصل على مدى يوم امس بين 103000- ليرة و108000 ليرة للدولار الواحد.
من جهة ثانية، وفي خطوة وصفت بأنّها تريح موظفي الادارات العامة، رفع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل إلى رئاسة مجلس الوزراء مسودتي مشروعي المرسومين اللذين اعدّتهما الدوائر المعنية في وزارة المال، ويتضمن الأول، تعويض انتاجية لموظفي الإدارات وسائر المؤسسات العامة ومقدّمي الخدمات الفنية والأسلاك العسكرية عن أيام العمل الفعلي، ويُعطى وفق سعر منصة «صيرفة» للدولار الأميركي، لاحظاً تدابير بشأن معاشات المتقاعدين.
واما الثاني، فيتعلق بتعديل بدل النقل الذي يُحتسب بليترات البنزين وفق معدل وسطي لسعر يُحدّد بقرار يصدر عن وزير الطاقة شهرياً. على أن تُعرض مسودة المشروعين على مجلس الوزراء في جلسته المقررة الإثنين المقبل لمناقشته واتخاذ القرار بشأنه.
المودعون
سُجّل امس اعتصام لـ"صرخة المودعين" امام مصرف لبنان في الحمرا، وأُطلقت المفرقعات النارية في اتجاه المركزي، وأشعل البعض من المعتصمين الإطارات امامه. وتدخّلت عناصر من مكافحة الشغب لمنع المتظاهرين من اقتحام مصرف «سوسيتيه جنرال» المحاذي لمصرف لبنان. وانتقل مودعون إلى مصرفي "بيروت والبلاد العربية" و"الموارد" الكائنين في الحمرا، وحاولوا تحطيم ما أمكن بسبب التحصينات لواجهات المصرفين المقفلين. واستقدم الجيش تعزيزات اضافية وفرقة مكافحة الشغب إلى مصرف لبنان ومحيطه. كما نشر تعزيزات اضافية امام مصارف اخرى في منطقة الحمرا.