كتبت صحيفة الأخبار تقول : تحوّلات الإقليم المرتبطة بالاتفاق الإيراني – السعودي، تترافق مع حراك ديبلوماسي يتكثف يوماً بعد آخر، وحديث عن مبادرات لحل في اليمن وآخر في العراق وثالث في سوريا. أما بالنسبة إلى لبنان، فحجم التفاؤل بـ«حل سريع» يستوجِب بعض التروي.
درجت العادة أن يكون هذا البلد أولى حلبات التقاتُل في أزمنة الصراعات وأولى ساحات الانفراج في لحظات التسويات. في السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية، أنتجَ الاتفاق السوري – السعودي - الأميركي اتفاق الطائف، وجاءت الـ «سين - سين» بعد اتفاق الدوحة. ومنذ اندلاع الحرب على سوريا حملَ لبنان مع سوريا قميصها الملطخ بالدم ومخاطر على مختلف المستويات، أدت في نهاية المطاف إلى حافة الانفجار.
اليوم، مع عودة الهدوء إلى الساحة الإقليمية، وعلى بُعد حجر من التطبيع السوري - السعودي، ليس السؤال متى يصل قطار التسوية إلى محطة بيروت، بقدر ما صارَ السؤال عن شكل هذه التسوية. مهما يكُن من أمر، فإن إنهاء الشغور الرئاسي بات يحتّم توافقاً سياسياً لا مناص منه. هذا التوافق، يقرأه عديدون، كرافعة لأسهم وصول الوزير السابق سليمان فرنجية كرئيس حلّ بالتوازي مع التغيرات الإقليمية.
ليسَت الضوضاء الرئاسية جديدة على بنشعي، ولا على اسم فرنجية في بورصة الأسماء المرشحة لبلوغ قصر بعبدا. بدأ ذلك عام 2004، مع طرح الرئيس الراحل رفيق الحريري اسمه لقطع طريق التمديد على الرئيس إميل لحود، ثم عام 2015 عندما قرّر الرئيس سعد الحريري دعمَه بمباركة من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ووليد جنبلاط والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. جعلَ ذلكَ من رئيس تيار «المردة» عضواً «طبيعياً» في نادي المرشّحين الدائمين والطبيعيين، وإن لم يخرج إلى الناس شاهراً ترشيحه.
لكن «العبرة» تبقى في التوقيت، على ما تقول مصادر «المردة»، رداً على الأسئلة الملغومة عن إحجام الرجل حتى الآن عن فعل ذلك، والتي تقود إلى إجابات تدينه أو تقلّل من شأن حيثيته التمثيلية وأحقيته، أو القول إنه غير واثق من قدرة الفريق الذي يدعمه على خوض معركته حتى النهاية. حالياً «يعتبر فرنجية نفسه الأوفر حظاً لأن مواصفات التسوية مطابقة له أكثر من أي وقت مضى»، لذا «لن يكون انسحابه بالبساطة التي يتوقعها أي طرف، وهو يُعتبر مرشحاً طبيعياً استناداً إلى حيثيته المسيحية والوطنية، ومن البديهي أن يكون اسمه متداولاً في الكواليس المعنية بالشأن اللبناني».
يخوض فرنجية معركة وصوله إلى القصر الجمهوري بهدوء، مستنداً إلى لعبة الوقت، ومراهناً على المتغيرات الإقليمية التي «تصبّ لمصلحته»، والتي إذا ما سارت وفقَ الطريق المرسوم لها فإنها حتماً ستدفع خصومه إلى التراجع. لا علاقة للأمر بعدد الأصوات التي ستدعمه، ورهاناته غير مرتبطة بحسابات الورقة والقلم. رصيده السياسي الحالي في الكواليس الخارجية والداخلية يجعله متقدماً على منافسيه المعلنين وغير المعلنين. هذا ما تؤكده دردشات سفراء الدول على موائد الاجتماعات حيث صارَ النصِاب الدولي والإقليمي شبه مكتمل، في انتظار الصوت السعودي.
المباركة الفرنسية متوافرة والفيتو الأميركي غائب، باعتراف من السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا التي أكدت قبلَ أيام في مأدبة عشاء أقامها على شرفها الرئيس تمام سلام «أننا سنكون سعداء بانتخاب رئيس للجمهورية، وبالتأكيد سنتعامل مع فرنجية في حال انتخب». مع ذلكَ، يتمسك رئيس المردة، وفقَ مقربين منه، بالتسوية الكاملة وبالإجماع عليه، فذلك من «موجبات الانتخاب»، لأن الأهم من وصوله هو «توافر ظروف إقليمية ودولية تسمح له بممارسة حكمه من دون ضغوط ولا كيديات، فيتحول عهده إلى عهد تنتيع لا عهد انفراجات».
على عكس خصومه الذين يستحضرون اجتهادات سياسية للقول إنها ستخرجه من السباق، يُنظر في بنشعي إلى التوافق في الإقليم كرافعة لحظوظ الرجل. يستند المقربون من فرنجية إلى معطيات، تبدأ في ما يدور في كواليس باريس التي هي «على تواصل دائم مع فرنجية عبر أفراد من خلية الإليزيه»، وقد طرح الفرنسيون فكرة المقايضة على السعوديين لإيصال فرنجية مقابل تولي السفير نواف سلام رئاسة الحكومة، لكن توقيت طرحهم لم يأت على هوى السعوديين الذين كانوا يرفضون «مبدأ النقاش في الملف اللبناني لا بأسماء بعينها، ما حالَ دون الوصول إلى النتيجة المطلوبة».
اليوم، بعد الاتفاق السعودي - الإيراني، تشتد التحريات في بيروت لفهم ما إذا كانَ قد حصل تبدّل في الموقف السعودي من الملف اللبناني ومن ترشيح فرنجية نفسه، وهو سؤال يجيب عليه مقربون من فرنجية بالقول إن «المواقف التي نٌقلِت عن السعوديين في ما خصّ فرنجية كانت أقرب لتمنيات معارضيه من كونها تمثل الموقف السعودي الحقيقي». وما وصلَ إلى بنشعي عن أجواء الاجتماعات الفرنسية – السعودية لم يكُن إيجابياً، لكنه أيضاً لم يكُن سلبياً بالمعنى الحرفي لما حاولت بعض الأطراف الداخلية إشاعته. السعوديون «لم يقولوا يوماً أنهم يرفضون سليمان فرنجية، هم وضعوا مواصفات ومعايير محددة قد لا تنطبِق عليه كما لا تنطبق على غيره»، لكن المستجدّ أنهم، بحسب ما ينقل أصدقاء بنشعي من الفرنسيين، «أصبحوا أكثر ليونة في الحديث عن لبنان».
ولم يخفِ هؤلاء اعتقادهم بأن «الرياض بعد الاتفاق أصبحت في مكان آخر، فالسياسة الخارجية السعودية خرجت من العباءة التقليدية في إدارة أزماتها، بالتالي فإن الساحة اللبنانية ليست هي ساحة المكاسب السياسية، بل الساحة اليمنية. والرياض اليوم تعلَم أن مكاسبها في اليمن تدفعها إلى التصرف بإيجابية في ساحات أخرى، وأن أي مكسب في دول المنطقة يُمكن أن تحققه السعودية بالنسبة إليها أهم وأكبر من الزواريب اللبنانية».
الساحة الداخل
كل تلكَ العناصر المذكورة، يُضاف إليها عنصر «القبول الداخلي» الذي يتمسّك به فرنجية. فهو «ليسَ مرشّح حزب الله وحركة أمل، كما يحاول البعض تصويره، بل مرشّح كل من يؤيده»، وربما «لو ترِك للنواب حرية الاختيار فإن اجتياز حاجز الـ 65 صوتاً سيكون أسهل معارك فرنجية».
وفي بنشعي كلام واضح بأن فرنجية «ليسَ رئيس مواجهة أو رئيساً مفروضاً بالقوة وليسَ في برنامجه الرئاسي بند الانتقام من خصومه، لكنه أيضاً لن يقدم ضمانات لأي أحد بمعنى المكاسب، خصوصاً أولئك الذين يعمدون إلى طرح شروط تعجيزية أو معرقلة». وعلى الموجة نفسها، يشدد «المرديون» على أن «فرنجية لن يمارس سياسة الإلغاء ضد أحد، بل سيعطي لكل طرف حقه».
أما عن المعضلة المسيحية المتمثلة برفض أكبر كتلتين مسيحيتيْن، فالعبرة «ليست في كثرة المؤيدين لفرنجية قبلَ انتخابه، بل في قدرته على استقطاب الجميع واحتوائهم بعدَ وصوله إلى بعبدا، وهذا أحد الأهداف التي يضعها فرنجية نصب عينيه، لأنه واحد من أسباب نجاح العهد».
يستعين هؤلاء بتجربة الرئيس ميشال عون الذي «أتى بغطاء مسيحي وطني، لكنه فقدَ الغطاءين بعدَ انتخابه وصارَ على خصومة مع غالبية القوى السياسية، ما أدى إلى تدمير عهده». تكمن المشكلة، بالنسبة لبنشعي، في «خوف خصوم فرنجية من توافر عوامل داخلية وخارجية تساعده على النجاح، وهذا ما لا يصبّ في مصلحتهم، وهم يفضلون رئيساً ضعيفاً يفشل في إدارة عهده لأن نجاح أي شخصية رئاسية سيهدد حجمهم»، وهنا تظهر مخاوف من أن يعمَد هؤلاء، وعلى رأسهم سمير جعجع، إلى «التمرّد المتهور على التسوية الآتية بشكل يهدّد المصلحة المسيحية والوطنية». ولا يخفي المقربون من فرنجية قناعتهم بأن «بكركي ليسَت في صف المعارضين، بل هي تتعامل بإيجابية وهدوء مع ترشيحه استناداً للكلام الذي نقله موفدوها إلى زعيم المردة».
أما بالنسبة للقوى السياسية الأخرى، فيفضل تيار «المردة» ترك رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ليقرر وحده موقعه في التسوية المقبلة لدى حلول موعدها، من دون تكهنات حول موقفه النهائي. أما النواب السّنة، فإن «فرنجية في ميزانهم هو الأكثر اعتدالاً واستقطابهم في ظل التوافق الإقليمي أمر طبيعي».
البرنامج الرئاسي حاضر
لا يغوص أهل بنشعي في تفاصيل البرنامج الرئاسي لفرنجية، والذي أصبحَ في متناول يد المعنيين بالملف الرئاسي. لكن الأكيد أن «البيك يحسبها جيداً ويفكّر استراتيجياً.
فمواقفه المعروفة لن تتبدل لا في التأكيد على علاقة جيدة مع الرياض ولا في التمسك بدعم المقاومة ولا المجاهرة بالعلاقة العميقة مع سوريا، وهو رئيس لكل اللبنانيين ورئيس للتعاون مع كل الدول الصديقة للبنان». وكل من سأله عن عدد من القضايا «سمع رأيه بموضوعية لا تتناقض مع سلوكياته السياسية، مثل ملف الاستراتيجية الدفاعية التي لا يرفض فرنجية إجراء حوار بشأنها ولكن ليسَ من باب الشروط الانتقامية وإنما بما يخدم مصلحة البلد والدفاع عنه».