كتبت صحيفة النهار تقول : إذا كان أساس المشكلة تقنيّاً بما يمكن لقرار غير مدروس، بل متّخذ بخفّة، أن يسبّب من مشاكل تقنية في عالم الأعمال والسفر والتعاملات الخارجية، فإنّ قرار تأخير اعتماد التوقيت الصيفي "إكراماً" للصائمين في شهر رمضان، اتّخذ بُعداً طائفياً، بدا بمثابة انتقام مسيحي من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي خرج قبل مدّة ملوّحاً للمسيحيّين بأرقام مغلوطة تُفيد بأنّ عديدهم صار 19 في المئة من مجموع اللبنانيّين، ما اعتبره كثيرون في أوساطهم كتهديد مبطّن، ورسالة بأنّه لا يحقّ لهم المعارضة أو المشاركة الحقيقية في القرار، بل الرضوخ للأكثرية، في بلد تمّ الاتفاق فيه على وقف العدّ، وهو الأمر الذي تعهّد به الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن بعده نجله الرئيس سعد الحريري.
لذا كان الموقف المسيحي تجاه قرار تأجيل اعتماد التوقيت الصيفي، بالاتفاق مع الرئيس نبيه بري، دونما اعتبار لمجلس الوزراء، ودون مشاركة الوزراء المسيحيين فيه، أشبه بردّة الفعل العنيفة، التي لم يبادر صاحبا القرار إلى استيعابها على عجل، لتتحوّل كرة نار، أعادت تقسيم البلد وناسه، وستزيد حتماً من حدّة المواجهة السياسية، بما يؤخّر الاستحقاق الرئاسي إلى أجل غير محدّد. فالرئيس بري أمر، والرئيس ميقاتي نفّذ، من دون احترام المؤسسات وفي طليعتها مجلس الوزراء.
وإذ أعرب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن أسفه للمنحى الطائفي الذي اتّخذته مسألة تأخير التوقيت الصيفي والذي لا علاقة له بالموضوع، قال ردّاً على سؤال لـ"النهار" إنّ "هذا القرار الإداري البحت كان الهدف منه إراحة فئة من المواطنين من دون التسبّب بأيّ ضرر للفئات الأخرى، وليس صحيحاً ما يتم التهويل به على الناس عن مخاطر وأضرار، بدليل أنّ شركات الاتصالات الخليوية اتخذت الإجراءات المناسبة لتعديل التوقيت وفق القرار، كما أنّ شركات الطيران وفي مقدّمها طيران الشرق الأوسط عدّلت جداول رحلاتها".
أضاف: "الحملة التي شُنّت مستغربة بكلّ المستويات، وكان الأحرى، بدل اللجوء إلى الشحن الطائفي ضدّ قرار إداري بحت، أن تتوحّد جهود الجميع لانتخاب رئيس الجمهورية، وتفعيل اجتماعات الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية، والاهتمام بمناقشة كيفية الخروج من المخاطر التي عبّر عنها صندوق النقد الدولي في ختام زيارته للبنان".
وردّاً على سؤال قال: "لقد اتّصلت ظهراً بصاحب الغبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وشرحت له الأسباب التي حتّمت اتّخاذ القرار والتي لا علاقة لها بأيّ اعتبار يُسيء إلى أيّ مكوّن لبناني، لكن يبدو أنّ المزايدات الطائفية والتجييش الذي شهدناه أفضت إلى إصدار بيان البطريركية المارونية، وكنّا نتمنّى لو لم يؤخذ الموضوع في غير منحاه الإداري البحت".
وكانت مؤسسات إعلامية أعلنت بدايةً عدم التزامها قرار رئيس الحكومة، ثم توالت المؤسسات الاقتصادية والتربوية، إلى حين صدور قرار من البطريركية المارونية أشار إلى اعتماد التقويم الصيفي منذ ليل أمس، ليعمّ القرار المؤسسات الكنسية على أنواعها، من المطرانيات إلى المدارس.
واللافت، أنّه بخلاف ما أعلنه رئيس الحكومة، فإنّ بيان مصرف لبنان أكّد الضرر الحاصل، إذ إنّه اعتمد دوام "بري – ميقاتي" للموظفين، في حين اعتمد الدوام الصيفي للتعاملات المالية الخارجية، بحيث أنّ خوادم الكومبيوترات مُبرمجة وفق التوقيت الصيفي ولا مجال لمعالجتها في مدّة 24 ساعة.
وإذا كانت المشكلة لن تظهر بتداعياتها السلبية جدّاً اليوم الاحد، فإنّها ستتفجّر غداً الإثنين، خصوصاً مع العاملين في غير مؤسسة، وأهالي التلامذة، ولدى المؤسسات التي تملك فروعاً في غير منطقة.
ومساء أمس، واحتجاجاً على التطورات، أعلن الرئيس ميقاتي في بيان إلغاء جلسة مجلس الوزراء الإثنين، والتي كانت مخصّصة لإعطاء العاملين والموظفين والعسكريين. وبذلك، سيكون لبنان عرضة لانقطاع الاتصالات والإنترنت التي تراجعت في اليومين الأخيرين، وتوقّف العمل في عدد من السنترالات. وإذا كان موظفو "أوجيرو" وعدوا بمعالجة أوضاعهم الإثنين، فإنّ عدم انعقاد المجلس، سيدفعهم إلى الاستمرار في الإضراب. بل إنّه سيدفع إلى مزيد من التحركات والاضرابات في أكثر من قطاع.
ونُقل عن مصدر متابع أنّه تم "رمي قنبلة صوتية اسمها تقريب وتأخير الساعة لطمس موضوع كان يجب أن يكون موضوع الساعة. صندوق النقد حذّر من أزمة لا نهاية بها إذا لم تُباشر الدولة اللبنانية بالإصلاحات. والدولة لن تتعاون مع صندوق النقد الدولي لأنّ أول بند في دفتر شروطه هو ضبط الحدود البرية والبحرية والجوية، الأمر الذي لا ولم ولن يقبل به "حزب الله" لأنّه يعطّل عليه كل ما يدخل ويخرج من لبنان وإليه.
لذا، تمّ "تسريب" فيديو بري- ميقاتي لذرّ الرماد في العيون، ونجحوا بعملية الإلهاء عن أهمّ زيارة وتقرير صدر عن صندوق النقد. تقرير مرعب لم يأخذ حقّه عند الرأي العام اللبناني. أنها منظومة الفساد التي تضمّهم جميعاً.
الصورة : واجهة كاتدرائية القديس جرجس المارونية في وسط بيروت.