كتبت "النهار" التالي : اذا كانت زيارة الموفد القطري وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي لبيروت في جولة شاملة على المسؤولين الرسميين والقوى السياسية، شغلت الأوساط السياسية لجهة ما اوحته بتوقيتها المتزامن مع ترددات التحرك الفرنسي في صدد الاستحقاق الرئاسي في لبنان، فان تطورات الملف الرئاسي لم تحجب الأهمية الكبيرة التي اكتسبها التطور المتصل باعلان الحكومة التزام اجراء استحقاق الانتخابات البلدية في موعدها الدستوري في أيار المقبل.
هو تطور اكتسب دلالات بارزة معنويا ودستوريا وديموقراطيا، لانه في حال تنفيذ هذا الالتزام في المواعيد التي حددت للانتخابات، ولم تطرأ عوامل تعرقل الالتزام وتطيح الاستحقاق، سيشكل ذلك اختراقا بالغ الأهمية بالنسبة الى لبنان الذي يجتاز ظروفا معقدة ودراماتيكية وصعوبات هائلة تستبعد كلها إمكانات نجاح التحدي في اجراء هذا الاستحقاق.
والواقع ان ان توجيه وزارة الداخلية امس الدعوة الى الهيئات الناخبة وتحديد مواعيد الانتخابات وتوزيعها على اربع جولات انتخابية في المناطق طوال شهر أيار المقبل مقترنا بتأكيد الإرادة لتوفير قنوات التمويل لهذا الاستحقاق، ومن ثم اصدار التعاميم حول الترشيحات، شكل بمجموعها إنجازات مهمة لاثبات الجدية الكاملة في المضي نحو تنفيذ وإنجاز الانتخابات البلدية.
وتتمثل اهمية هذا التطور وسط التخبط الهائل في الازمات الداخلية بعد مرور اكثر من خمسة اشهر على ازمة الفراغ الرئاسي وتعاظم تداعيات الازمة المالية وكل ما يتصل بالانفاق المالي للدولة، الامر الذي يجعل التزام اجراء الانتخابات البلدية بمثابة اختراق لم يحسب له كثيرون اذ كانت معظم الأجواء السائدة تتوقع ترحيل هذا الاستحقاق وارجائه لسنة.
وإذ كان عدم انعقاد جلسات التشريع لمجلس النواب ساعد في اسقاط أي محاولة لتشريع ارجاء الانتخابات البلدية، فان الشكوك والمخاوف لم تتبدد تماما مع اعلان وزارة الداخلية امس انجاز استعداداتها لاجراء الانتخابات ولو انها تضاءلت الى حجم كبير.
ثمة مخاوف لا تزال ماثلة من افخاخ او مفاجآت سياسية مفتعلة لدى جهات عدة يرجح انها ليس متحمسة لهذا الاستحقاق بسبب أوضاع ذاتية غير مؤاتية لديها، وهو الامر الذي سيبقي الترقب سيد الموقف في رصد تطورات مسار الاستحقاق نحو المحطات الزمنية التي حددت له. وقد اعلن وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال بسام مولوي امس أن الوزارة جاهزة للقيام بالانتخابات البلدية والاختيارية وقال “نحن ملزمون بدعوة الهيئات الناخبة، واليوم أو غداً نصدر التعاميم اللازمة بخصوص الترشيح ونكرر طلبنا بتأمين الاعتمادات اللازمة لخوض الانتخاب”.
واعتبر أنّ “استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية في هذه المرحلة هو تحدٍّ لنا، ونحن اعتدنا على المواجهة لمصلحة المواطن ولتطبيق القانون”، مشددا على أنّ “الإصرار والنيّة ضروريان لإجراء الانتخابات ولكن لا يكفي ذلك، وإصرارنا ترافق مع عمل، ونحن نطالب بتأمين الاعتمادات، والمبلغ ليس كبيرا مقابل ما أنفق في العامين الماضيين”. واذ دعا الى “التزام الانتخابات في موعدها لأهميتها وسنلتزم بالقانون فيما يخص دعوة الهيئات الناخبة”، أكّد “نحن على جهوزية ادارية، والقوائم الانتخابية حاضرة، وستصدر قرارات تقسيم اقلام الاقتراع وسنصدر قرارات المهل المتعلقة بالترشيح”.
وكشف ان “كنا طلبنا من الحكومة تأمين الاعتمادات اللازمة، فالعملية الانتخابية متكاملة وندعو المواطنين والاعلام للضغط معنا”. ورأى “ان الاصرار والنية ضروريان للانتخابات ولكن غير كافيين، ونصر على الجهات المختصة لتأمين الاعتمادات لما للانتخابات من مردود كبير على المناطق”. وحدد “اجراء الانتخابات على النحو الآتي: 7 ايار في الشمال وعكار، 14 ايار جبل لبنان، 21 ايار بيروت وبعلبك الهرمل، و 28 ايار الجنوب والنبطية.
وسارعت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا الى الترحيب بالدعوة التي وجهها وزير الداخلية واعتبرت “إن إجراء الانتخابات البلدية أمر مهم للالتزام بالمهل الدستورية والممارسات الديمقراطية في لبنان، في الوقت الذي يواجه فيه البلد فراغاً رئاسياً وشللًا مؤسساتياً واسع النطاق”. واملت “أن يقوم جميع المعنيين باتخاذ الخطوات اللازمة لضمان عملية انتخابية سلسة، شاملة وشفافة وتمكين اللبنانيين من ممارسة حقوقهم السياسية في بيئة سلمية ومنظمة”، موضحة انه منذ تأجيل الانتخابات العام الماضي، قدمت الأمم المتحدة مساعدة كبيرة لدعم هذه الانتخابات. ودعت الى “جعل العملية الانتخابية شاملة، خصوصا لناحية إشراك النساء والشباب من خلال منحهم فرص حقيقية للمشاركة الفعالة وإحداث التغيير”.
الموفد القطري
اما في مشهد الاستحقاق الرئاسي، فان الانطباعات زادت ترسخا حيال عدم حصول أي تطور جدي او معطيات جديدة عقب زيارة رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لباريس في نهاية الأسبوع الماضي بسبب الجولة التي بدأها امس وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي في بيروت والتي عكست ضمنا ان قطر ما كانت لتتحرك للحض على تسوية لو كانت معطيات جديدة طرأت على التحرك الفرنسي.
ووسط معطيات اولية عن احتمال ان يكون الموفد القطري نقل اقتراحات جديدة وجال بها على المسؤولين تبين ممن التقاهم انه لم يخض ابدا في موضوع أسماء المرشحين وان مهمته تعكس التقاء ثابتا مع موقف الدول المعنية لجهة التشديد على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية يلتزم العملية الإصلاحية وان موقف قطر الداعم للبنان ينطلق من التزام انجاز الإصلاحات.
وفي تصريح تلفزيوني مقتضب قال الخليفي ان زيارته للبنان تاتي في اطار تعزيز العلاقة الثنائية بين قطر ولبنان وتطويرها على كل الصعد ونحن حريصون على مد يد العون والمساعدة للاشقاء في لبنان واكد ان العمل ضمن المنظومة الدولية هو ركيزة أساسية ضمن استراتيجية قطر وسياستها الخارجية وان مشاركتها في اجتماع باريس كانت مهمة جدا واهم النتائج التي خرجت عن لقاء باريس هي حث المسؤولين على ملء الفراغ الرئاسي. وحض “الاشقاء في لبنان على تغليب لغة الحوار والمصلحة الوطنية “.
وشملت لقاءات الموفد القطري في اليوم الأول من الجولة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد على ان يلتقي لاحقا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
ولفت ما اعلنه النائب سامي الجميل بعد لقائه الموفد القطري اذ قدر الجميل “موقف قطر والسعودية ودفاعهما عن لبنان السيد المستقل والمتطور”، ولفت الى أن “الوفد القطري يستمزج الآراء ولم يكن هناك مبادرة أو اقتراح بل استماع ومحاولة فهم الواقع اللبناني”، مشيرا الى أنهم “يضعون انفسهم بتصرف لبنان لمساعدته وبتنسيق تام مع السعودية ودول الخليج المتحدة بالموقف”، وقال: “أبدينا انفتاحنا ومستعدون لأي تفصيل وشرح لموقفنا”.
وعن طرح العماد جوزف عون، قال الجميل: “لم يُطرح علينا ولم تطرح أسماء بالمطلق”. وشدد على ان “هناك موقفا واضحا عبرت عنه المملكة وقطر من إنهم غير مستعدين للتعاون مع رئيس لا يملك المواصفات الأساسية، أي الالتزام بدولة القانون والنزاهة والانفتاح، أي شخصية إصلاحية”. وسأل:”من قال إن هناك مبادرة فرنسية باتجاه سليمان فرنجية؟”.
وقال: “لقد دعيت 10 مرات الى باريس واجتمعت مع باتريك دوريل 20 مرة، والفرنسيون يجتمعون مع الكل ويحاولون إيجاد حلول ولا بد من تحديد مواصفات واضحة لأننا لن نقبل برئيس كيفما كان ولن نتعاطى بخفة مع ملف سندفع ثمنه لـ 6 سنوات”.
وتابع: “سليمان فرنجية ينتمي الى محور 8 آذار وهو حليف للنظام السوري وقد جرّبنا الضمانات في 2006 وفي الدوحة و2016 مع الرئيس السابق ميشال عون ورأينا إلى أين أوصلتنا، وكل الوعود بيع سمك بالبحر وما يهمنا هو الضمانات المنوطة بالشخص الذي سننتخبه”. ويشار الى ان معلومات أفادت ان فرنجية التقى امس بعيدا من الأضواء مسؤولين في “حزب الله” واطلعهم على مجريات زيارته لباريس .
ووسط هذه الاجواء، وعشية خلوة بيت عنيا النيابية المسيحية المقررة الاربعاء في حريصا، استقبل البطريرك الراعي في بكركي السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي زارت ايضا عين التينة.
الصورة : الموفد القطري وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي لدى وصوله أمس إلى السرايا خلال جولته على عدد من المسؤولين.