كتبت "النهار" التالي : في يوم الجمعة العظيمة لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي بدا المشهد اللبناني برمّته عالقاً على تطوّرات الإقليم وما يمكن أن تتركه من تأثيرات وتردّدات على الأزمة الرئاسيّة تتفاوت التّقديرات بل تتضارب حيال طبيعتها وتوقيت احتمال بلوغها الواقع اللّبناني.
وتصاعدت مناخات الترقّب للتطوّرات الإقليميّة مع انعقاد اجتماع جدة أمس للدّول الخليجيّة وعدد من الدول العربية للاتّفاق على موضوع إعادة سوريا إلى جامعة الدّول العربيّة بما يتيح مشاركة النّظام السوري في القمّة العربيّة في أيار المقبل، كما مع تقدّم بعض الخطوات في شأن التوصّل إلى تسوية في اليمن.
هذه التطوّرات بدت في صلب الترقّب الدّاخلي في وقت تنتظر الأوساط السياسيّة باهتمام بالغ ما يمكن أن يتوافر من معلومات جديدة الأسبوع المقبل حول التحرّك الفرنسي المتصل بالأزمة الرئاسيّة إذ يبدو واضحاً أنّ هذا التحرّك قد وصل إلى مفترق حاسم في شأن دعمه لرئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة بما يعني أنّه خلال فترة قصيرة سيكون الموقف الفرنسي قد حسم سلباً او إيجاباً حيال ترشيح فرنجية.
وبدا لافتاً أنّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله قد نأى بنفسه وخطابه ومواقفه التي أطلقها في الكلمة التي القاها امس لمناسبة "يوم القدس العالمي" عن الوضع الداخلي برمّته فحصر كلمته بموضوع الصراع مع إسرائيل والتطورات الإقليمية وتجاهل كل الملفات الداخلية.
وسط هذه الأجواء سجّلت حماوة سياسيّة حول ملفّ التّمديد للمجالس البلديّة والاختياريّة من شأنها أن تؤشّر إلى تصعيد سياسي سيواكب جلسة الثلثاء المقبل لمجلس النواب الذي سيمدّد للمجالس المحلية.
هذه السّخونة برزت مع بيان أصدره رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع متضمّناً انتقادات حادّة لمحور الممانعة والتيار العوني. وممّا قال جعجع: "تحضّر مصيبة جديدة للشعب اللبناني من قبل الكتل النيابية التي تتهيّأ لتعطيل الانتخابات البلدية من خلال التمديد للمجالس الحالية في الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري الثلثاء المقبل في 18 نيسان الجاري. ان الكتل النيابية التي تعتزم تطيير الانتخابات البلدية، والمقصود كتل محور الممانعة و"التيار الوطني الحر"، تتذرّع بعدم جهوزية وزارة الداخلية لإجراء هذا الإستحقاق من جهة، وبعدم تأمين الاعتمادات اللازمة لإنجازه من جهة أخرى، ولكنّ هاتين الذريعتين ساقطتان بشكل مدوٍ، إذ انّ وزير الداخلية أكّد مراراً وتكراراً وآخرها يوم أمس من بكركي بالذات حيث صرّح بقدرة الوزارة وجهوزيتها على إجراء الانتخابات في موعدها في حال تأمين النفقات اللازمة، التي هي أقلّ من 10 ملايين دولار.
وثمة إشارة إلى أن الرئيس ميقاتي دعا إلى جلسة للحكومة يوم الثلثاء وتحديداً في 18 الجاري وعلى جدول أعمالها تأمين نفقات الانتخابات البلدية، ولكن مكتب مجلس النواب وكتل الممانعة وكتلة "التيار الوطني الحر" قاموا باستباق اجتماع الحكومة المزمع انعقاده بعد ظهر الثلثاء واتّفقوا على جلسة لمجلس النوّاب قبل ظهر اليوم المذكور بهدف قطع الطريق أمام الحكومة لتأمين النّفقات اللّازمة لإجراء هذه الانتخابات.
وهنا لا بدّ من تأكيد المؤكّد أنّ ما جرى ويجري على صعيد الانتخابات البلدية هو عمليّة غش موصوفة قامت بها الكتل المذكورة بغية تعطيل الانتخابات البلديّة والاختيارية، ولو هذه الكتل تتمتّع بالحدّ الأدنى من المسؤوليّة لكانت اتّفقت مع الرئيس بري على تحديد موعد لجلسة نيابية ما بعد يوم الثلثاء.
ومن جهة أخرى، علينا ألّا نتناسى أنّ البرلمان بوضعه الحالي هو هيئة انتخابية لا تشريعيّة، وبالتّالي أنّ التمديد للمجالس البلدية هو غير دستوري انطلاقاً من قرار المجلس الدستوي رقم 1/1997 تاريخ 12-9- 1997.
والمستغرب أيضاً أنّ كتلة "التيار الوطني الحر" التي رفضت عقد أي اجتماع للحكومة، ولو لبحث قضايا طارئة وملِّحة ومستعجلة، نراها اليوم تقبل باجتماع للمجلس النيابي في قضية لا طارئة ولا مستعجلة وتحت ذريعة غير موجودة وهي كيفية تمويل الانتخابات البلدية، علماً أنّ هذا الأمر بيد الحكومة التي ستنعقد لهذا الخصوص".
وسارعت لجنة الإعلام والتواصل في "التيار الوطني الحر" بالرد فقالت: "أيّهما نصدّق سمير جعجع أم نوّابه؟ فما قرأناه في بيان رئيس القوّات اللبنانيّة يناقض مواقف نوابه في الجلسات النيابية، وهم الذين أعلنوا أنهم لمسوا عدم جهوزيّة وزارة الداخلية وأجهزة الدّولة ككلّ لإجراء الانتخابات البلدية وعبّروا عن ذلك داخل الجلسة النيابية وفي الإعلام.
إنّ الحكومة مستقيلة ولا يحقّ لها أن تنعقد كمجلس وزراء بينما المجلس النيابي قائم ونحن أعلنّا أنّنا مع التشريع الذي تفرضه الظروف الطارئة والقوة القاهرة و لا تجوز أبداً المقارنة بين حكومة مستقيلة ومجلس نيابي قائم وليتذكر جعجع أنّ القوات شاركت بعدّة جلسات بين عامي ٢٠١٤- ٢٠١٦
المشكلة ليست فقط بالتمويل بل بانعدام جهوزية الدولة فالقضاة والأساتذة مضربون والدوائر الحكومية من وزارة مالية ومحافظات مقفلة بدليل عدم قبول أيّ طلب ترشيح حتى الآن. وليعلم الجميع أنّ التيار الذي لا يمارس كغيره المزايدة والاستغلال الشعبوي، جاهز للانتخابات البلدية وهو قد أطلق منذ فترة ماكينته الانتخابيّة وآليّة الترشيح الداخليّة ولكن أين جهوزية الدولة ولم يتبقّ سوى ٥ ايّام عمل لقبول طلبات الترشيح في الشمال.
من المحزن أن تصبح الشعبويّة عدوى وأن تصير هي الوسيلة الأبرز عند الكثيرين لممارسة عملهم السياسي".
في المقابل، أوضح النائب هادي أبو الحسن موقف كتلة "اللقاء الديمقراطي" من جلسة الثلثاء، وقال: "إنّ اللّقاء كان واضحاً من الأساس، وطالب بكلّ صدق بضرورة إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية". وذكر بما كان يقوله "اللّقاء الديمقراطي"، بأنّ "عمليّة التأجيل لن تحلّ المشكلة ولا هواجس البعض بل سنواجه المشكلة نفسها من جديد، وسيدهمنا الإستحقاق مجدّداً، فلماذا لم نجره في موعده؟، وما يحصل اليوم هو خطأ فادح وتجاوز للأصول الدستورية"، لافتاً إلى أنّ "المسألة ليست مسألة تقنيّات لوجستية ولا تمويلاً بقدر ما هي مسألة قرار سياسي مبني على عدم القناعة بإجراء الانتخابات".
وأضاف: "ولكن مع وصولنا إلى الوقت الدّاهم الذي لم يعد يسمح بإجراء الإنتخابات في موعدها، فإنّ "اللّقاء الديمقراطي أمام خيارين: إمّا أن يكون شعبويّاً وهذا ما سيتسبّب بتعطيل مصالح المواطنين على مستوى البلديات والمخاتير، وستكون له تداعيات سلبية على الجميع، وإما سنضطر أن نذهب قسراً إلى تجنّب الفراغ من أجل تحمل المسؤولية".
وأوضح أنّه "بكلّ جرأة سيشارك اللّقاء في الجلسة إلا أنه سيحاول ألا يكون التمديد لفترة طويلة، خصوصا ان الحكومة تضع على جدول اعمالها المرتقب مسألة التمويل والزيادة للقطاع العام، وإن اصرار اللقاء الديمقراطي في مطالبته لإجراء الانتخابات كان منطلقه إحترام الإستحقاقات الدستورية ومبدأ تداول السلطات وتحقيق الإنماء".
نصرالله
اما السيد نصرالله فحفلت كلمته بمواقف من تطورات الإقليم بدءا بالتباهي بانها لمصلحة محوره وايران . ولفت إلى "أن اليمن يشهد تطورات إيجابية وما يحصل مهم لمحور المقاومة وفلسطين، كما نشهد تعافياً في سوريا مع عودة علاقاتها السياسية مع عدد من الدول العربية."
وأضاف، "إيران من خلال صمودها وتطوّرها في المعادلات الإقليمية والدولية تغلّبت على الحصار والعقوبات وأعمال الشغب وهناك تأثيرات مهمة على مسار التطبيع مع الاتفاق السعودي الإيراني إذ تم وضع حدّ لمشروع إسرائيلي هادف إلى تشكيل محور إسرائيلي سنّي ـ عربي بوجه إيران" مؤكداً، أن "الرهان على حرب إسرائيلية على إيران سقط حتى اشعار آخر" .
واعتبر نصرالله، أن "إسرائيل في حالة رعب وأعلنت استنفارها على كل الجبهات وسط إرسال تهديدات فارغة"
وعن إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل الأسبوع الماضي، لفت إلى أن "ما جرى أخيراً في الجنوب كان حدثاً مهماً بالنظر إلى الأوضاع منذ العام 2006" موضحاً، "لم أتكلم عن الموضوع الأسبوع الماضي لأنه كان بحاجة إلى تشاور ودراسة"”.
وأكد أن "اعتماد سياسة الصمت كجزء من الحرب مع العدو هي الأفضل ولا داعي للإجابة عن أسئلته لأن سياسة الصمت تقلقه" مشيراً إلى أن "سياسة الصمت قد تقلق الصديق أيضاً، لكن بما يتعلق بقلق الصديق يجب أن يعتبرها جزء من تضحياته في المعركة".
واعتبر نصرالله، "أننا حققنا هدفاً مهماً من خلال الصواريخ، وهو أننا استطعنا أن نحيّد حزب الله عن المسؤولية، وأمام منطق تثبيت المعادلات الاستفزاز ليس مهماً ولا يهمنا ما يشعر به العدو لكنه كذب بوضوح ومنها أن حكومة رئيس الوزراء السابق يائير لابيد وقعت اتفاقاً مع حزب الله، فيما الجميع يعلم أن هذا كذب"
وقال، إن "أهم كذبة صرّح بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنهم قصفوا بنى تحتية للحزب وحركة حماس، فيما كل وسائل الإعلام قامت بتصوير الأماكن التي قُصفت وهي أماكن مفتوحة" . وأشار إلى أن "نتنياهو يتوعد المقاومة ونحن في المقاومة نتوعده أيضاً، والأيام بيننا، فكل تهديدات العدو تجاه لبنان والمقاومة لن تجدي نفعاً بل تزيدنا عزماً واصراراً".
وحذّر نصرالله إسرائيل، بالرد بالشكل المناسب ومن دون تردد على أي اعتداء أو عمل أمني في لبنان، قائلاً، "أي تعرض لأحد مقيم في لبنان سواء كان إيراني أو لبناني أو فلسطيني، فنحن سنرد عليه بالحجم المناسب وبالطريقة المناسبة ان شاء الله".
وأردف "حماقة وجرائم العدو ولا سيما في الأشهر القليلة الماضية، في القدس وسوريا وجنوب لبنان قد تدفع المنطقة إلى حرب كبرى، وإذا كانت حكومة نتنياهو على فهم يقول لها إن المنطقة لن تذهب إلى حرب فهي مخطئة ولن يستطيع أحد في مرحلة من المراحل أن يمنع من امتدادها وأقول لإسرائيل وأميركا: حذارِ لأن الأماكن المقدّسة خطّ أحمر، ولن تجرّوا المنطقة أبداً إلى حرب كبرى وحتى الآن لا لبنان ولا سوريا ولا قطاع غزة يريد الحرب"”.
الصورة : المطران الياس عودة في خدمة جناز المسيح في كاتدرائية القديس جاورجيوس (حسن عسل).