كتبت "الجمهورية" التالي : خطفت الأضواء أمس المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الايراني امير حسين عبد اللهيان، وتوزّعت وقائعها بين وزارة الخارجية والسرايا الحكومية وعين التينة ومقر السفارة الايرانية والضاحية الجنوبية لبيروت، وحيث انّ رئيس الديبلوماسية الايرانية يزور لبنان للمرة الاولى بعد الاتفاق السعودي ـ الايراني على تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران برعاية الصين الذي انعكس إيجاباً على المنطقة وهيّأ الظروف لمعالجة الازمات التي تعيشها على كل المستويات. وعلى رغم من الطابع الاستطلاعي لهذه الزيارة حول الازمة اللبنانية وسبل معالجتها، فإنّ الوزير الايراني كرّر تأكيد استعداد بلاده لدعم لبنان في مختلف المجالات طارحاً مجدداً عروضاً للمساعدة قدّمتها في مجالات الطاقة وغيرها، وداعِياً اللبنانيين الى الاستفادة من الاتفاق بين الرياض وطهران والتوافق فيما بينهم على إنجاز الاستحقاق الرئاسي وتكوين السلطة الجديدة والانطلاق الى إنقاذ لبنان ممّا هو فيه من انهيار على كل المستويات.
خرج مصدر سياسي تَتبّعَ محادثات عبداللهيان في بيروت بانطباعٍ مفاده انّ «طهران معنية بكل المنطقة وخصوصا بلبنان، لكن حتماً حتماً ليس بالاستحقاق الرئاسي». وأكد لـ«الجمهورية» انّ ما فهم منه هو انّ القوى السياسية في لبنان وفي مقدمها الثنائي الشيعي معنية بالملف الرئاسي، ومن يريد التحدث بالرئاسة فليحاور مباشرة القوى السياسية والثنائي». كاشفاً ان «ما قاله عبداللهيان في العام والخاص هو نفسه بهذا الخصوص».
وأضاف المصدر: «هناك فارق بين الموقف السلبي وتكريس المبادىء، والموقف الايراني مبدئي تماماً كما كان موقفه قبل انتخاب الرئيس ميشال عون على مدى سنتين ونصف سنة. حينها كان الفرنسي يطلب من الايراني التواصل مع «حزب الله» وكان يسمع الجواب منهم نفسه: إذهبوا وتحدثوا مع «حزب الله» فنحن لا شأن لنا ولنا ملء الثقة بحلفائنا. وهذا الموقف يختلف عن الموقف السعودي حالياً الذي لا يريد التدخل».
وتابع المصدر: «لقد سمعنا من رئيس الديبلوماسية الايرانية انّ ايران معنية بالمنطقة استراتيجياً وبحفظ لبنان، امّا في التفاصيل وفي الاستحقاق الرئاسي على أهميته فهذا الموضوع متروك للقوى السياسية الداخلية»… وعن الهدف من اجتماع عبداللهيان مع رؤساء الكتل والنواب، قال المصدر: «لأنّ الايرانيين معنيون بملفات المنطقة وبكل ما يحصل وبالمستجدات وما هو قادم، والتأكيد انّ ايران والمملكة العربية السعودية تتأهبان لدور غير عادي في المنطقة». ورأى «انّ نتائج هذه الزيارة الايرانية على الرئاسة «صفر». ودعا الى تَرقّب الحركة السعودية في لبنان التي يمكن ان تنتج أجواء ايجابية غير عادية، سواء مع السفير وليد البخاري او مع موفد سعودي، حيث كشف المصدر معلومات عن إمكانية لقاء قريب بين السفير او موفد سعودي مع وفد من «حزب الله».
تفاهم داخلي
الى ذلك أبلغت أوساط سياسية واكَبت زيارة عبد اللهيان لبيروت الى «الجمهورية» انّ الضيف الإيراني حَضّ الجهات اللبنانية التي التقاها على بذل كل الجهود الممكنة لتأمين تفاهم داخلي حول هوية رئيس الجمهورية المقبل، ملمّحاً الى انّ لدى القوى الإقليمية في هذه المرحلة أولويات قد لا يكون الملف الرئاسي في طليعتها.
ولفتت تلك الاوساط الى انه تكوّن لديها انطباع بأنّ كلاً من إيران والسعودية مُهتمّتان بإنجاح الاتفاق بينهما وبتثبيت التحولات الاستراتيجية في المنطقة والعالم. وبالتالي، لا تريدان للملف اللبناني ولأزمة انتخاب رئيس لا يملك كثيراً من الصلاحيات أصلاً ان يشوّشا على تقاربهما وما أفرزه من معادلات جديدة.
اللقاء مع النواب
وعلمت «الجمهورية» انّ عبد اللهيان حرص خلال اللقاء مع رؤساء الكتل النيابية وحملتها على سماع آرائهم في التطورات الجارية والحلول المطلوبة للأزمة اللبنانية، وقال للحاضرين انه بعد التفاهم السعودي ـ الايراني برعاية الصين نزور لبنان من باب اننا اصدقاء للبنان ولاستكشاف ما يمكننا القيام به للمساعدة.
واضاف انّ من المفترض ان الاتفاق السعودي - الايراني يترك بصمات إيجابية تسمح للبنانيين التفاهم بعضهم مع بعض، فمن كان يقول للايرانيين او للسعوديين اذهبوا وتصالحوا بعضكم مع بعض فتحلّ المشكلة في لبنان نقول لهم: ها نحن قد تصالحنا ولكن الازمة اللبنانية ما تزال قائمة، وهذا يدل على انّ للأزمة أبعاداً داخلية لا يمكن نكرانها، ولذلك على اللبنانيين ان يتفاهموا بعضهم مع بعض مُستفيدين من المناخات الايجابية للدول الصديقة.
وكان عبداللهيان قد التقى في اليوم الثاني لزيارته كلّاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب، وسيعقد بعد ظهر اليوم مؤتمرا صحافيا يتحدث فيه عن نتائج محادثاته. وقال من وزارة الخارجية ان «المسؤولين في لبنان وكل الاحزاب السياسية والجهات في هذا البلد لهم القدرة والكفاية اللازمة على التوصّل الى اتفاق وإجماع في شأن انتخاب رئيس للجمهورية، وسندعم اي انتخاب وأي اتفاق يحصل بين جميع الجهات في لبنان وندعو الأطراف الاجنبية كافة لدعم هذا الانتخاب من دون أي تدخّل في الشأن الداخلي».
التوازن السلبي
في غضون ذلك قال سياسي مُحايد لـ«الجمهورية» انّ «الخروج من الازمة اللبنانية يستدعي الخروج من التوازن السلبي القائم». وأضاف: «نحن اليوم في توازن سلبي أظهرت الوقائع السياسية انّ اي فريق من الفريقين المُنقسمين غير قادر على إيصال مرشحه الرئاسي ولا مؤشرات الى ان اي فريق في وارد، حتى اللحظة، التراجع عن مُقاربته الرئاسية وما زال كل فريق يعوّل على تراجع الآخر، إنْ من خلال الرهان على تبدّلات الموازين في القوى الداخلية اي تراجع أحد الفريقين عن تمسّكه بمرشحه او ان تمارس الدول الخارجية الضغوط على فريق من الفريقين من اجل ان يتراجع عن موقفه، ولكن حتى اللحظة تبيّن انّ ايران ليست في وارد التدخّل مع «حزب الله»، والمملكة العربية السعودية ليست في وارد التدخل مع اصدقائها في لبنان، والمبادرة الفرنسية وصلت الى الحد الذي وصلت اليه، وبالتالي لا مؤشرات الى إمكانية تجاوز هذا التوازن السلبي».
وقال هذا السياسي المخضرم انه «من اجل الخروج من هذا الواقع الذي يمكن ان يستمر لأشهر وسنوات في ظل واقعٍ انهياري مفتوح على مزيد من فصول الانهيار ينبغي الخروج من التوازن السلبي الى التوازن الايجابي، الذي ينتج عن الوصول الى مرشح مقبول لدى جميع القوى السياسية وقادر على إيجاد هذه المساحة المشتركة المفقودة اليوم، وما لم يتم ايجاد هذه المساحة لا مؤشرات الى انّ أيّاً من الفريقين في وارد التراجع، لا بل المؤشرات تؤكد انّ لبنان يتجه الى مزيد الانهيار والانقسام، والى مزيد من المواجهات التي ربما تتطور بمشاهد معينة، وبالتالي الخروج من التوازن السلبي الى التوازن الايجابي وما لم يُصَر الى الانتقال من التوازن الى ذاك، سيبقى لبنان في هذه الدوامة المفتوحة على كل الاحتمالات وبالتالي بدلاً من انتظار عامل الوقت الذي أصبحت انعكاساته سلبية على جميع اللبنانيين، وقد حان الوقت للتفكير جدياً بمخارج معينة، وعلى القوى التي لم تحسم موقفها بعد ان تُبادِر الى طروحات سياسية قادرة على ان تفرض الدفع في اتجاه إرساء توازن جديد يؤدي الى دينامية جديدة تُخرج لبنان من هذا الواقع المأزوم، الذي، في حال استمر، سيشهد لبنان مزيداً من الانعكاسات السلبية التي لا تحمد عقباه.
الاستعصاء الرئاسي
وفي هذه الاجواء قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ «الخروج من الاستعصاء الرئاسي غير ممكن سوى من خلال انتخابات رئاسية تُحاكي طبيعة المرحلة الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان، وتتطلّب رئاسات قادرة على الانقاذ وحكومات تحمل برامج وطنية ولا تتأثر بالضغوط السياسية وتتصرّف انطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا». ورأت «انّ المقاربات التي فرضَتها ظروف ما بعد العام 2005 لجهة التعايش بين فريقين مختلفين جذرياً على مستوى الرئاسات والحكومات لم تعد تصحّ بعد الانهيار الكبير الذي انزلقَ إليه لبنان وتتحمّل هذه التركيبة بالذات مسؤولية كبرى عمّا آلت إليه الأوضاع اللبنانية».
وشددت المصادر على انّه «مِن شروط الانقاذ الإقلاع عن العقلية القديمة بطريقة إنتاج السلطات الدستورية، وخلاف ذلك يعني التمديد للانهيار واستطراداً للأزمات المفتوحة وفصولها المتعدِّدة. فالبلد في أزمة استثنائية، ما يَستدعي معالجات استثنائية وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية لا يخضع لموازين القوى ولا أولوية له غير ممارسة دوره طبقاً لصلاحياته، وما ينطبق على الرئيس ينسحب على تكليف رئيس للحكومة وتشكيل حكومة متجانسة لا متضاربة بعيداً عن عقلية المتاريس وقادرة على وضع أولوية اللبنانيين فوق كل اعتبار».
وأكدت المصادر «انّ موقف «القوات» الرافِض وصول مرشّح مُمانع إلى القصر الجمهوري نهائي وثابت ولن توفِّر وسيلة ديموقراطية وسياسية لمنع الممانعة من استمرار وضع يدها على المؤسسات الدستورية، وكل الأجواء التي يتم بثّها وضَخّها من انّ الممانعة على قاب قوسين أو أدنى من إيصال مرشحها لا أساس لها من الصحة إطلاقاً، وتتحمّل الممانعة أمام جميع اللبنانيين مسؤولية الانهيار وإبقاء لبنان وسط الانهيار من خلال إصرار على قواعد قديمة قادت لبنان إلى جهنّم».
الطعن بـ«تأجيل البلديات»
من جهة ثانية، وفي خطوة كانت متوقعة مُسبقاً، تقدّمَ وفد من تكتل «الجمهورية القوية» بالطعن بقانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية الرقم 310 / 2023 أمام المجلس الدستوري. وقال عضو التكتل النائب غسان حاصباني: «قمنا بهذه الخطوة، بالتنسيق مع شريحة واسعة من قوى المعارضة، وهي عمل مشترك ومتكامل وواحدة من خطوات عديدة منسقة بينها»، مضيفاً أنه «في هذا القانون ضَربٌ لمبدأ الديموقراطية عبر التمديد للمجالس البلدية والاختيارية». وأكد «اننا نعوّل على الّا يتأثر المجلس الدستوري بالضغط السياسي الهادف الى تأجيل الانتخابات وضرب الديمقراطية».
والكتائب والتغييريون
وقالت مصادر نيابية مطلعة لـ«الجمهورية» انّ طعناً آخر سيتقدّم به نواب حزب الكتائب اللبنانية اليوم في خطوةٍ لإبطال قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، بعدما جمع الحزب تواقيع نواب كتلته النيابية إلى جانب مجموعة من النواب التغييريين والمستقلين وكتلة «تجدد»، وسيتوجّه وفد يمثّل هذه المجموعة النيابية عند التاسعة والنصف صباح اليوم لتقديمه الى المجلس الدستوري.
الدستوري
وعلمت «الجمهورية» من مصادر دستورية انّ رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب سيدعو أعضاء المجلس الى اجتماع مطلع الأسبوع المقبل لاستعجال البحث في الطعون المقدمة بهذا الشأن، وهي الخطوة الاولى من نوعها للمجلس هذه السنة. وتوقعت المصادر إلى أن يضمّ المجلس الطعون المقدّمة في رزمة واحدة ويسمّي المقرر الذي سينظر فيها على انها طعن واحد يستهدف إبطال قانون واحد. وهي خطوة قانونية ودستورية طبيعية يمكن اللجوء إليها في مثل هذه الحال.
لجنة النازحين
وفي خطوة عُدّت ترجمة لما انتهت اليه أعمال اللجنة الوزارية المكلفة ملف النازحين السوريين، أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس قراراً كلّف بموجبه المدير العام للأمن العام بالإنابة العميد الياس البيسري «متابعة موضوع إعادة النازحين السوريين، لتأمين العودة الآمنة والطوعية لهم وتنفيذ مقررات اللجنة الوزارية». وأشار القرار أيضًا إلى أنّه تمّ تكليف البيسري «التواصل بهذا الخصوص مع الجهات السورية المعنية والاستعانة بمَن يراه مناسبًا من الإدارات العامة والمؤسسات العامة وهيئات المجتمع المدني في سبيل إنفاذ المهمة المطلوبة».