كتبت "النهار" التالي : لا جديد "جدّياً" وواقعياً في مسار التأزم الذي يطبع الأزمة الرئاسية رغم كل الاجتهادات المتسرّعة محلياً في شأن التحركات الخارجية والداخلية الأخيرة. هذه الخلاصة المقتضبة تؤكدها أوساط سياسة واسعة الاطلاع ومعنية برصد نتائج الحراك الرئاسي الذي توزع أخيراً على محور بيروت باريس ومن ثم دخلت عليه ترددات الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لبيروت.
وتوضح هذه الأوساط أن التحفظ اللافت الذي أبداه الوزير الإيراني في إجاباته عن الاستفسارات والاستيضاحات الإعلامية والسياسية حول موقف بلاده من دعم الثنائي الشيعي لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية حملت دلالات واضحة لجهة أولاً عدم نضوج الأجواء الإقليمية وتحديداً السعودية الإيرانية للتوغل راهناً في الملف اللبناني بما يعكس أن هذا الملف ينتظر إنجاز الأولويات الملحة الأخرى التي تتقدم أجندة البلدين ولاسيما منها اليمن.
وثانياً، إن الملف الرئاسي لا يزال في فترة الانتظار الخارجية عرضة للتجاذبات الحادة بين القوى الداخلية ويبدو صعباً للغاية الرهان على كسر الأزمة في وقت قريب، بل إن المخاوف من تمددها لفترة غير محددة ازدادت في الآونة الأخيرة خلافاً للكثير من التقديرات والرهانات المحلية. وفي أي حال تترقب الأوساط نفسها تحركات بارزة جديدة في الأيام القليلة المقبلة خصوصاً للسفير السعودي وليد البخاري الذي لم يظهر بعد في أي مناسبة أو لقاء علني منذ عودته قبل أيام إلى بيروت وما يمكن أن تُظهر هذه العودة من مؤشرات حيال الموقف السعودي من الواقع اللبناني بعد الاتفاق السعودي الإيراني.
ولكن الأوساط المعنية بدت متيقنة من أن أي جديد طارئ لم يتبدل في التزام السعودية موقف التشدد في المواصفات المعروفة لرئيس الجمهورية العتيد بما يوفر إطلاق حل حقيقي لأزمة لبنان بما يعني أن التوظيف الإعلامي والسياسي الذي لجأ إليه بعض المراجع والسياسيين للترويج لتبدل في الموقف السعودي من فرنجية كان "من صنع محلي" غير موثوق أبداً.
ومع ذلك، تسرّع البعض في تفسير تصريح لرئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد بأنه في إطار "تبديل النبرة" لناحية دعوته إلى "التنازل" علماً أن هذه الإشارة لا تكفي للدلالة على بداية تنازل لدى الفريق الذي ينتمي إليه رعد. فقد رأى رعد أن "لا سبيل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي إلا بتفاهم الجميع". وقال: "نحن دعمنا مرشحاً للرئاسة لكن لم نغلق الأبواب، ودعونا الآخرين وحثيناهم من أجل أن يطرحوا مرشحهم وقلنا تعالوا لنتباحث لكن ثمة من ينكر علينا الحق في أن ندعم مرشحاً للرئاسة ويريد أن يفرض الرئيس الذي يريد ويتهم الآخرين بأنهم يحاولون فرض الرئيس الذي يريدون".
أضاف: "إذا فكرنا بطريقة سليمة وبطريقة تتجاوز مصالحنا الخاصة وأنانياتنا وحزبياتنا لنفكر بالصالح العام والمصلحة الوطنية نستطيع أن نتفاهم، والتفاهم يحتاج إلى تنازلات، لكن مرة واحد يتنازل بما يمكن التنازل به ومرة واحد يريد أن يتنازل عن مستقبل الوطن وعن سيادة الوطن وهذا غير مقبول. التنازل من حسابنا وليس من حساب الوطن، وهذا ما ندعو إليه ونأمل به ونحاول من خلال اتصالاتنا ولقاءاتنا أن نحفز اللبنانيين على اختلاف فئاتهم وطوائهم لكي ننجز هذا الاستحقاق الذي هو المدخل الإلزامي لإعادة بناء الدولة وإصلاح ما تم التفريط به خلال السنوات الماضية".
في المقابل، صعّدت قوى المعارضة تشددها حيال مرشح الفريق الممانع . وفي هذا السياق اعتبر نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عضو "تكتل الجمهورية القوية" النائب غسان حاصباني أن "الاتفاق على عدم إيصال سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية هذا بذاته بحجم الاتفاق على استقلال لبنان".. وأكد أن "ليس المطلوب التفاهم على رئيس للجمهورية بل انتخاب رئيس وفق منطق الديمقراطية"، مشدّداً على أن "عقد جلسات للانتخاب ليس عملية انتقائية وأي جلسة معلّبة مسبقاً لانتخاب رئيس محدد هي التفاف على الدستور". وأعرب حاصباني عن خشيته من أن تؤدي كثرة المبادرات الرئاسية غير المنظّمة إلى نتائج عكسية، ورأى أنه "إذا لن يفتح مجلس النواب أبوابه إلا متى توفرت الجهوزية لانتخاب رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، فهذا يعني أن الخلل كبير والأمر يعكس تضارباً في المصالح بين دور رئاسة مجلس نواب ودور طرف ضمن فريق في آن". وعن الإصرار على وجود مرشح جدي منافس لفرنجية من أجل الدعوة إلى جلسة قال "نحن لا نلعب "فتة ورق" ليطالبنا الفريق الآخر بطرح أسماء. ليفتحوا مجلس النواب وحينها سيكون للمعارضة مرشح، فلدينا مروحة أسماء ونملك رؤية للمرحلة".
وبدوره، أوضح عضو كتلة الكتائب النائب الياس حنكش "أن رفضنا لفرنجية لأسباب سياسية وليس شخصية، فهو ركن أساسي من الطبقة الحاكمة منذ التسعينات وحليف وفي لفريقه السياسي الذي لا يتماشى مع ثوابتنا وطروحاتنا". ورأى حنكش "أن ما نعيشه اليوم يحتم انتخاب رئيس في أسرع وقت من دون أن يفرض فريق مرشحه على الفريق الآخر، لذلك رفضنا المبادرة الفرنسية لانتخاب فرنجية. وأكد "أننا لدينا علاقات مهمة جدًا مع السعودية ووجودها ليس تفصيل في المنطقة إنما نموذج، والسعودية لا تدخل في لعبة الأسماء لكنها أبدت رأيها بأن يكون الرئيس سيادياً وبعيداً عن شبهات الفساد".