كتبت صحيفة "الأخبار" : في اللقاء الوزاري التشاوري حول ملف النزوح السوري في مكتب رئيس الحكومة أول من أمس، بحضور قائد الجيش جوزيف عون والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، وزّع عون على الحاضرين تقريراً أعدّته القيادة (حصلت «الأخبار» على نسخة منه) يتضمّن خريطة توزّع عناصر الجيش على الحدود اللبنانية - السورية والتدابير التي تتّخذها المؤسسة لضبط هذه الحدود.
التقرير الذي أعدّته «عمليات قيادة الجيش» بعنوان «موجة النزوح السوري مؤخّراً»، أشبه بملخّص مكتوب على عجل، إذ لا يتضمّن معالجة عميقة للموضوع ولا يقسم النازحين الجدد إلى فئات تأخذ في الاعتبار سبب النزوح وظروفه والفئات العمرية، بل يضع كل النازحين في سلة واحدة، بعد مقدّمة حول تاريخ بدء النزوح السوري إلى لبنان عام 2011، تمويل المجتمع الدولي والأمم المتحدة لهؤلاء النازحين عبر المنظمات غير الحكومية، وصولاً إلى بدء استقبال مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين طلبات تسجيل النازحين، واستمرارها بالتسجيل رغم طلب الأمن العام اللبناني عام 2015 وقف هذه العمليات.
وبعد سرد متأخّر لكلّ مراحل أزمة النزوح، بما فيها سوء إدارة الحكومات اللبنانية للملف، يعرض الجيش التدابير التي يتّخذها لضبط الحدود، ومنها انتشار عناصره في ظل «أوضاع مادية واجتماعية ولوجستية صعبة في المحروقات والآليات، إضافة إلى النقص الحادّ في عديد العسكريين والمخاطر التي يتعرّضون لها خلال توقيف المهرّبين، حيث يحصل أحياناً تبادل لإطلاق النار أو اتخاذ المدنيين دروعاً بشرية».
النقطة الأهم في التقرير الذي يقع في 48 صفحة ترد في جدول تفصيلي في الصفحة 13 حول مهمات الأفواج المنتشرة على الحدود، والتي أوقفت خلال آب الماضي فقط 8183 سورياً حاولوا الدخول بطريقة غير شرعية وجرى ترحيلهم، فيما بلغ عدد السوريين الذين رحّلهم الجيش لمحاولتهم الدخول بصورة غير شرعية منذ بداية العام وحتى السادس من أيلول الجاري 23 ألفاً و597 نازحاً، من دون أي تقديرات حول الأعداد التي تمكّنت من الدخول، خصوصاً مع تجدّد موجة النزوح في الشهرين الماضيين.
وتضمّن التقرير شكوى الجيش من نقص عديده عارضاً خريطة انتشار 4838 عنصراً يتوزّعون على 108 مراكز بينها 38 برج مراقبة مجهّزة بكاميرات وأجهزة استشعار رؤية ليلية بعمق نحو 7 كلم ضمن الأراضي اللبنانية، مشيراً إلى أن «الحدود اللبنانية - السورية بحاجة إلى خمسة أضعاف القوى المنتشرة حالياً كحد أدنى لضبط الحدود»، وهو ما ليس متوفّراً في ظل أوضاع الجيش المالية واللوجستية.
وتضمّن التقرير عرضاً لتوزّع العناصر على طول الحدود اللبنانية - السورية، حيث تنتشر أربعة أفواج حدود برية وقسم من فوج تدخّل على طول الحدود، بخط حدودي يبلغ نحو 387 كلم بدءاً من العريضة شمالاً مروراً بوادي خالد والهرمل وجرودها والقاع ومشاريعها وعرسال والجرود الشرقية والمصنع، وصولاً إلى سفوح جبل الشيخ جنوباً. وتنفّذ هذه القوى يومياً «36 دورية، وتقيم 72 نقطة مراقبة وكمائن ليلية في الأودية والأماكن التي تصعب مراقبتها بالكاميرات».
ويبدو جلياً مما تضمّنه التقرير، ومن كلام عون في اللقاء التشاوري، أن توصية الجيش الرئيسية لحلّ المشكلة هي اعتماد القنوات السياسية والتنسيق على مستوى الدولتين اللبنانية والسورية، وضرورة «ترشيد إنفاق المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية على النازحين السوريين… ما يستلزم سياسة واضحة وآلية عمل مختلفة مع المنظمات بتوجيه من الحكومة اللبنانية وتحت رقابتها، وليس العكس». كما يوصي الجيش بالتعاون بين الأجهزة الأمنية والقضاء لناحية تقاسم المسؤوليات والاقتصاص من المهرّبين.
عشرات المعابر غير الشرعية... وشريط حدودي للمطلوبين
في 22 آب الماضي، أعدّت المديرية العامة للأمن العام كتاباً أرسله وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي إلى وزارة الدفاع وقيادة الجيش، مذيّلاً بعبارة «سرّي للغاية وعاجل جداً»، طالباً الاطّلاع عليه واتخاذ الإجراءات اللازمة. وأُرفق الكتاب بتقرير أعدّه الأمن العام حول أعمال التهريب المتنامية عبر المعابر البرية غير الشرعية.
اللافت أن التقرير يورد تفاصيل حول ازدياد أعمال التهريب عبر المعابر غير الشرعية في منطقة وادي خالد وجوارها نقلاً عن «أوساط متابعة»، تتحدّث عن عمليات إدخال سوريين يتم نقلهم من قبل مهرّبين من وادي خالد إلى شدرا، وهناك يتولّى آخرون نقلهم إلى المناطق الداخلية بعد حاجز شدرا التابع للجيش اللبناني.
وتتابع أنه «يتم التداول في أوساط المهرّبين أن أسباب ازدياد حركة تهريب الأشخاص من الداخل السوري إلى لبنان يعود إلى الارتفاع الحاد في سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، إذ أصبح راتب الموظف السوري يعادل 9 دولارات، إضافة إلى الحديث عن احتمال توتر الأوضاع الأمنية في سوريا بين الجيشين الأميركي والروسي، خصوصاً بعد استقدام قوات أميركية إلى الشمال السوري».
وتتم عمليات التهريب سيراً على الأقدام خلف حواجز فوج الحدود البري الأول في بلدات شدرا والسهلة والرومية؛ وفي حال توقيف الأشخاص يصار إلى ترحيلهم من خلال معبر الشركة المتحدة غير الشرعي تحت إشراف الجيش. غير أن المهرّبين تمكّنوا من التحايل على هذا الإجراء وعمدوا إلى الإيعاز إلى الأشخاص المرحّلين بعدم دخول الأراضي السورية وانتظار مغادرة الجيش للعودة إلى الداخل اللبناني. في حين أن النقطة الأهم تكمن في إطلاق سراح المهرّب بعد 24 ساعة فقط على توقيفه بسند إقامة!.
أيضاً، دائماً بحسب «الأوساط»، يعدّد التقرير 13 معبراً غير شرعي في منطقة وادي خالد وجوارها تتضمّن 13 معبراً ويتم ذكرها بالأسماء في منطقة بعلبك - الهرمل، تلفت «الأوساط» التي ينقل الأمن العام عنها إلى أن المهرّبين ينشطون في هذه المنطقة عبر أربعة معابر في بلدة المشرفة و7 معابر في بلدة حوش السيد علي، و6 معابر في بلدة القصر و3 معابر في بلدة سهلات الماء وفيسان. و«رغم الإجراءات المشدّدة للجيش لضبط الحدود، ينشط التهريب في هذه المعابر التي فرضتها طبيعة الأرض الجغرافية منذ اندلاع الحرب السورية وبحسب العرض والطلب، علماً أن المناطق الحدودية اللبنانية - السورية شهدت تغييراً ديموغرافياً من الناحية السورية، حيث باتت بلدات كثيرة يقطنها لبنانيون معظمهم من منطقة الهرمل».
ويلفت الأمن العام إلى خطورة تحوّل الشريط الحدودي السوري مع لبنان إلى ملجأ للمطلوبين الفارّين من أجهزة الأمن اللبنانية على خلفية تشكيلهم عصابات تهريب وخطف. فثمة عمليات أخرى يكمن نشاطها الأساسي في الخطف والابتزاز وتستخدم معبر العريض الموجود في بلدة القصر، ومعبر حيدر مخيبر ناصر الدين في بلدة حوش السيد علي، ومعبر بيت شفيق الحاج حسن عند حدود بلدة المشرفة، ومعبر بيت الراضي في مشاريع بلدة القاع، ومعبر وادي الكرم في جرود بلدة القاع المقابل لمنطقة حسبة السورية حيث تنتشر الفرقة الرابعة، ومعابر الخشن وحورتا والميل والزمراني ووادي العويني ووادي عنفيق في خراج بلدة عرسال. أما على صعيد مناطق البقاع الأوسط، فتنتشر عدة معابر غير شرعية غالبيتها في بلدات مجدل عنجر والصويرة والمنارة وعيتا الفخار. في حين ثمة عدة معابر في منطقة البقاع الغربي ولا سيما في خراج بلدة شبعا تُستخدم لتهريب البضائع والدخان والأشخاص من خلال اعتماد الطرقات الترابية المخصّصة للسيارات، ما يجعل إمكانية ضبطها من قبل الجيش في غاية الصعوبة.
الصورة : (أ ف ب )