بقلم
كامل عبد الكريم كزبر
كم هي قاسية لحظات الوداع والفراق ، التي تسجل وتختزن في القلب والذاكرة ، وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة ، ونحن نودع واحداً من جيل المربين والأساتذة الافاضل المؤمنين بالرسالة التربوية العظيمة ، الناكرين للذات ، من ذلك الزمن الجميل البعيد ، أستاذنا المربي الدكتور عبد الرحمن عثمان حجازي ( ابا عثمان)، الذي فارق الدنيا ، بعد مسيرة عطاء عريضة ، ومشوار حياة في السلك التعليمي والعمل التربوي والاجتماعي والثقافي ، تاركاً سيرة عطرة ، وذكرى طيبة ، وروحاً نقية ، وشذا شجرة برتقال صيداوية ، وميراثاً من الكتب والمقالات التربوية والثقافية .
فيا أيها الانسان "الطيب "، يعز علينا فراقك ،ومهما كتبنا من كلمات رثاء، وسطرنا من حروف حزينة باكية، لن نوفيك حقك لما قدمته من علم ووقت وجهد وتفانٍ في سبيل التربية والتعليم من اجل شباب ورجال المستقبل والغد ، غرست فينا حب العلم والمعرفة ، ونميت في اعماقنا قيم الخير والانتماء والعمل بشغف .
وإنه لشرف كبير لي ، انني كنت واحداً من طلاب وتلامذة الدكتور عبد الرحمن الذي قضى أكثر من أربعين عاماً في سلك التدريس المدرسي ثم الجامعي ، متطوعاً في العديد من المؤسسات والجمعيات الخيرية والاهلية ، وساهم بدور فعال في العطاء وتغذية المكتبة الصيداوية ، كما لا أنسى فضله وإسهاماته في نشر الإعلام الإسلامي وخصوصا خلال عمله في اذاعة الاسراء حيث كان ذاك الجندي الخفي الذي كانت كتاباته تطرب آذان المستمعين وخصوصا في البرنامج الذي احبه وعشقه الناس " سعدو حسون" حيث تم كتابة اكثر من ١٣٠٠ حلقة وترجم إلى عدة لغات .
عرفنا الفقيد معلماً هادئاً ، متسامحاً ، راضياً ، قنوعاً ، متواضعا ،ملتزماً بانسانيته كما هو ملتزم بدينه وواجباته الدينية . حمل الامانة باخلاص ، واعطى للحياة والناس ولصيدا جهده وخبرته وتجربته وحبه لهم حيث كان له إسهامات تربوية وفكرية وثقافية ، لقد كان مدرسة كاملة في علمه وتجربته وإرشاداته .
نعم لقد غيب الموت أستاذنا ومعلمنا الحبيب الغالي ،جسداً ، لكنه سيبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد هذه الحياة ، ولن ننساه ، وسيظل باعماله ومآثره وسيرته نبراساً وقدوة لنا .
نم مرتاح البال والضمير ، فقد أديت الامانة وقمت بدورك على أحسن وجه ، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون . وما لي في وقفة الوداع سوى هذين البيتين من الشعر قالهما شاعر النيل حافظ ابراهيم في رثاء صديقه ومجايله أمير الشعراء احمد شوقي :
خلفت في الدنيا بياناً خالداً وتركت أجيالاً من الأبناء
وغداً سيذكرك الزمان لم يزل للدهر انصاف وحسن جزاء