بقلم
خليل ابراهيم المتبولي
في عتمة الأزمات وصخب الحروب، برزت أسماء تحمل في طيّاتها معاني النضال والتضحية، وكان من بين تلك الأسماء اللامعة مصطفى معروف سعد، الرجل الذي جُبلت حبات تراب الوطن بعرقه ودمائه، فصار رمزًا للمقاومة الوطنية، وُلد في مدينة صيدا عام 1951. تميّز بحياة نضاليّة حافلة، حيث كرّس حياته للدفاع عن لبنان والوقوف في وجه العدو الصهيوني، بالإضافة إلى دوره البارز في جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة (جمول)، الجبهة التي خطّت حروفها الأولى بمداد العزم والصمود.
نشأ وترعرع في بيت نضاليّ، فكان والده الزعيم الشهيد معروف سعد رمزًا وطنيًا نذر حياته لخدمة الوطن، وغرس في ولده قيم الكفاح والشجاعة. من هنا، بدأت مسيرة مصطفى سعد (أبو معروف) النضاليّة، لتصبح قصّة تستحق أن تروى.
بعد استشهاد والده بدأ مصطفى سعد ( أبو معروف) مسيرته النضاليّة في سن مبكرة، لقد وجد نفسه في قلب المعركة، يدافع عن أرضه وأهله وحقوقهم. حيث تأثّر بأحداث الحرب الأهليّة اللبنانيّة التي اندلعت في عام 1975. ففي تلك الفترة، تزايدت هجمات واحتلال العدو الصهيوني على جنوب لبنان، ما دفعه للانخراط في المقاومة للدفاع عن أرضه وشعبه. كما لعب دورًا قياديًا في التصدي لتلك الاجتياحات الإسرائيليّة المتكرّرة.
في عام 1982، ومع اجتياح العدو الصهيوني للبنان، كان مصطفى سعد في طليعة المدافعين عن أرض الوطن. لم يكن يهاب الموت، بل كان يرى فيه طريقًا إلى الحريّة. وفي ظل هذا الظلام الحالك، انبثقت فكرة جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة (جمول)، والتي اكتسبت سمعة كبيرة على الصعيدين الوطني والدولي. فقد كانت هذه الجبهة تهدف إلى توحيد المقاومة وصفوفها، وإلى توحيد جهود المقاومين من مختلف الأطياف السياسيّة والمذهبيّة تحت راية واحدة، وقد جسّد مصطفى سعد (أبو معروف) من خلالها معنى الوحدة الوطنيّة والتضحية من أجل الوطن.
لم تكن حياة أبو معروف خالية من المخاطر، ولم تكن طريق النضال سهلة عليه، فقد تعرّض للعديد من محاولات الاغتيال. ففي عام 1985، انفجرت سيارة مفخخة تحت منزله في صيدا، مما أدّى إلى استشهاد ابنته ناتاشا وجاره المهندس محمد طالب وإصابته بجروح بليغة أفقدته بصره. لكن النور الذي كان يشع من قلبه ظل يضيء طريقه. فلم يتراجع عن النضال يومًا، بل استمر في قيادة المقاومة والعمل السياسي، معززًا دوره كمثال للصمود والتضحية في سبيل الوطن مؤمنًا بأنّ الوطن يستحق كلّ التضحيات.
بالإضافة إلى نضاله ضد الاحتلال، كان أبو معروف ناشطًا سياسيًا بارزًا، حيث ترأّس التنظيم الشعبي الناصري بعد وفاة والده الشهيد معروف سعد. فقد عمل على تعزيز الوحدة الوطنية ودعم القضايا الاجتماعية والاقتصادية في لبنان، متمسكًا بمبادئ العدالة والمساواة.
كانت سنوات نضاله مليئة بالتحديات، ولم تكن المعركة ضد الاحتلال الصهيوني هي الوحيدة التي خاضها مصطفى سعد. ففي عام 2002، أصيب بمرض عضال، ذلك المرض الذي لم يستطع أن يكسر عزيمته. قاوم المرض كما قاوم الاحتلال، واستمر في عطائه السياسي والنضالي حتى آخر رمق من حياته، لقد كان رحيله خسارة كبيرة للبنان وللحركة الوطنية، إلا أنه ترك إرثًا كبيرًا من النضال والتضحية.
في الخامس والعشرين من تموز 2002، رحل مصطفى معروف سعد (أبو معروف،) تاركًا وراءه إرثًا نضاليًا عظيمًا، وفي ذكرى رحيله، نتذكره كرجل نذر حياته من أجل الحرية والكرامة وكأحد أبرز رموز المقاومة الوطنيّة، نستلهم من حياته النضاليّة العبر والدروس، كما وستظل مسيرته رمزًا للصمود والتحدي في وجه الظلم والاحتلال، ومثالًا يحتذى به في النضال من أجل الحرية والكرامة، وكأسطورة نضاليّة ستظل تروى للأجيال القادمة.