ثلاثة عشر مستشفى حكومياً وخاصاً أصابتها غارات العدوان الإسرائيلي وأخرجتها كلياً أو جزئياً عن العمل. فمنذ الثالث من الشهر الجاري، استهدف العدوّ محيط ومداخل عدد من المستشفيات بشكلٍ مباشر، متسبباً بإقفال 4 منها في يومٍ واحد («ميس الجبل»، «بنت جبيل»، «مرجعيون» و«صلاح غندور») لتكرّ بعدها السبحة نحو مستشفياتٍ أخرى أعلنت تباعاً خروجها كلياً أو جزئياً عن الخدمة، وهي مستشفيات «المرتضى» في البقاع الذي أقفلت أبوابه بسبب تعرّض بنيته التحتية من كهرباء ومياه لأضرارٍ كبيرة، بحسب مديره الدكتور محمود علّام، الذي أشار إلى أن «المستشفى سيعاود العمل بالأقسام التي نعمل على إصلاحها»، فيما تبقى أقسام أخرى معطّلة «بسبب امتناع شركات صيانة عن التوجه إلى البقاع». وأول من أمس، قررت إدارة «مستشفى بهمن الجامعي» في حارة حريك، مع الغارة التي سقطت على بعد أمتارٍ منه، إخلاءه من الطواقم الطبية والتمريضية والإبقاء على موظفي الصيانة والسنترال، و«لا سيما أنه منذ ثلاثة أسابيع لم يستقبل جرحى»، وفق مديره العام الدكتور علي كريّم، فيما يستمر «مستشفى الرسول الأعظم الجامعي» بعمله كمستشفى ميداني يستقبل أعداداً من الجرحى والشهداء فقط. وأول من أمس، لحق «مستشفى الساحل الجامعي» بمن سبق، والذي أخلي على عجل ليلاً عقب التلفيقات التي ساقها جيش الاحتلال عن وجود أنفاقٍ تحت مبنى المستشفى، وكانت تلك المرة الأولى التي يذكر فيها العدوّ مرفقاً صحياً بالاسم.
على الجهة المقابلة، تكبر لائحة المستشفيات التي تخرج أقسام منها من الخدمة، من مركز السانت تيريز الصحي إلى مستشفى البتول في الهرمل ومستشفى بيروت الحكومي الذي طاولت غارة ليل أول من أمس أحد مداخله الرئيسية، فيما أغلقت مستشفيات أخرى أقساماً وأبقت فقط على الحالات الطارئة فيها.
منذ بداية الشهر الجاري، باشر العدو الإسرائيلي حرباً ممنهجة على القطاع الصحي، متعمّداً قصف محيط المستشفيات في محاولةٍ لإخراجها عن الخدمة كلياً بما يؤدي إلى انهيار هذا القطاع. وقد فعل ذلك في الجنوب، حيث خرجت معظم المستشفيات القائمة عند خط المواجهة عن الخدمة، ما أدى إلى زيادة الضغط على المستشفيات في مناطق أخرى في الجنوب وبيروت. ويومياً، يضغط العدو على القطاع الصحي حيث لا يمرّ يوم من دون قصف يستهدف مستشفيات أو مسعفين، فيما تكافح المستشفيات للبقاء، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مستشفيا تبنين ونبيه بري الحكوميان اللذان يعملان «تحت النار»، بحسب الدكتور حسن وزني، المدير العام لـ«مستشفى نبيه بري الحكومي الجامعي»، لافتاً إلى أن الغارات التي تستهدف محيط المستشفى «كأنها تحدث داخل المستشفى إذ نختنق يومياً بالغبار من الغارات المتلاحقة».
مع تهديد أكبر مستشفيين جامعيين في بيروت، الساحل وبيروت الحكومي، اتّخذت الحرب ضد القطاع الصحي شكلاً أكثر وضوحاً. فالتلفيقات التي ساقها المتحدث باسم جيش العدو الإسرائيلي حول «وجود أنفاقٍ لحزب الله تحت مستشفى الساحل» أعادت إلى الذاكرة الاتهامات التي ساقها جيش العدو قبل قصف مستشفى المعمداني في غزة، ما أدى إلى سقوط مئات الشهداء وتبعه انهيار كامل للمنظومة الصحية مع تدمير معظم المستشفيات هناك. نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان، الدكتور سليمان هارون، يتخوف «من تكرار هذا السيناريو في لبنان». الهدف واضح من «هذا الخيال الواسع الذي لم يبلعه أحد، وهو استهداف المستشفيات كما فعلوا في غزة»، يقول النائب فادي علامة، وخصوصاً أن هذا العدو «لا يملك ضوابط أخلاقية ولا سياسية ولا رادع يمنعه من ارتكاب مجازر في القطاع الصحي»، بحسب رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور بلال عبد الله، مشيراً إلى «استهداف واضح لقدرة الصمود التي أبداها القطاع عقب حادثة تفجيرات البايجر».
قبل أن يبدأ العدوّ هذه الحرب، استبقها باستهداف كثير من المراكز الصحية ومراكز الإسعاف والمسعفين وعدد من الأطباء والممرضين. ويشير آخر إحصاء نشرته وزارة الصحة قبل نحو أسبوعين إلى استهداف مراكز ست جمعيات وهيئات إسعافية أدت في حصيلة غير نهائية إلى استشهاد ما يقرب من 140 مسعفاً وجرح ما لا يقل عن 250 آخرين، إضافة إلى استشهاد 5 أطباء وجرح ما لا يقلّ عن 30 آخرين، واستشهاد ممرضين وجرح 11 آخرين، إضافة إلى تعطيل أكثر من 120 آلية وسيارة إسعاف.
نقابة المستشفيات
من جهتها وجّهت نقابة المستشفيات في لبنان "التحية والشكر الكبير للوحدات الطبية والتمريضية والإدارية، وكل العاملين الصحيين الذين يثبتون في كل محنة وخطر يحدقان بالوطن شجاعة كبيرة يحتذى بها، وإنسانية فائقة مشّرفة تستحق الفخر بها، مع كل ما يبذلونه من تضحيات ووقوفهم دائما في الخطوط الأمامية بدون اي تردد رغم كل الظروف الصعبة".
واستنكرت النقابة "التهديدات التي تعرض لها مستشفى الساحل المبنية على حجج لا تمت الى الواقع بصلة"، مناشدة "المجتمع الدولي مجددا، اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ قرار إبعاد القطاع الصحي والمستشفيات بكل طواقمها العاملة مع المرضى عن هذه الإعتداءات تطبيقا للقانون الدولي الذي ينص على تأمين الحماية العامة وخصوصا للمواقع المدنية وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لاتفاقيتي جنيف لعام 1977 ولاهاي لعام 1954".
وذكرت بأن "المستشفيات تحظى بحماية خاصة في اتفاقية جنيف الرابعة، إذ لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية التي تقدم الرعاية للجرحى والمرضى والعجائز والنساء، حيث يوجب القانون احترام هذه المستشفيات وحمايتها، وعدم التعرّض لها بالتهديد والوعيد. الى جانب اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قانونا ينص على أن منطقة المستشفى أو أي ملجأ مماثل لا ينبغي أن تكون هدفا للعملية العسكرية. وبناء على ذلك، لا يسمح أبدا بالهجمات العشوائية أو المستهدفة على المستشفيات والوحدات الطبية والعاملين الطبيين الذين يعملون بصفة إنسانية".وتمنت النقابة "نجاح كل المساعي الآيلة الى وقف هذه الحرب وإحلال السلام في لبنان".
(نقلا عن الاخبار ونقابة المستشفيات)