
كتبت صحيفة "الجمهورية" تقول : يقف ملف تأليف الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزف عون على مفترق حرج بين احتمالين؛ الأول إيجابي مرهون بنجاح الإتصالات في تجاوز عقدة الوزير الشيعي الخامس، بما يضع ولادة هذه الحكومة على الخط السريع، والثاني سلبي، محكوم بتباينات وتصلّب في الطروحات، تُعزّز الخشية من دخول هذا الملف في دائرة مراوحة مديدة لا سقف زمنيّاً لها. على أنّ التطوّر البارز الذي دخل على هذا الملف في السّاعات الاخيرة، تجلّى في هجوم أميركي عنيف على «حزب الله»، اقترن بوضع «فيتو» على «إشراكه في الحكومة بأيّ شكل من الأشكال»، على حدّ ما اعلنت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الاوسط مورغان اورتاغوس من القصر الجمهوري في بعبدا، وهو الأمر الذي سارعت رئاسة الجمهورية إلى توضيحه، مؤكّدة «أنّ بعض ما صدر عن اورتاغوس من بعبدا يعبّر عن وجهة نظرها، والرئاسة غير معنية به». فيما أثار الموقف الأميركي تساؤلات في أوساط سياسية مختلفة حول ما يرمي اليه إعلانه في هذا التوقيت بالذات، ومدى تأثيراته على مسار التأليف وفي أيّ اتجاه سيدفع به؟
عون واورتاغوس
استقبل رئيس الجمهورية أمس، نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط. واكّد خلال اللقاء ضرورة توقف الاعتداءات الإسرائيلية وقتل الأبرياء والعسكريين وتدمير المنازل وجرف وإحراق الأراضي الزراعية، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، معتبراً «انّ الاستقرار الدائم في الجنوب رهن بإنجاز الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة وتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته بما في ذلك بنود الاتفاق الذي تمّ التوصل اليه في 27 تشرين الثاني الماضي.
واكّد الرئيس عون «انّ الجيش اللبناني جاهز للانتشار في القرى والبلدات التي تنسحب منها القوات الإسرائيلية، التي يجب ان تنجز هذا الإنسحاب ضمن المهلة المحددة في 18 شباط الجاري، مشدّداً على انّ التعاون مع القوات الدولية مستمر وبناءً للقرار 1701 لتثبيت الاستقرار من جهة وإعادة الحياة تدريجياً إلى المناطق المحررة من الاحتلال، والتي تحتاج إلى خطة شاملة لإعادة إعمارها، وتوفير الحدّ الأدنى من أسباب العيش للأهالي العائدين، بعدما ألحق العدوان الإسرائيلي اضراراً جسيمة في المزروعات والممتلكات.
الموقف الأميركي
ومن على منبر القصر الجمهوري قالت اورتاغوس بعد اللقاء: «كما قلت للرئيس عون، لم أشهد يومًا هذا القدر من الحماس في الولايات المتحدة ومن الجالية اللبنانية حول العالم بشأن مستقبل هذا البلد. وأعتقد أنّ ذلك يعود، إلى حدّ كبير، إلى هزيمة «حزب الله» على يد إسرائيل، ونحن ممتنون لحليفتنا إسرائيل على هزيمة «حزب الله». ولكن الشكر لكم، إلى الشعب اللبناني، وإلى الرئيس عون ورئيس الوزراء المكلّف نواف سلام، وإلى جميع أفراد هذه الحكومة الملتزمين بإنهاء الفساد، وبإجراء الإصلاحات، والتأكّد من أنّ «حزب الله» ليس جزءًا من هذه الحكومة بأي شكل من الأشكال، ويظل منزوع السلاح ومهزومًا عسكريًا».
أضافت: «الولايات المتحدة الأميركية ملتزمة بالصداقة والشراكة التي تربطها بهذه الحكومة الجديدة. لدينا أمل كبير، وهذا الأمل ينبع من معرفتنا بأنّ هناك رجالًا ونساءً يتمتعون بالنزاهة والشفافية في هذه الحكومة، وسيضمنون البدء في إنهاء الفساد، وإنهاء نفوذ «حزب الله»، والشروع في تنفيذ الإصلاحات لبناء بلد أفضل، للبنان الذي يستحقه شعبه كله».
ورداً على سؤال عمّا إذا كانت تخشى من أن يسيطر «حزب الله» على الحكومة. وماذا لو أصرّ الحزب على أن يكون جزءاً منها؟ قالت: «أنا بالتأكيد لا أخشى «حزب الله»، ولست خائفة، لأنّهم هُزموا عسكريًا. لقد وضعنا خطوطاً حمراء واضحة في الولايات المتحدة، ولن يُسمح لهم بترهيب الشعب اللبناني، بما في ذلك أن يكونوا جزءاً من الحكومة. لقد بدأ عصر نهاية إرهاب «حزب الله» في لبنان وحول العالم، وانتهى هذا الأمر».
وحول انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، قالت: «نحن ملتزمون بتاريخ 18 شباط».
توضيح الرئاسة
ولاحقاً، أصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بياناً قال فيه انّ «بعض ما صدر عن أورتاغوس من بعبدا يعبّر عن وجهة نظرها والرئاسة غير معنيّة به».
إتصال بالشرع
وعلى صعيد رئاسي آخر، أعلنت رئاسة الجمهورية «انّ الرئيس عون اجرى اتصالاً هاتفياً بالرئيس السوري احمد الشرع للتهنئة، واتفقا على التنسيق لضبط الوضع على الحدود اللبنانية- السورية ومنع استهداف المدنيين».
اعتراض
وقوبل موقف المسؤولة الأميركية باعتراض جرى التعبير عنه في تجمّع واعتصام لعدد من المواطنين بالقرب من مطار بيروت، كذلك عبّر عنه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان، حيث قال «انّ حكومة بلا الثنائي الوطني تدفع البلد نحو المجهول، وحذارِ الخطأ مع رئيس مجلس النواب، لأنّ الخطأ معه كارثة بحجم قاعدة ميثاقية لبنان». مضيفاً انّ «لعبة التهديد والوعيد فارغة، فلبنان للبنانيين فقط، و«حزب الله» لم يُهزم ولا توجد قوة على وجه الارض تستطيع الخلاص من «حزب الله، والسيادة فقط للبنان وليس لأميركا ومشاريع الإقصاء والخراب».
رعد: تدخّل سافر
بدوره قال رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد: «ما صدر عن القصر الجمهوري من بيان نأى بالرئاسة عمّا صرّحت به المبعوثة الأميركية كفانا الإطالة في التعليق على ما ورد في تصريحها، وهو زاخر بالحقد وبانعدام المسؤولية، ويتطاول على مكوّن وطني في لبنان هو جزء من الوفاق الوطني ومن الحياة السياسية اللبنانية. في تصريحها تدخّل سافر في السيادة اللبنانية وخروج عن كلّ اللياقات الديبلوماسية ومقتضيات العلاقات الدولية».
أضاف: «بكل الأحوال، من يريد أن يتحدث عن الفساد لا يحتضن الإرهاب، وما يفعله الإسرائيلي وهو المحتضَن من السياسة الأميركية إنما يطعن في صدقية الديموقراطية التي تدّعيها الإدارة الأميركية في كل زمان ومكان».
وقال: «صورة القُبح التي أظهرتها حرب إسرائيل ضدّ غزة وضدّ لبنان تكفي للحكم عند كل الناس في العالم من هو الذي يدعم الإرهاب ويُسلّحه ويُموّله ويُهجّر الناس من أرضهم ويسلبهم حقوقهم، مُتجاوزًا كل القانون الدولي وكل المعايير والمقاييس الدولية».
وختم: «لن نستفيض في التعليق على من يُظهر عدائيته لمكوّن لبناني تصدّى للعدوان الصهيوني وهزمه، والمنتصر هو من كشف صورة المعتدي القبيحة والتي ظهر فيها أنّه يُمارس الإبادة الجماعية ضدّ المدنيين، ضدّ الأطفال، ضدّ النساء، ضدّ البيوت الآمنة والمستشفيات، يُدمّر الأحياء السكنية، وهو مُحتل غازٍ غاصبٍ للأرض لا يحقّ له حتى الدفاع عن النفس. نحن نُراهن على إرادة شعبنا المتمسك بخيارنا المقاوم، الذي يحمي هذا البلد ضمن معادلة الجيش والشعب والمقاومة، وهي المعادلة الواقعية التي يستطيع لبنان أن يفخر بأنّه يحمي سيادته من خلالها».
باريس لحل المأزق
حكومياً، الجديد في هذا الملف ما اكّد عليه رئيس الجمهورية حول «انّ مشاورات تشكيل الحكومة تكاد تصل إلى خواتيمها، على ان تتوافر فيها ما يمكِّنها من ان تكون حكومة منسجمة وقادرة على تحقيق ما يصبو اليه اللبنانيون من آمال وتطلعات وردت في خطاب القسم».
وتزامن ذلك مع موقف فرنسي عبّرت عنه الخارجية الفرنسية بتأكيدها «انّ لدينا ثقة كاملة في قدرة سلطات لبنان على تشكيل حكومة تمثل كل اللبنانيين». وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية تعليقاً على الخطوط الحمراء التي وضعتها الولايات المتحدة الاميركية لوجود «حزب الله» في الحكومة اللبنانية: «اننا نأمل أن يجد رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام وسيلة لحل المأزق».
جهود لإنقاذ الحكومة
إلى ذلك، اكّدت مصادر مطبخ التأليف لـ«الجمهورية» أنّ تأليف الحكومة وصل إلى لحظة ترنح خطيرة كادت تضيّع الفرصة الحكومية الجديدة، واستشعر الجميع بمدى خطورة ذلك، ما فرض استنفاراً سياسياً واسعاً وجهوداً حثيثة انصبّت في الساعات الاخيرة على محاولة إنقاذ الحكومة وإعادة ضبط مسارها على خط الولادة السريعة، مشيرة إلى جهد كبير يبذله رئيس الجمهورية في اتجاهات سياسية مختلفة، لتضييق حلقة التباينات التي نشأت في اللحظة الأخيرة، وتوفير المناخات التي تساهم في بناء أرضية حكومية بالقدر الأعلى من التفاهم».
وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فانّ باب الاتصالات فُتح على مصراعيه خلال الساعات الماضية، ولاسيما على خط بعبدا – عين التينة، وكذلك على خط الرئيس المكلّف – عين التينة، حيث أُفيد عن تواصل نهاري حصل بين الرئيس المكلّف ورئيس مجلس النواب، وايضاً على خط ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» في مشاورات تنسيقية في ما بينهما.
وتشير المعلومات إلى أنّ الأجواء التي سادت هذه الاتصالات أوحت بأنّ الأمور لم تصل إلى حائط مسدود، بل إنّ إمكانية تفكيك العقدة الشيعية ما زالت قائمة، وخصوصاً بعد بروز إشارات حول استبعاد اسم لميا مبيض، حيث أفيد عن استبدالها باسم الوزير السابق ناصر الصعيدي كوزير شيعي خامس قابل للتوافق عليه. الّا أنّ الأمور لم تُحسم بصورة نهائية، حيث أنّ الصعيدي اعتذر عن عدم قبول توزيره الّا بحقيبة من ضمن اختصاصه غير البيئة، ما أعاد إطلاق عملية بحث جديدة عن اسم جديد، مع إبقاء قناة الاتصال مفتوحة من قبل الرئيس المكلّف مع رئيس مجلس النواب، على ان تشكّل الساعات القليلة المقبلة المجال الأقرب لحسم التوافق على اسم.
وهذه التطورات كانت مدار بحث في اللقاء الذي عُقد أمس بين رئيس الجمهورية جوزاف عون والرئيس المكلّف نواف سلام، الذي غادر القصر الجمهوري من دون الإدلاء بأي تصريح. فيما وصفت أجواء اللقاء بالمريحة.
هل تولد اليوم؟
وقالت مصادر متابعة لحركة الاتصالات لـ«الجمهورية» انّه «في حال أمكن بلوغ التوافق المنشود على اسم الوزير الشيعي الخامس اليوم، فمن شأن ذلك أن يطلق العجلة الحكومية سريعاً نحو إعلان ولادة الحكومة اليوم ايضاً، إلّا إذا كان خلف الأكمة عقد أخرى، سواء أكانت كامنة في بعض الزوايا السياسية وما زالت في حاجة إلى إنضاج على مستوى تمثيل بعض القوى، او عقد مفتعلة طابعها سياسي وإقصائي لأطراف سياسية معيّنة تصبّ في ما يهدف إليه الموقف الاميركي الصريح لناحية إبعاد «حزب الله» عن المشاركة في الحكومة، فمثل هذه العقد إن وجدت، سيكون لها التأثير السلبي على عجلة التأليف»
الصورة : (نقلا عن الجمهورية)