
كتبت صحيفة "الجمهورية": بخطاب رجل دولة لم يعتمد الشعبوية بمقدار ما اعتمد الموقف الرصين والمسؤول في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة، أطلّ رئيس مجلس النواب نبيه بري في الذكرى الـ47 لتغييب الإمام موسى الصدر، بباقة من المواقف الهادئة، وضع فيها النقاط على الحروف في القضايا المطروحة، من قضية حصر السلاح إلى الجنوب، حيث استمرار عدم الإلتزام الإسرائيلي بوقف النار، فيما الورقة الأميركية تدفع في اتجاه اتفاق بديل لاتفاق تشرين الثاني الذي يشكّل الآلية التنفيذية للقرار الدولي 1701، مشدّداً على عدم نزع السلاح بغير حوار هادئ وتوافقي، واستراتيجية أمن وطني قال بها خطاب القَسَم الرئاسي والبيان الوزاري للحكومة، وعدم رمي كرة النار في حضن الجيش. ومشرّعاً الباب أمام رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ليبني على الشيء مقتضاه.
قالت أوساط سياسية معنية لـ»الجمهورية»، إنّ كلمة الرئيس بري في ذكرى الإمام الصدر عكست بوضوح فوارق جوهرية بينه وبين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في مقاربة ملف سلاح «حزب الله» والورقة الأميركية.
وأشارت هذه الأوساط، إلى انّ الكلمة أظهرت في المقابل انسجام موقف بري و»حزب الله» في مواجهة الموقف الأميركي ـ الإسرائيلي، بعدما كان البعض يراهن على حصول تمايزات وافتراقات داخل صف الثنائي الشيعي.
ولفتت الأوساط إلى انّه ما يفوت هذا البعض، هو انّ بري يرتكز في خياراته الاستراتيجية إلى ثوابت راسخة لديه كرئيس لحركة «أمل» وكمساهم أساسي في تجربة المقاومة قبل أن يكون رئيساً لمجلس النواب، وبالتالي فهو ليس مستعداً للمساومة على تلك الثوابت مهما اشتدت الضغوط.
واعتبرت الأوساط انّ تأكيد بري أنّ سلاح المقاومة هو «عزّنا وشرفنا» يعكس حقيقة نظرته إلى هذا السلاح، لكنه بدا في الوقت نفسه منفتحاً على إجراء حوار هادئ وتوافقي في شأن مصيره تمهيداً لإدراجه ضمن استراتيجية أمن وطني تعالج كل الهواجس.
المعركة حاسمة
وإلى ذلك، عبّرت مصادر سياسية عبر «الجمهورية» عن قلقها من مسار المواجهة الجارية، ببعدها الداخلي، لأنّ الطرفين المتنازعين، أي المطالبين بحصر السلاح والرافضين له، يعتبران المعركة حاسمة وعليها يتقرّر مصير كل طرف كما مصير الدولة والبلد. فـ«حزب الله» يعتبر سلاحه الورقة الأخيرة في مواجهة مع إسرائيل تمتد من طهران إلى شاطئ المتوسط، خصوصاً بعد سقوط بشار الأسد في سوريا وخسارة «حماس» في غزة واتخاذ بغداد موقفاً شبه محايد.
فالمأزق، وفق ما ترى هذه الأوساط، يتمثل أولاً بضغط خارجي عنيف، ولا سيما منه الضغط الأميركي، على الحكومة لتنفيذ خطة نزع السلاح، وثانياً بانعدام الفريق الوسطي أو الوسيط في الداخل، بعد اصطفاف رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في معسكر واحد. وليس هناك واقعياً سوى رئيس مجلس النواب نبيه بري في الموقع القادر على لعب الدور المانع للانفجار. لكن هذا الدور يواجه تحدّيات عنيفة.