
يقوم النظام الدولي على مبدأ المساواة في السيادة بين الدول، كما نصّ عليه ميثاق الأمم المتحدة. غير أن هذا المبدأ يتعرّض لاهتزاز كبير أمام آلية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، التي تمنح خمس دول فقط امتيازًا استثنائيًا يسمح لها بتعطيل قرارات مصيرية. هذا الامتياز لا يعكس فقط اختلال ميزان العدالة الدولية، بل يكشف كذلك عن نفاق سياسي يمارس باسم القانون.
أولًا: المبدأ القانوني للمساواة
• جميع الدول أعضاء الأمم المتحدة متساوية قانونيًا، مهما اختلف حجمها أو قوتها.
• يفترض هذا المبدأ أن لا تكون هناك امتيازات خاصة، وأن تُدار القضايا الدولية على أساس العدل والإنصاف.
• غير أن الفيتو يجعل من المساواة مجرد نصّ نظري، لا يجد تطبيقًا في الممارسة.
ثانيًا: الفيتو كأداة للهيمنة
• تمتلك كلاً من الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، وبريطانيا الحق في إسقاط أي قرار جوهري.
• صوت دولة واحدة يوازي أكثر من 190 دولة أخرى.
• هذا يخلق طبقية دولية تُفرغ القانون الدولي من مضمونه العادل.
ثالثًا: النفاق الدولي – القضية الفلسطينية نموذجًا
القضية الفلسطينية أبرز مثال على ازدواجية المعايير:
• الولايات المتحدة استخدمت الفيتو عشرات المرات لمنع صدور قرارات تدين الاحتلال الإسرائيلي أو تطالب بإنهاء الاستيطان أو تفرض حماية دولية للفلسطينيين.
• في قطاع غزة تحديدًا، شُلّ مجلس الأمن مرارًا بسبب الفيتو الأميركي، رغم المجازر والجرائم التي وصفتها تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بأنها قد ترقى إلى جرائم حرب أو إبادة جماعية.
• هذه الممارسات تعكس بوضوح أن الفيتو ليس أداة “حماية للسلم”، بل أداة لحماية الحلفاء وتكريس موازين القوة.
رابعًا: النتائج والتداعيات
• فقدان المصداقية: يرى الفلسطينيون ومعهم شعوب عديدة أن الأمم المتحدة عاجزة أمام نفوذ القوى الكبرى.
• شلل المجلس: لا قرارات ملزمة لوقف العدوان أو رفع الحصار عن غزة.
• ترسيخ منطق القوة: من يملك الحليف القوي ينجو من العقاب، ومن لا يملك يصبح ضحية “العدالة الانتقائية”.
خامسًا: النقد الفلسفي والسياسي
• الفيتو يفضح النفاق الدولي: الحديث عن المساواة يتهاوى حين تتعارض القيم مع المصالح.
• في الحالة الفلسطينية، يتضح أن القانون الدولي أداة مسيّسة، يُطبّق بصرامة على الضعفاء ويُعطَّل أمام الأقوياء.
• النتيجة أن العدالة تصبح مشروطة بإرادة القوى الخمس، لا بمبادئ الميثاق.
إن استمرار استخدام الفيتو في قضايا مثل فلسطين وقطاع غزة يكشف عمق التناقض بين النص القانوني والممارسة السياسية. فبينما يرفع المجتمع الدولي شعار المساواة، يظل الواقع محكومًا بمعادلة الهيمنة. ولذلك، تبقى إصلاحات الأمم المتحدة مرهونة بقدرة العالم على مواجهة هذا التناقض البنيوي، والبحث عن بدائل تمنح الشعوب المقهورة صوتًا حقيقيًا في النظام الدولي.
د.قاسم سعد
باحث في حقوق الإنسان والطفل