بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله، في 27 أيلول 2024 أجرى موقع "العهد" مقابلة مع اللواء عباس إبراهيم ضمن سلسلة بودكاست "عالعهد" الذي تقدمه الإعلامية فاطمة سلامة.
تناولت المقابلة أبرز محطات العلاقة بين اللواء ابراهيم والسيد نصر الله، بدءاً من اللقاء الأول في العاام 2006 عقب اغتيال الأخوين مجذوب في صيدا، مروراً بتفاصيل حرب تموز 2006 وملف تحرير مخطوفي أعزاز، ودور السيد نصر الله في دعم الدولة اللبنانية في مفاوضات الحدود البحرية وصولاً إلى تجارب اللواء الدولية والوساطات المهمة مع كبار المسؤولين بما في ذلك مدير وكالة الاستخبارات الأميركية والرئيس الاميركي حينذاك باراك أوباما.
شهد العام 2006 اللقاء الأول بين اللواء عباس إبراهيم والسيد حسن نصر الله وذلك في أعقاب حادثة اغتيال الأخوين مجذوب في شهر حزيران من ذلك العام حين كان اللواء ابراهيم يشغل منصب رئيس فرع مخابرات الجنوب. جرى اللقاء في الأمانة العامة السابقة في حارة حريك، حيث كان نصر الله لا يزال متاحاً لمقابلة الجميع وغير مقيّد أمنيا.
وقد فرضت ظروف التحقيق أن يصرّ السيد نصر الله على الاطلاع المباشر على تفاصيله، "لقناعته الثابتة منذ اللحظة الأولى بأن العدو الإسرائيلي هو الجهة التي نفّذت عملية الاغتيال، حتى قبل صدور نتائج التحقيق الرسمية"، كما روى اللواء ابراهيم وبناءً على طلبه حضر اللواء إبراهيم وشرح له كل التفاصيل المتعلقة بالعملية. كان ذلك اللقاء الأول بين الرجلين لتتوقف بعدها اللقاءات مدة خمس سنوات كاملة.
اللواء ابراهيم: السيد قائد يشعر الآخرين بقيمتهم
يصف اللواء عباس إبراهيم السيد نصر الله بأنه "بمثابة الأب والأم والأخ معاً، رجل يسعى دوماً الى معرفة كل ما يتعلّق بالحدث وكيف جرت تفاصيل العملية [أي عملية] ولا يكتفي بسرد الوقائع بل يحرص أيضاً على معرفة رأي محدّثه واستنتاجاته. فهو قائد يشارك الآخرين عقولهم، بعيد كل البعد من الاستبداد أو التفرد بالرأي يحب أن يشرك من يحاوره ويستمع إليه بعمق، ويُشعر الآخرين بقيمتهم وهي ميزة قلّما نجدها في أي قائد".
ويضيف اللواء عباس ابراهيم واصفاً السيد نصر الله:" "السيد هو السيد". ففي الجلسات الخاصة الطويلة كان يكسر حدّتها ببعض النكات واللمسات التي تُخفّف من التوتر والطابع الجدي في التعامل مع الملفات فيُضفي جواً مختلفاً دون أن يفرّط بجوهر الرسالة. أمّا في خطاباته، فكان يمرّر الكثير من الرسائل بطريقة لبقة تُبدّد صرامة الجدية وتصل الى المستمعين والمتابعين بوضوح. كان السيد نصر الله قائداً حقيقيا، لا مكان للرتابة في حضوره فالساعات الطويلة معه تمرّ سريعاً لما يتمتّع به من صفات القيادة وعمق التواصل الإنساني".
انقاذ شقيقة السيد نصر الله في حرب 2006
بعد اللقاء الأول الذي جمع اللواء عباس إبراهيم بالسيد نصر الله في العام 2006، اندلعت حرب تموز، وفي سياقها يروي اللواء ابراهيم حادثة لها صلة مباشرة بالسيد نصر الله. فقد كان للجيش اللبناني مركز في بنت جبيل، بينما كان العدو الإسرائيلي قد دخل الى مارون الراس واحتل مواقع تشرف على عين قانا. عندها لجأ العديد من المدنيين من القرى المجاورة إلى مركز مخابرات الجيش وأرسل أحد الضباط رسالة خاصة الى اللواء تفيد بازدياد أعداد المدنيين هناك، "ومن بينهم شقيقة سماحة السيد".
كان اللواء عباس ابراهيم يرفض إخلاء المركز رغم التهديدات باحتمال احتلاله إذ كان القرار السائد آنذاك هو:"خلي العسكر والضابط يستشهدوا، مش رح ننسحب من هيدا المركز".
ولكن حين وردته المعلومة قام بتقدير الموقف وشعر بأن الأمر قد يغيّر الكثير في مسار المعركة ونتائجها إذ إن أسر شقيقة السيد ستكون له مفاعيل كبيرة. عندها قرر سحب العسكر شريطة أن يخرج معهم المدنيون. فاتصل بقائد قوات اليونيفيل في تلك الفترة، الجنرال آلان بليغريني وأبلغه بقراره.
وحين سأله الجنرال عن سبب تغيّر موقفه، أجابه اللواء ابراهيم بأن الضغط أصبح هائلاً وأنه لا يستطيع تحمّل مسؤولية المدنيين. ووضع شرطاً يقضي بأن يُنقَل العسكر والمدنيون بآليات اليونيفيل، لأنه لم يكن يثق بأن الإسرائيلي قد يتراجع عن استهداف آليات الجيش، رغم شكّه أيضاً بأن آليات اليونيفيل قد تتعرض للقصف، لكن الاحتمال كان أقل. وافق الجنرال وأرسل الآليات فتمّ نقل العسكر والمدنيين إلى مستشفى تبنين. غير أن اللواء ابراهيم يرجّح أن الخبر تسرّب إذ تعرّض المستشفى بعد ذلك لقصف وحشي بالقنابل العنقودية.
ويستعيد اللواء ابراهيم هذه الحادثة مؤكداً أنه حين التقى لاحقاً بسماحة السيد وأطلعه على ما جرى، كان الأخير على علم كامل بالموضوع. ويضيف أن هذا الأمر يبقى بالنسبة اليه من أبرز ما يربطه بالسيد في حرب عام 2006، إلى جانب الدور الذي اضطلع به بصفته رئيساً لفرع المخابرات حيث تولّى التنسيق بين الجيش والمقاومة على الأرض. كان ذلك الدور في تلك المرحلة ضرورياً إلى أبعد الحدود، وقد أثبت جدواه في تحقيق النصر الذي تحقق في تموز 2006.
هدايا من السيد
في سياق الذكريات الشخصية والسياسية يلفت اللواء عباس إبراهيم إلى أن سماحة السيد حسن أهداه نسختين من القرآن الكريم في العام 2011 كما أهداه خاتمه ليرتديه وهي هدية ثمينة على قلبه ووجدانه.
وعند تناول ملف المفاوضات التي كانت تُدار باسم الدولة، يؤكّد اللواء أن سماحة السيد كان دائماً يقف خلف الدولة، وخصوصاً في ملفات التفاوض خلال عهد الرئيس ميشال عون، حيث كان للسيد مقولة واضحة: «انتو قرروا ونحنا وراكم» كمقاومة داعمة، وقد تجلّت هذه المقولة بوضوح في مفاوضات النقاط البحرية. وتكرّرت الروايات والمواقف حول الخرائط والعروض التي قدّمها اموس هوكشتاين، فكان يتّصلون باللواء لإبلاغه بدعوة لرؤية سماحته ليأخذ منه الرواية حول العروض المقدمة وردّ الدولة اللبنانية. استلم اللواء الخرائط وزار السيد، ووُضعت الأوراق على الطاولة وشرح له ما قدّمه هوكشتاين وإلى أين وصلت المفاوضات. ولدى سؤاله عن الوضع الحالي، أجاب بأن الأمور معقّدة وأنهم ينتظرون زيارة هوكشتاين التالية.
مع قرب الزيارة ظلّت الأمور معقّدة، وكان الرئيس نبيه بري يسعى إلى العودة إلى الإطار كحلّ لهذا الملف. فوكل السيد أحد الشباب لقراءة رسالة يبلّغها إلى هوكشتاين، مفادها في البند الأول أن حزب الله لا يريد أن يتدخّل في موضوع التفاوض، وأن هذا الأمر لا يعنيه؛ فهو لا يعترف أصلاً ببلوك 23 ولا 29 ولا غيرهما، فهذه المياه — بحسب رأيه — فلسطينية لا إسرائيلية ولا لبنانية للتفاوض عليها. هناك دولة تفاوض، وحزب الله والمقاومة يقفان خلف الدولة في أي موقف تتخذه، وطلب أن يُبلَّغ هوكشتاين ذلك نقلاً عن لسانه.
في تلك الفترة كانت باخرة تنقّب شمال الخط 29، فقال السيد إن عمل الباخرة يجب أن يتوقّف فوراً، وأنه عندما تنتهي المفاوضات إما أن تُستأنف عملية التنقيب أو تغادر الباخرة، لأنّه «لا نفط من لبنان، لا نفط لإسرائيل»: إذا توقف التنقيب عندنا يتوقف التنقيب عندهم أيضاً. وكانت الرسالة حازمة، وقال أيضاً إن خطط الحرب لديهم جاهزة؛ هم لا يريدون الحرب لكن الخطط معدّة وهم جاهزون، ومنطقة جنوب وشمال الخط 29 تُعدّ أهدافاً مشروعة لهم، وسَيمنعون إسرائيل من العمل في حقول النفط.
أضاف اللواء أنّه نقل إلى هوكشتاين أن قرار السلم والحرب هذه المرة سيكون بيد من يقود المفاوضات، وأن مجريات المفاوضات قد تغيّر مصير المنطقة، مشيراً إلى أن هذا الكلام «لن يسمعه أحد في لبنان» إلا من خلاله، وبالفعل بلّغ هوكشتاين رسالة السيد كما هي. وكان ردّ هوكشتاين أنّ «لا يعنينا أي خط، والخط الذي ترسمه الدولة نحن داعمون له".
الرئيس نبيه بري
في سياق الحديث عن العلاقات السياسية والوطنية، يذكر اللواء عباس إبراهيم لقائه ما قبل الأخير مع سماحة السيد، حيث تناولا مواضيع وطنية عامة تتعلق بالوحدة الوطنية، ووصل النقاش إلى وحدة الطائفة. في تلك اللحظة قال له السيد: «إذا كان الرئيس بري معي والعالم كله ضدي، أنا قوي، وإذا كان الرئيس بري، لا سمح الله، ضدي والعالم كله معي، أنا ضعيف». تظهر هذه العبارة مدى قوة السيد في نظره بوحدة الطائفة الشيعية، واعتباره الرئيس بري الطرف الثاني المحوري في هذه الوحدة.
خامنئي يرفض لقاء اوباما
في إطار سرد تجاربه الدولية، يروي اللواء عباس إبراهيم عن لقائه في الولايات المتحدة الاميركية مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) حيث سأل الاخير اللواء ابراهيم عما إذا كان قد زار إيران؟ فأجاب بنعم، فسأله عن مهامه هناك فأوضح أنه للتنسيق كما هو الحال مع الولايات المتحدة، وبيّن أن إيران لها دور فاعل في لبنان وأنه من الضروري التنسيق معها كما ينسق مع الأطراف الأخرى.
وعند سؤاله عن الشخصيات التي التقاها في إيران، ذكر اللواء الوزراء الأمنيين، وعن أعلى سلطة التقاها، أجاب أنه التقى السيد علي خامنئي ما دفع بمدير الوكالة إلى الاستغراب وطلب من ضباطه مغادرة الغرفة. ثم طلب من اللواء ابراهيم "خدمة خاصة"، مفادها أن الرئيس الاميركي باراك أوباما كان يرغب في زيارة طهران واللقاء بالسيد خامنئي وطلب من اللواء ابراهيم الوساطة لإنجاح هذه الزيارة. وعند سؤال اللواء ابراهيم عن سبب رغبة أوباما في زيارة إيران، أجاب مدير الوكالة أنه يريد إعادة إرث زيارة الرئيس نيكسون للصين.
أكد اللواء ابراهيم أنه لا يتحدث مباشرة مع السيد خامنئي، وأن وساطته تمت بعد ترتيب مع السيد حسن نصرالله الذي تواصل مع خامنئي. وعند سؤاله عن إمكانية استقبال أوباما، أجاب اللواء بعدم توقعه لذلك، وأبلغ السيد نصرالله بما جرى فأكّد الأخير عدم توقعه أيضاً لكنه اقترح الاستفسار. وبعد أيام، تلقى اللواء اتصالاً من السيد نصرالله بشأن الموضوع، جاء فيه:"لا أهلاً ولا سهلا".

