
كتبت صحيفة "الأخبار" تقول:
لم يبقَ سوى سبعة أيام على انتهاء مهلة تسجيل المغتربين للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة. ومع ذلك، لا يزال عدد الناخبين المُسجّلين دون ما تأمله بعض القوى السياسية، التي تراهن على هؤلاء، لتحقيق النتائج التي ترجوها.
فما تسلّمته وزارة الداخلية والبلديات من وزارة الخارجية والمغتربين حتى أمس، بلغ 43,964 طلباً (قُبل منها 43,275، بعد المطابقة مع البيانات الرسمية)، في مقابل 126,999 ناخباً كانوا قد سجّلوا أنفسهم حتى التاريخ نفسه من عام 2021، للمشاركة في الانتخابات النيابية لعام 2022. دفع ذلك وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي خلال جلسة الحكومة التي عُقدت أمس، إلى طلب تمديد مهلة تسجيل المغتربين حتى 31 كانون الأول، من خارج جدول الأعمال، في مسعى لإحراج الحكومة ودفعها إلى إقرار ذلك، بمعزل عن مشروع قانون تعديل قانون الانتخابات الذي أقرّته في جلستها الفائتة.
وعلّل رجّي طلبه بإتاحة الفرصة لعدد أكبر من المغتربين، لتسجيل أسمائهم، على أن تتم إضافتهم إلى القوائم الانتخابية لاحقاً، في حال عدّل مجلس النواب قانون الانتخابات. أمّا إذا تمّ الإبقاء على القانون والمهل من دون تعديل، فيتم حينها «رمي» الأسماء التي تسجّلت بعد انتهاء المهلة الأساسية، أي 20 تشرين الثاني 2025.
لكنّ معظم الوزراء عارضوا المُضي في هذه المخالفة القانونية، باستثناء وزراء حزب القوات. وعلى رأس هؤلاء المعارضين، وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، الذي رفض المُضي في قرار مماثل، لما يشكّله من تلاعب بالقانون الساري المفعول ومن استفزاز لفئة سياسية مُحدّدة.
كذلك، اعتبر وزير العمل محمد حيدر أن طلب رجّي يُصنَّف ضمن الخانة السياسية لا الإدارية، ولا سيما أن الخبر تمّ تسريبه إلى محطة «أم تي في» لحظة طرحه (اتّهم عدة وزراء وزير الصناعة جو عيسى الخوري بتسريب الخبر) في مسعى للضغط على مجلس الوزراء.
بذلك، تمّت إطاحة طرح رجّي، خصوصاً بعدما اعتبر رئيس الحكومة نواف سلام أنه «غير منطقي»، ومن شأنه أن يعقّد الوضع بالنسبة إلى المغتربين، سائلاً إياه عمّن سيتحمل مسؤولية ردّ فعل المغتربين في حال سجّلوا أسماءهم بعد انقضاء المهلة الأساسية، وتعذّر إدراجها في القوائم الانتخابية في حال عدم تعديل القانون الحالي.
وكان رجّي قد أثار أمام رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة إمكانية استخدام صلاحية رئيس الجمهورية في إصدار القوانين بمرسوم، من دون إقرارها في مجلس النواب، لتمرير التعديل على قانون الانتخابات، إذ يتيح الدستور لرئيس الجمهورية أن يصدر مرسوماً بعد موافقة مجلس الوزراء يقضي بتنفيذ كل مشروع قانون تقرّر الحكومة كونه مستعجلاً، شرط إدراجه في جدول أعمال جلسة عامة لمجلس النواب وتلاوته فيها، ومضي مهلة أربعين يوماً من دون أن يُبتّ فيه. يعني ذلك أن استخدام رئيس الجمهورية لصلاحيته، في حال وافق مع مجلس الوزراء على ذلك، يبقى مربوطاً بإدراج رئيس مجلس النواب نبيه بري مشروع القانون على جدول الأعمال.
لا حماسة لدى المغتربين
لا شكّ أن جميع القوى السياسية اليوم تنتظر تاريخ 20 تشرين الثاني الجاري، لتبني خططها الانتخابية، بعد دراسة القدرة الفعلية للمغتربين المُسجّلين في التأثير على نتائج الانتخابات النيابية. فبقاؤها منخفضة، سيفقدها قدرة التأثير، والعكس صحيح.
وفي هذا السياق، ترجّح مصادر حكومية ألّا يتعدى عدد المُسجّلين 80 ألفاً، في تراجع يتخطى 50% عن عام 2021، حينما بلغ مجموع المُسجّلين 244,442 مغترباً، قُبلت منهم طلبات 225,624 مغترباً، وانتخب منهم 141,575 مغترباً، أي نحو 63%.
وبحسب مصادر وزارة الداخلية، يتوزّع المغتربون الذين تسجّلوا حتى الآن على القارات بالشكل الآتي: أوروبا 17,209 ناخبين (41,654 ناخباً في التاريخ نفسه من عام 2021)، أميركا الشمالية 9,492 ناخباً (27,660 ناخباً في عام 2021)، آسيا 6,650 ناخباً (31,718 ناخباً في عام 2021)، أفريقيا 5,866 ناخباً (11,188 ناخباً في عام 2021)، أوقيانيا 3,644 ناخباً (11,653 ناخباً في عام 2021) وأميركا اللاتينية 414 ناخباً (3,126 ناخباً في عام 2021).
50%، التراجع المتوقّع في عدد المغتربين المُسجّلين، بسبب خيبة الأمل وعدم اليقين بشأن قانون الانتخاب
تفسّر مصادر حكومية هذا التراجع الكبير بـ«تبدّل الظروف السياسية، ولا سيما أن انتخابات عام 2022 أعقبت انتفاضة شعبية وبروز جيل جديد من التغييريين الذين أعطوا آمالاً للناخبين في الداخل أو الخارج، بأن ترشحهم سيقلب التوازنات والمعادلات السياسية في البلد وسيساهم بتفعيل المحاسبة والإصلاح.
غير أنهم تلقّوا صفعة كبيرة من أداء هؤلاء النواب أولاً، تضاف إليها خيبة أمل حديثة من أداء حكومة التغييريين وحزب القوات، كما العهد الجديد. وهو ما عزّز لديهم قرار الانكفاء وعدم تكلّف مجهود للتسجيل والانتقال من ولاية إلى أخرى، ما قد يستغرق ساعات، للإدلاء بأصواتهم». يُضاف إلى ذلك عدم يقين المغتربين بشأن القانون الذي سينتخبون على أساسه (6 مقاعد أو الدوائر الـ 15).
معضلات إضافية
تبرز أيضاً معضلة تعديل المادة 84 لاستبدال الـ«ميغاسنتر» بـ«QR Code» في مراكز اقتراع كبرى خارج الدوائر الانتخابية، إذ أبلغ وزير الداخلية المعنيين بأنه في حال عدم إقرار التعديل قبل نهاية الشهر الجاري، سيصبح غير قابل للتطبيق في 5 أيار المقبل، ما سيتطلب تأجيل الانتخابات إلى آب المقبل، إذ يتوجب على وزارة الداخلية الانتهاء من التحقّق من الأسماء وطلبات الناخبين قبل 1 شباط المقبل، وهو شبه مستحيل.
فمشروع قانون الحكومة لم يصل إلى مجلس النواب بعد، وثمة صعوبة في دعوة رئيس مجلس النواب إلى جلسة تشريعية قبل مطلع الشهر المقبل، فضلاً عن أنه في حال فتح باب تعديل موعد الانتخابات، فـ«لن يقتصر الأمر على شهرين، وسندخل في تمديد طويل وتعديلات لا تُعد ولا تُحصى»، على ما يشير المقرّبون من بري.
أمّا إضافة مشروع القانون إلى جدول الأعمال، فدونه مشكلة «إصرار بري على استكمال جدول أعمال الجلسة الأخيرة لمجلس النواب الذي لا يزال مفتوحاً، بعد انسحاب نواب القوات وحلفائهم في منتصف الجلسة، وتطييرهم النصاب قبل الانتهاء من مناقشة كامل الجدول، وختم المحضر».
عدا ذلك، تؤكّد المصادر أن بري لن يتخلّى عن حقه في «إحالة مشروع الحكومة إلى اللجنة النيابية المُكلّفة ببحث قوانين الانتخابات وفقاً للمادة 26 من القانون الداخلي لمجلس النواب». وهناك سيلاقي المشروع «مقبرته» لوجود 12 اقتراح قانون تتمّ مناقشتها، وأُضيف إليها ثلاثة اقتراحات جديدة: الأول اعتماد صوتين تفضيليين مُقدّم من النائب جميل السيد والثاني تعديل سن الاقتراع ليصبح 18 عاماً مُقدّم من النائبة حليمة قعقور والثالث تعديل بعض شروط الترشح مُقدّم من النائب إيهاب مطر. ليصبح مشروع قانون الحكومة في المرتبة 16، ما يعني أن الوصول إليه يتطلّب فترة زمنية لا تقلّ عن سنة!
الصورة : (هيثم الموسوي)
